سبق لي في مقال إلكتروني -بعنوان "في شبهات التربية الإسلامية: حذف الإرث والجهاد نموذجا"- أن نبَّهتُ على "الوعاء الحاضن لكل هذا وغيره مما ورد في الكتاب المدرسي هو تخصيص سورة بكاملها لمستوى تعليمي تعلّمي -لم يرد في سابقه من الكتاب المدرسي- شكّلت تلك السورة محورا جوهريا لجميع موضوعات الكتاب؛ فلمّا ينتهي التلامذة من كتابهم هذا يكونون قد اكتسبوا معاني سورة بكاملها وأسرارها في علاقتها بمختلف العلوم الظاهرة والباطنة المشتملة عليها، من أخلاق وأحكام وحِكَم، بما يناسب العصر وأهله، وهذا ما يصطلح عليه بالتفسير الموضوعي للقرآن الكريم في شق الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية، الذي لا يقدر عليه إلا المتخصصون في رصد تناسب آيات القرآن وموضوعاته المعرفية والمنهجية، الظاهرة والباطنة، وتكاملها العمودي والأفقي. العمودي في تكامل موضوعات مدخل التزكية مثلا فيما بينها، وهكذا موضوعات كل مدخل على حدة، والأفقي في تكامل موضوعات مداخل التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة فيما بينها؛ نشدانا للكمال الإنساني وخدمة للرأسمال غير المادي ركن أي حضارة وتقدم، وتنبّها لطبيعة موضوعات القرآن التي يعضد بعضها بعضا منهجيا ومعرفيا". جامع البرنامج في مفرداته: يتلخص ما سبق فيما يلي من مفردات برنامج السنة الأولى من سلك البكالوريا: نلاحظ من خلال هذه المفردات الواصفة للمنهجية أنه يَصْعُبُ كثيرا على غير المتخصّصين وعلى المتحاملين فهم هذه المنهجية، بله التّصدّر لانتقادها وكَيْلِ مُختلِف الأحكام المتسرّعة بشأنها؛ لعل بعضها ناتج عن التنافس التجاري غير الشريف، وبعضها ناتج عن التسابق غير الشريف لاستقطاب أكثر المتعاطفين لانتماء ما، وبعضها الآخر ناتج عن تضليلات خصوم وحدتنا الترابية عبر الأنترنت. كما أن المهتمين والمهتمات بتدريس مادة التربية الإسلامية في حاجة للقاءات منتظمة لنقاش المنهجية المتخصصة الجديدة استيعابا وأجرأة عملية، وتطويرا لما يستقبل من اقتراحات. ذلك أن أرضية "التزكية" تعدّ الأساس المُزوِّد وضابط التصورات والتصرفات لغيرها من باقي مداخل التربية الإسلامية، من الاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة التي لا تتحقق إلا بتحقق عنصر تزكية النفوس هذا؛ فكل خير أو شر مبعثه من النفس، وكل نصر أو هزيمة مبعثه من النفس أيضا، وتسوية النفس مؤدٍّ للفلاح دنيا وأخرى. وتعدّ المنهجية أكثر موضوعية وضبطا، وألصق بمَعين القرآن والسنة تخصّصا، لتنزيل مواد التربية والتوجيه السلوكي في واقع المتعلمين والمتعلمات، عبر هذه المداخل المستوحاة من منهاج نصوص الشرع الحنيف، عوض انتقاء دروس تجمعها وحدات محددة كيفما اتفق، كما كان في الكتاب السابق. وقد اختير لكل مرحلة عمرية للمتعلمين والمتعلمات مجالات لكل تلك المداخل تناسبها. تصنيف الدروس بتكامل متّسق: لقد توزّعت الدروس في الكتاب بشكل تكاملي متّسق، يُمَهِّد فيها فعلُ التزكية -بتطهير النفس من قيم السلب وكلِّ تصوّر مَشين- لفعل الاقتداء حيث الاستنارةُ بمثال نموذجي يكون منارا يوجّه الخُطى ويضبط الممارسات، كما ابتغاه الله لنا في شخص الرسول الكريم عليه السلام، وهذا يصبّ في فعل الاستجابة تأهيلا للتلامذة لتحقيق الصلاح في بناء حضارة دنياهم ونيل الفلاح في آخرتهم. يؤدي بتلقائية إلى فعل القسط تمييزا بين مختلِف الحقوق الإلهية والإنسانية والكونية؛ بقصد التعامل الكوني بإيجابية ورحمة، لينتهي كل هذا إلى فعل الحكمة المبادِرة عمليا لكل خير فردا وجماعة، إصلاحا وتضامنا ورحمة؛ لتعميم النفع على الغير مطلق الغير، انطلاقا من أن الرسول الرحيم كان (رحمة للعالمين). لذا كان فهرس موضوعات الكتاب على النحو التالي: لقد أصبح اليوم -أكثر من أي وقت مضى- التّحلّي بقيم النّقد البنّاء المنبنية على أسسٍ أهمُّها التّمكّن من المادة موضوع النقد والنقاش، وأن نَصدُر من قلب محبّ نصوح لمن ننتقده، أشدَّ إلحاحاً لفعلنا الحضاري وتقويةِ مؤسّساتنا بما يناسب لِما يَجِدّ من قضايا وإكراهات وتحدّيات، وكفانا من كلّ نقد يفتّ في عضد مؤسّساتنا ويبدّد طاقاتنا ويُضعِف كيانَنا ويُمزّق وحدتَنا، ليمكّن خصومَنا منّا. وهذا من شأنه أن يكمل ورش إصلاح تعليمنا وتطويره باقتراحات رزينة ذات أهداف تستحضر سياقنا الوطني والعالمي، حفاظا على هويتنا وتحقيقا لإسهامنا في محيطنا الخاص والعام؛ فليس لغير المتخصصين المخلصين الأهلية والكفاءة لهذا الأمر الجَلَل.