إن المتأمل للحياة السياسية بالمغرب يلحظ عوائق متعددة تعوق ترسيخ الديموقراطية الحقيقية . بحيث يمكن تحديدها في عوامل تعود لطبيعة الحكم بالمغرب وعوامل ترتبط بالمجتمع. فالنظام الحاكم لم يستطع أن يحدد طبيعة شرعيته السياسية، بحيث يزواج ما بين التقليدي والحداثي، ويتضح ذلك جليا في الاختصاصات التي يمنحها الدستور للملك. كما أن الهيئات التي توافقت على ديباجة الدستور لم تستطع، نتيجة ضغوطات من أحزاب فوض لها تدبير مرحلة ما يعرف بالربيع العربي، أن تتعاقد على مفهوم الدولة المدنية. لذلك مازالت الدولة المغربية تراوح مكانها على مستوى التحديث الفعلي لمؤسساتها، بحيث تختلط الأدوار ويغيب الفصل الفعلي للمؤسسات. كما تظل الإرادة العليا للهيئات السياسية المتخذة للقرار غير قادرة على أخذ موقف صريح ينقل المغرب إلى دولة الحق ، كما هو الحال في وضعية تونس.وفي مستوى ثان، فإن طبيعة المجتمع الرافضة للحداثة والمناشدة للفكر السلفي بكيفيات متباينة، تدفع بفئات غير منتسبة لأحزاب" الإسلام السياسي" إلى التعاطف معها، والاعتقاد أنه الحل للحفاظ على الدين والأخلاق. فمن المعلوم أن تصور عامة الناس يذهب إلى الخلط بين المظاهر السلبية السائدة في المجتمع وفكرة الابتعاد عن الدين، لذلك تتجه فئات للتصويت على حزب العدالة والتنمية بدافع العاطفة لا العقل ، مما يجعل الفعل السياسي خاضعا في المجتمع المغربي لمبدأ الشخصنة، دون استحضار إنجازات الحزب وإخفاقاته ولا مشروعه السياسي. ويتدخل عامل ثالث يتمثل في طبيعة المجتمع المغربي المنقسم إلى فئات مثقفة ومتعلمة وفئة هامة لم تنل حضها من التعلم، لذلك يسهل استمالتها من طرف أحزاب تحمل شعارات أخلاقية أكثر من مشروع سياسي ثقافي تنموي أو من طرف أشخاص يوظفون المال للظفر بمكاسب سياسية مما أدى إلى إضعاف أحزاب كانت فيما مضى تلعبا دورا استراتيجيا في الحياة السياسية، في حين أن الفئات المثقفة انعزلت في برجها العاتي نتيجة أسباب موضوعية تتمثل في غياب الاعتراف بمنتوجها الفكري ،أو ذاتية نتيجة اندحار القوى الديموقراطية التقدمية. والعامل الرابع، يتمثل في النظام التعليمي المغربي الذي أضحى يعاني من أزمات رغم توالي مخططات الإصلاح، مما نتج عنه غياب منتوج تعليمي يرقى للديموقراطية كرهان اجتماعي ومجتمع له من الوعي السياسي ما يؤهله للتمييز بين الخطاب السياسي العقلاني والخطاب الموظف للشعارات الدينية. أما العامل ال،وفإنه يرتبط بالتحولات القيمية للمجتمع الناتجة عن تضافر عدة عوامل أهمها هيمنة التقنية، مما آلِ وضعه للفرادنية المهتمة بشؤونها الخاصة. يمكن أن نلخص أسباب تفوق حزب العدالة والتنمية في المشهد السياسي المغربي: * توافق مرجعية الحزب الدينية المحافضة مع طبيعة غالبية المجتمع . * إخفاق الأحزاب اليسارية في استثمار تجربتها السياسية والمكتسبات النضالية التي راكمت عبر تاريخها، مما أدى إلى تخلي المجتمع عن مساندة هذه الأحزاب. * التنظيم الممنهج لحزب العدالة والتنمية واستفادته من تجربة الإخوان بمصر، لذلك استطاع هيكلة قواعده بما يخدم باستمرار تقوية الحزب من الداخل والعمل على تغيير منطقه الداخلي بما يستجيب للحاجيات المجتمعية. * تراجع الأحزاب اليسارية التقدمية على مستوى تأطير المجتمع، وذلك ناتج إلى ضعف خطابها واهتمام مكوناته بالمصالح والامتيازات الشخصية مما أفقد هذه الأحزاب رؤية إيديولوجية يمكن الاشتغال من خلالها. * الدعم اللوجيستيكي والفكري من تنظيمات إخوانية بالمشرق في إطار ما يعرف بأدبياتهم ب "المناصرة". * تقلص دور النخبة المثقفة في آداء دورها التنويري ومجابهة تنامي الفكر الأصولي. * تقاعس فئة من المجتمع في دورها على المستوى السياسي وذلك راجع لأسباب متعددة كانت في صالح حزب العدالة والتنمية. يمكن أن نخلص أن حزب العدالة والتنمية استفاد من تراجع الأحزاب اليسارية وضعف المنتوج الثقافي والتعليمي في الهيمنة على المشهد السياسي، وكذلك في قوة تأثير خطابه المرتكز على البعد العاطفي العقدي واستعداد المتلقي لهذا الخطاب.