(1) "أدونيس" هو لقبٌ اشتهر به الأديبُ والكاتب العربي علي أحمد سعيد إسبر منذ سنة 1948. سوريُّ الأصل، يُقيم في فرنسا منذ 1986، متزوج وأب لبنْتين، "أرواد" و"نينار". قيل إن أنطون سعادة(1904- 1949)، زعيمَ الحزب القومي السوري الاجتماعي، هو الذي أطلق عليه هذا اللقب، لكن أدونيس ينفي ذلك، ويؤكد أنه هو الذي اختار هذا اللقب لنفسه؛ يحكي أدونيس في هذا الصدد أنه، في بداية حياته الشعرية، وكان يومئذ يتابع دراسته الثانوية في اللاذقية، وعمرُه زهاء سبع عشرة سنة، كان يُرسل بعضَ تجاربه إلى الصحافة موقعةً باسمه الحقيقي(علي أحمد سعيد)، لكنها لم تكن تجد طريقا إلى النشر. وذات يوم يحكي أدونيس: "وقعتْ في يدي، مصادفة، مجلةٌ أسبوعية، لبنانية على الأرجح، قرأت فيها مقالةً عن أسطورة أدونيس: كيف كان جميلا، وأحبته عشتار2، وكيف قتله الخنزيرُ البري، وكيف كان يُبعث، كل سنة، في الربيع..إلخ. فهزتني الأسطورةُ وفكرتُها. وقلت، فجأة، في ذات نفسي، سأستعير مِن الآن فصاعدا اسمَ أدونيس، وأُوقِّع به. ولا شك أن هذه الصحفَ والمجلات التي لا تنشر لي، إنما هي بمثابة ذلك الخنزيرِ البري الذي قَتل أدونيس. وفعلا كتبتُ نصا شعريا وقّعته باسم أدونيس، وأرسلته إلى جريدة لم تكن تنشر لي، وكانت تصدر في اللاذقية. وفوجئت أنها نشرته. ثم أرسلت نصا ثانيا، فنشرته على الصفحة الأولى..."3 ولم يكن عليّ أحمد يُخفي اعتزازه بهذا اللقب، بل كان يبالغ في تقدير وزن هذا اللقب وبُعْده الثقافي الكوني، إذ كان يعتبر تغييرَ اسمه "الإسلامي" بآخر غير إسلامي تحررا من قيود هُويته المحدودة الجامدة، وانخراطا في هُوية "كونية" لا حدود لها؛ يقول أدونيس، من حوار مع الفرنسي أندريه فيلتر: "بتغيير اسمٍ جِدّ إسلامي(علي) لصالح اسم لا علاقة له بالإسلام(أدونيس)، فإنما كنت أضطلع بالعبور إلى الكوني. بإمضائي بهذا الاسم، كنت أتحرر من تراث جامد، وأكتسب حرية أوسع. وبهذا صرت قادرا على أن أُدرج التراث العربي نفسه في حركة الثقافة الكونية..."4. لقد كان أدونيس يتحدث كثيرا، وفي كل مناسبة، عن لقبه (أدونيس)، ويشيد بما أكسبه إياه هذا اللقبُ من المعنى الإنساني الكوني، فضلا عن الشهرة. فهذا اللقب، يؤكد أدونيس مفتخرا، هو الذي أخرجه من ضيق الطائفية الإسلامية التي كان يسجنه فيها اسمه (علي) إلى سعة الهوية العالمية التي لا حدود لها. وحينما تلاحظُ ابنتُه(نينار)، في حديث لها مع أبيها، أن اسم (علي) له دلالة إسلامية بخلاف لقب (أدونيس) الراسخ في الوثنية، فإنه يردّ بسرعة بأنه مع المعنى الوثني5. وهذا ردّ طبيعي، وخاصة إذا علمنا أن أدونيس قد صرح في مناسبات عديدةٍ بأنه وثنيٌّ في معتقده. بل هو يذهب بعيدا لإثبات الأصل الوثنيّ لاسمه الإسلامي حينما يزعم أن اسم (علي) مشتق مِن (EL) وهو اسم الإله الأعظم عند السومريين...6. (2) وُلد أدونيس سنة 1930، بقرية "قصّابين"، قرب بلدة جَبَلَة شمالي غرب سوريا، في منطقة اللاذقية، ونشأ في بيئة ريفية، وفي