احتضنت قاعة الندوات بالطابق الثالث للمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، يوم أمس الخميس، حفل تدشين كرسي الراحل محمد العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال، وسط حضور قيادات وطنية من حزب الاستقلال وقيدومي الصحافة والإعلام في المغرب، إلى جانب أفراد من أسرة وزير الاتصال الأسبق ممن تعهدوا بالتبرع بعدد من أعماله العلمية والسياسية لصالح المؤسسة التي تم تدشينها بحضور مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم حكومة تصريف الأعمال. ومن أبرز الشهادات المؤثرة التي ألقيت خلال اللقاء ما قاله الكاتب والروائي والصحافي المخضرم عبد الكريم غلاب عن المساري، الذي وافته المنية في يوليوز 2015 والذي يعد "رجلا من رجالات الصحافة الذي أخلص لها وقدرها كما أخلصت له وقدرته في حياته وبعد مماته"، مضيفا أن المساري كان "رجلا عصاميا قدمته ظروفه وعقليته ونشاطه وتطلعاته إلى ميدان الصحافة.. كان من حقه أن اختار المجال، فبدأ في تكوين شخصيته كرجل ثقافة وعلم". وتابع المدير السابق لصحيفة "العلم" أن الراحل المساري امتاز بإخلاصه لعمله، و"قليل من الرجال استطاعوا أن يتميزوا مثله"، ملفتا إلى أن "المساري كان دوما يوجه قلمه وثقافته نحو الخير والصدق والأمانة". "كان الراحل المساري صادقا وصريحا فيما يكتب. لذلك، تقبله القراء بكامل الابتهاج والفرح"، يضيف غلاب الذي شدد على أن المساري كان يختار الموضوعات الصعبة وليس السهلة "كان يكتب الجديات وليس الهوائيات والخرافيات"، ليختم شهادته في حق المساري بالقول إنه "كان مجدا بعمله وأخلاقه، ولم يكتب كلمة واحدة في هجو شخص.. بل كان دوما مثال الصدق والوضوح والصراحة.. ومثالا لنظافة اليد والعقل واللسان في وقت خضعت فيه الصحافة للارتزاق". أما الوزير مصطفى الخلفي، فبعدما أورد اشتغاله بجانب الراحل المساري في اللجنة الوطنية لإصلاح قوانين الصحافة والنشر التي ترأسها، و"في جميع مراحل النضال من أجل أخلاقيات المهنة"، اعتبر أن كرسي الراحل العربي المساري لأخلاقيات الإعلام والاتصال سيبقى مفتوحا للعموم وسينضاف إلى المجهودات المبذولة في البلاد من أجل إشاعة وتقنين أخلاقيات الإعلام. وحسب الخلفي، فإن مهام الكرسي الحديث تتمثل في "تقديم مسار دراسي سنوي في دورات معمقة ومنتظمة، وتنتج عنها شواهد علمية للتكوين في أخلاقيات المهنة"، ثم "تشجيع البحث العلمي المرتبط بمجال أخلاقيات المهنة"، و"تنظيم محاضرات مفتوحة للعموم والتكوين والتأطير العام"، فيما شدد على أن مستقبل الإعلام بالمغرب يبقى مرتبطا بأخلاقيات المهنة "لأن غيابها يفقد المنتوج الإعلامي استقلاليته". الأكاديمي المغربي جمال الدين الناجي، المدير العام للهيأة العليا للاتصال السمعي البصري، شدد على ضرورة بناء دولة القيم والأخلاق بعد دولة القانون، خاصة في الصلة بمجال الإعلام والاتصال، "يجب أن نقدم الأخلاق على القانون في علاقة الإنسان بالعالم الافتراضي، فدولة القيم تقوم على السلم والتسامح والمسؤولية الفردية، أما دولة القانون فظهرت في التاريخ على الحروب والصراعات". وقسّم الناجي الأجيال المغربية في علاقتها بالصحافة والإعلام إلى جيل أول "ناضل لأجل هوية واستقلال المغرب ومكانته في المنتظم الدولي"، ثم جيل "البديل الحارق الذي عاش في سنوات الجمر والرصاص.. حيث كانت مهنة الصحافة وكأنها وسط بلاد تعمها حرب ضروس فتتلمذنا على فن الحرب بالقلم"، إلى أن وصل إلى جيل قال إنه يعيش في العالم الافتراضي في حياته اليومية. وبالعودة إلى "دولة القيم" التي تحدّث عنها الناجي، قال الأخير إن بناء دولة القانون كانت هي الأصل لدى البشرية؛ "لأنها كانت في السابق تحتاجها، بالرغم من أنها بنيت على العنف والحرب.. لكن المنطق السليم يبقى الانطلاق من القيم فيبني الإنسان القوانين استنادا على الأخلاق وليس العكس"، فيما شدد على أن إشاعة الأخلاقيات في مجال الإعلام والاتصال لا تتم عبر قوانين، "في الحالة الرقمية لا يمكن أن نتحدث عن أخلاقيات عبر قوانين؛ بل نحتاج إلى التربية والتنشئة". وتوفي وزير الاتصال الأسبق محمد العربي المساري، في يوليوز من العام الماضي، عن عمر 79 سنة، وهو الذي بدأ مساره الصحافي بالإذاعة الوطنية سنة 1958 والتحق سنة 1964 بجريدة العلم كمحرر فرئيس تحرير ثم مديرا لها سنة 1982، فيما التحق عام 1965 التحق بالمجلس الوطني لحزب الاستقلال وانتخب عضوا في اللجنة المركزية، قبل أن يتم انتخابه سنة 1974 عضوا في اللجنة التنفيذية للحزب. وعين الراحل المساري، الذي شغل منصب كاتب عام اتحاد كتاب المغرب لثلاث ولايات، سفيرا للمملكة بالبرازيل من 1985 إلى 1991. كما شغل حقيبة وزارة الاتصال من مارس 1998 إلى شتنبر 2000؛ فيما ترأس أيضا اللجنة الوطنية لإصلاح قوانين الصحافة والنشر، وكذا لجنة ميثاق أخلاقيات المهنة بوكالة المغرب العربي للأنباء.