جو عائلي تطبعه التقاليد العلوية الشيعية. تعلّم في صغره القراءةَ والكتابة في الكتّاب، وحفظ على يد أبيه، في بيته، شيئا من الشعر العربي وشيئا من المأثورات المتصلة بتراث الطائفة العلوية. ولمّا بلغ الرابعة عشرة من عمره أُلحق بالمدرسة العلمانية الفرنسية، في طرطوس، مكافأةً له على نباهته وذكائه وموهبته الأدبية المتميزة7. بعد خمس سنوات حصل على شهادة الباكالوريا، ثم تابع دراسته، ما بين 1950 و1954، بالجامعة السورية8، في قسم الفلسفة بكلية الآداب، حيث نال درجة الأستاذية بأطروحته عن "الصوفية العربية"9. كان في شبابه عضوا مناضلا في صفوف الحزب القومي السوري الاجتماعي، الذي أسسه النصراني اللبناني أنطون سعادة سنة 1932. وكان أنطون هذا من أعلام دعاة المذهب اللائكي اللاديني، على منهج سلفه فرح أنطون، فضلا عن أنه كان من دعاة فصل القطر السوري عن أمته العربية الإسلامية، وربطِه بأطلال الحضارة الفينيقية البائدة، وجعلِ مُثِله العليا في آلهة الأساطير المأثورة عن تلك التواريخ السحيقة10. وفي لقاء صحفي وصف أدونيس، وقد كان في الرابعة والسبعين من عمره، عمله الحزبيَّ في سوريا بأنه كان "فترة طفولية ومدرسية"، وذَكر، في هذا اللقاء، أنه ترك العمل الحزبي منذ سنة 1961.11 في صفوف هذا الحزب تعرّف أدونيس على (خالدة سعيد)، وكانت هي كذلك من مناضلات الحزب، وتزوجها سنة 1956. وعلى إثر المحن التي ابتُلي بها الحزبُ القومي السوري، فرّ أدونيس إلى لبنان وانخرط في نضالات الأممية الثورية الشيوعية. وهو يذكر، في أحد حواراته، أن الذي دعاه إلى الهجرة إلى لبنان ثلاثة أسباب، الأولُ معارضُته للنظام الحاكم في سوريا، والثاني مشروعُ المجلة مع يوسف الخال، والثالث حبّه لبيروت12. ويرى أدونيس، في هذا الحوار، أن انتقاله إلى بيروت شكل لحظةَ تحول تاريخي في حياته؛ يقول عن هذه اللحظة: "إنها لحظة يتعذر عليّ تقديرُها، تلك التي كانت الجسرَ الذي حملني، ناقلا حياتي من ضفة إلى ضفة، إذ بهذه اللحظة أيضا، يمكن أن تؤرخ حياتي. كانت بداية لأحلاف وعهود كثيرة عقدتها مع المستقبل، واثقا أنه خير لي أن أحتضنَ صحرائي وأتابع الهواء الذي يحمل رائحة البحر. ولم أندم، ولم آسف على شيء."13 شارك أدونيس بنشاط كبير في تحرير مجلة "شعر"، التي أسسها يوسف الخال، في لبنان، سنة195714. وبعد اختلافه مع يوسف الخال، وانفصاله عن جماعة "شعر"، أسس سنة 1968 مجلة "مواقف"، التي امتازت، مع "شعر"، بحمل لواء المذهبية الحداثية في مضمار الفكر والأدب والنقد. في سنة 1960، حصّل أدونيس، من الحكومة الفرنسية، على منحة للدراسة في فرنسا15. وقد بلغ من اعتداده بنفسه وثقته في مواهبه وقدراته أنه كان يرى نفسه أكبرَ مِن أن تستوعبه مؤسساتُ التعليم الرسمي المنتظم، ولو كانت هذه المؤسسات في العاصمة الفرنسية باريس16. وفي سنة 1973، نال شهادة الدكتوراه في الآداب من جامعة القديس يوسف، في بيروت، عن أطروحته المشهورة حول "الثابت والمتحول/بحث في الاتباع والإبداع عند العرب"، وبعدها اشتغل بالتدريس بالجامعة اللبنانية. وبعد اشتعال الحرب الأهلية في لبنان، عاد إلى سوريا سنة 1976، حيث عمل أستاذا في جامعة دمشق، ومحررا أدبيا في صحيفة الحزب الحاكم "الثورة"17. اشتغل، منذ 1981، أستاذا زائرا في بعض الجامعات ومراكز البحث، في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدةالأمريكيةوألمانيا. نال عدة جوائز، عربية ودولية، في مجال الإبداع الشعري. وهو من المثقفين العرب المرشحين لجائزة "نوبل" العالمية منذ سنة 1988. في سنة 1995، قرر اتحاد كتاب العرب، في دمشق، طردَ أدونيس بسبب مشاركته في مؤتمر غرناطة، بإسبانيا سنة 1993، إلى جانب عدد من المثقفين الإسرائيليين، بكلمة حُملت على أنها دعوةٌ إلى التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني الذي ما يزال يغتصب أرض فلسطين. وقد قامت دنيا المثقفين العرب، بمختلف ألوانهم، لهذا القرار الذي اعتبروه ظلما صارخا في حق أدونيس، وفي حق الفكر والمفكرين، والثقافة والمثقفين عموما. وقد أصدر اتحاد كتاب المغرب، الذي كان يرأسه يومئذ الاشتراكي المعارض محمد الأشعري-كان معارضا قبل أن يدخل إلى حظيرة المخزن هو ورفاقه فيما عُرف بحكومة التناوب برئاسة عبد الرحمن اليوسفي سنة1998- بيانا يندد فيه بقرار طرد أدونيس. اشتهر أدونيس بتنوع تجاربه الحداثية، وكذلك بكثرة كتاباته واستجواباته ومقالاته. وقد تُرجمت بعض أعماله إلى بعض اللغات الأجنبية. في المقالة القادمة، إن شاء الله: لماذا نسبةُ مدرسةٍ لأدونيس؟ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. الهوامش: 1- أدونيس هو اسم أحد الآلهة المشهورة في الأساطير الفينيقية. 2 -عشتار هي إلهة الحب والحرب في أساطير البابليين. كان السومريون يطلقون عليها عناة، والعرب يسمونها عثتر، والإغريق يسمونها أفروديت. 3 -عن مجلة (عيون)، عدد6، السنة الثالثة 1998، كولون-ألمانيا. يُراجع أيضا حوارُ أدونيس مع أندريه فيلتر، في جريدة "لوموند" الفرنسية، 30 نونبر1984. وقد أعاد كاظم جهاد نشرَ هذا الحوار في كتابه "أدونيس منتحلا"، ص163-167. 4 -جريدة "لوموند" الفرنسية، 30 نونبر1984. عن كتاب "أدونيس منتحلا"، لكاظم جهاد، ص164. 5- من كتاب بالفرنسية Conversations avec Adonis, mon père(محادثات مع أدونيس أبي)، ص46. والكتابُ عبارة عن أحاديثَ دارت بين البنت (نينار) وأبيها أدونيس في جلسات متفرقة استمرت من نونبر2003 إلى شتنبر2004. وقد جَمعتْ نينار هذه الأحاديث ونشرتها في مارس2006 بعنوان: (محادثات مع أدونيس أبي). 6- نفسه، ص46. 7 لقد كان التحاقُ أدونيس بالمدرسة الفرنسية بطرطوس مكافأةً له على القصيدة المدحية التي قرأها في الاحتفال الذي نُظم لاستقبال رئيس الجمهورية ببلدة (جبلة). 8 -يقول أدونيس عن حياته الجامعية في دمشق: "دخلت أولا كلية الحقوق. أمضيت قرابة السنة، ثم رأيت أنني لا أستطيع أن أتابع فيها، فانتقلت إلى كلية الآداب، قسم الفلسفة؛ كنت أشعر أن قسم اللغة العربية لن يفيدني شيئا، لأنني كنت أعرف مسبقا، لغةً وشعرا، ما سأدرسه فيها، لذلك اخترت الفلسفة، قائلا في ذات نفسي: ربما أفيد من الفلسفة، فتفتح لي آفاقا فكرية غريبة علي..."(من الحوار المنشور في مجلة "عيون"، مرجع سابق(م.س)) 9- في حدودِ علمي واطلاعي، لم تعرفْ هذه الأطروحةُ طريقها إلى الطبع والنشر. وقد يكون سببُ ذلك، في تقديري، راجعا إلى مضامينَ في الأطروحة تخالف العقائدَ الإسلامية. ولعل هذا، في تقديري دائما، هو ما جعل الطالبَ أدونيس يختار لأطروحته عنوان "الصوفية العربية" وليس "الصوفية الإسلامية". ومهما تكن صحةُ هذه التقديرات، فإن أدونيس، اليوم، بات مشهورا بصوفيته "اللادينية"، وأفكارُه في الموضوع أصبحت معروفة ومنشورة، وخاصة في الجزء الثاني من "الثابت والمتحول"(تأصيل الأصول)، وفي كتاب "الصوفية والسوريالية". وسأرجع، لاحقا، إلى صوفية أدونيس في فصل مستقل من فصول هذه المقالات. 10- يقول أنطون سعادة مِن مقال حول "بعث الأدب السوري"، مؤرخٍ بفاتح يونيو1933(مجلة "المجلة"، المجلد8، العدد4): "...من أسطورة الإله أدونيس بن تاياس الملك السوري العظيم يدرك المرء الدرجةَ الرفيعة من الجمال التي تبوأتها النفسية السورية، ومنها اكتسبت النفسيةُ المصرية إلهها أوزوريس، والنفسيةُ الإغريقية الإله السوري نفسه. زفاف أدونيس إلى برسفون فراقٌ ووحشة وفراغ وأسى: الشتاء البارد العاري. وزفافه إلى أفروديت عرسٌ وفرح وامتلاء وبهجة: الصيف المنّور المثمر، الممتلئ حياة! هذه هي الرواية السورية الإلهية للكمون والنمو والإنتاج؛ هذه هي الأسطورة الجميلة التي جمعت بين سر الكمون والاستتار وعلانية الحركة والظهور ، بين سمو التفكير وعمق الشعور. وهذه هي النفسية السورية ببساطتها وغرابتها". 11- صحيفة "القدس العربي"، 06/04/2004. 12- يقول أدونيس في هذا الصدد: "تركت سوريا لأسباب سياسية، أولا. لم تكن تعجبني أفكار النظام آنذاك ولا ممارساته. وكنت مناوئا، فكريا، لنظريات "القومية العربية" والوحدة العربية، كما كان يطرحها كُتّاب هذا النظام ومفكروه. وقد أمضيت قرابة السنة في سجن المزة بدمشق، وفي السجن العسكري بالقنيطرة، دون أن أحاكم. وخرجت، بعد هذه السنة، بريئا! وتركتها ثانيا، لكي ألتقيَ بيوسف الخال، لأنه كتب لي من نيويورك أنه عائد إلى بيروت، وأن في نيته إصدارَ مجلة تعنى بالشعر العربي، وبالحداثة الشعرية خصوصا، وأنه سيكون سعيدا بالتعاون معي في إصدار هذه المجلة. وتركتها ثالثا، شغفا ببيروت، ورجاء بحياة لا طغيان فيها"(من حوار لِ(مارغريت أوبانك) و(صموئيل شمعون) مع أدونيس. نُشر نصه الأصليُّ في مجلة (بانيبال)، في لندن، بالإنجليزية، وترجمته مجلة (عيون) التي تصدر في كولون بألمانيا-عدد6، السنة الثالثة، 1998). 13 -عن المرجع السابق. 14- هناك رأيان مختلفان حول أصل علاقة أدونيس بمجلة "شعر". فالأول، وهو رأي أدونيس نفسه، أنه كان شريكا ليوسف الخال، منذ البداية، في تأسيس المجلة، والرأيُ الثاني أن أدونيس التحق بالمجلة بعد التأسيس. يقول أدونيس، متذكرا لقاءه الأولَ مع يوسف الخال: "في الأسبوع الأول مِن وصولي إلى بيروت، أواخر أكتوبر 1956، التقيت بيوسف الخال. ومنذ لقائنا نشأت بيننا صداقةٌ قوية، شعريا، وإنسانيا. وكنا معا دائما، في بيته. كان واعيا وواثقا أنه سيفتح بهذه المجلة، مجلة "شعر"، أفقا جديدا للشعر العربي. وكان قد تحدث عنها مع أصدقاء وشعراء آخرين. كان هذا اللقاءُ الأول بيوسف الخال لقاء عمل. كنا كمثل شخصين أقاما عهدا بينهما، دون أن يعرف أحدهما الآخر، ودون أن يلتقيا، ولم يكن لقاؤهما إلا لكي يضعا هذا العهدَ موضع الممارسة. هكذا بدونا، في لقائنا، كمثل شخصين تربط بينهما صداقة قديمة، قدم الشعر؛ كمثل شخصين يسكنهما هاجسٌ واحد من أجل قضية واحدة: التأسيس لكتابة شعرية عربية جديدة؛ كمثل شخصين لا سلاح لهما غير الشعر والصداقة والحرية، لكنهما يشعران في الوقت نفسه، أنهما القويان اللذان لا تغلبهما أية قوة"(نفسه). 15- يقول أدونيس عن مدينة باريس، وهو يراها لأول مرة: "كانت باريس الصدمة الأولى في زياراتي لمدن العالم. قرويٌّ فقير لم يكن يحلم حتى برؤية دمشق أو بيروت، وها هو في باريس. كان الواقع كمثل الحلم. وقد بقيت مني باريس فترة لا أعيشها إلا بوصفها حلما...". ويصف المدى الذي بلغته علاقتُه العاطفية بباريس قائلا: "وفي زياراتي لمدن أخرى، كنت أشعر أن باريس تهيمن علي؛ إنها تحول دون أن تدخلَ إلى نفسي أية مدينة أخرى غيرها. وكنت أشبهها بين المدن، بالنسبة إلي، باللغة العربية بين اللغات؛ فاللغة العربية مقيمة في كل خلية من خلاياي، وهي تحول بغيرة عنيفة، أن تدخل إلى نفسي أية لغة أخرى، كأني ملك خاص لها"(نفسه). 16 -فهو يحكي، مثلا، أنه، في بداية حياته الجامعية، أعرض عن الدراسة في قسم اللغة العربية، لأنه كان يشعر أنه لن يفيده شيئا، لأنه كان يعرف مسبقا ما سيدرسه في هذا القسم، ومع ذلك، فهو، كما يحكي، لم يكن يتابع دراسته بانتظام، "والحقيقة- كما يقول- أنني لم أكن طالبا، بالمعنى الحصري لهذه الكلمة"(نفسه). ويحكي عن اللغة الفرنسية أنه لم يدرسها في المدرسة، وإنما درسها بنفسه، اعتمادا على القاموس(نفسه). ولي ههنا سؤال: ماذا كان يفعل الطفل علي، وهو في الرابعة عشرة من عمره، في المدرسة الفرنسية اللائكية بطرطوس؟ ويحكي، أيضا، أنه لم يكن ناجحا في كلية ضباط الاحتياط، التي قضى بها زهاء سنة، بعد تخرجه من الجامعة، فيما كان يُسمّى "خدمة العلم"؛ فجميع زملائه تخرجوا من هذه الكلية برتبة ضابط، إلا هو، فقد تخرج برتبة رقيب أول(نفسه). نفس الشيء حينما سافر للدراسة في فرنسا؛ يقول أدونيس: "ربما، بسبب من سيطرة هذا السحر[يقصد سحر العالم الجديد أي سحرَ باريس]، لم أقدر أن أتابع دراسة الفرنسية في مدرسة "الأليانس"، فبعد أسبوع من دخولي إليها، قررت أن أهجر الدراسة نهائيا"(نفسه). 17- أدونيس منتحلا، لكاظم جهاد، ص170.