يبدو أننا محرومون من نعمة التفاؤل كلما يمّمنا شطر وطن نترقّب أخباره بالكثير من الحرقة والشغف. لحظة 7 أكتوبر، على علّاتها وباختلالاتها الكثيرة، أنتجت بعض المعنى والدلالة. وأثبتت اللحظة ذاتها أن المغاربة يمكنهم أن يبعثوا رسائل واضحة إلى من يهمّه أمر قراءتها بالجدية المطلوبة. لكن مسلسل "التخلويض" انطلق من جديد مؤكدًا أن العمى مغربي، وأن خلط الأوراق صناعة مغربية بامتياز. حزب الأحرار يبايع أمينا عاما جديدا ليس عضوا في الحزب أصلًا. مرَّ من عشّ الحمام، مرّةً؛ لكنه استقال منه، منذ أعوام. واليوم، هو ذا يعود ليُعيَّن أمينا عاما لهذا الحزب الذي سيبايعُهُ غدًا أمام اندهاش "المصداقية" شخصيًّا. لن نسمع احتجاجات في الفروع ولا انتفاضة لشبيبة الحزب ضدّ هذا التخبُّط. مقاومة القواعد للقرارات الفوقية التي تحتقر الديمقراطية الداخلية ومنطقها أمورٌ تحصل داخل الأحزاب السياسية الحقيقية. لكن، أخشى أن هذا الهولدينغ الانتخابي ليس حزبًا. المغاربة يدركون ذلك جيّدًا (فهم أكثر فطنة مما يعتقد البعض) لذلك قصُّوا أجنحة هذه الحمامة الحربائية التي تتحرّك في المشهد السياسي المغربي بنزق، وأفقدوها نصف مقاعدها البرلمانية تقريبا في اختبار السابع من أكتوبر. بالمقابل، صوّت المغاربة على العدالة والتنمية بالرغم من حصيلته الحكومية المخجلة - ليس لأنه حزب إسلامي أو إسلاموي أو إسلاموفوني أو إِخْواني أو أخَوَاتي؛ بل اختاروه لأنه حزب سياسي. حزبٌ فقط. كما يجدر بالأحزاب أن تكون، أو كما هي عليه في بلاد الله. وإلا، فهل يمكننا تخيل سيناريو مماثل لما يحصل اليوم داخل عش الحمائم في بيت العدالة والتنمية؟ هل يمكن للبيجيديين أن يقبلوا ذات يوم سقوط أمين عام جديد عليهم بالمظلة خارج هياكل الحزب وديناميته الداخلية؟ هذا مستحيل، لأن العدالة والتنمية حزب سياسي حقيقي ومستقل. لست عضوا في التجمع الوطني للأحرار، ولا التجمع الوطني للجرّار، ولا في أيّ حزب آخر؛ لكن ما يحصل داخل هذا الحزب يُهينني شخصيًّا كمواطن مغربي، ويميّع السياسة في بلادي ويحتقر ذكاء أبناء وطني. لِمَ لا تدعونا نتشبّث ببعض الأمل؟ وإلا، ما الرسالة المُراد تمريرها من كل هذا العبث؟ هل تريدون إقناع تلك الأقلية القليلة التي ما زالت تؤمن بالبناء من داخل اللعبة الديمقراطية بأن غالبية المغاربة من المقاطعين وغير المسجّلين أصلًا (19 مليون مغربي من الكتلة الناخبة في مقابل 6 ملايين من مجموع المصوّتين) كانوا الأرجح رأيًا؟ إذا كان هذا هو المطلوب، فطوبى لكم. وترقّبوا الجواب بعد خمسة أعوام. يروج إعلاميا بأن الغرض من كل ما يحصل داخل التجمع الوطني للأحرار، وكذا تحالفه المفاجئ مع الاتحاد الدستوري، هو قطع الطريق أمام التحاق حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ب"البيجيدي" وحزب التقدم والاشتراكية داخل الحكومة. يبدو الأمر أشبه بإعلان حرب، إذن. لكن، ليس على بنكيران ومن معه، وإنما على محمد عابد الجابري شخصيا؛ فمنذ 1982، والمفكر المغربي الكبير يقول بأن مشكلة المغرب الأولى هي تلازم الفساد والاستبداد، وطالب بقيام كتلة تاريخية تجمع الأحزاب الوطنية الديمقراطية ومعها الإسلاميون أيضا لمواجهة التحدّي الأكبر للمغرب. "ليست مجرد جبهة بين أحزاب - يوضح الجابري - بل هي كتلة تتكوّن من القوى التي لها فعل في المجتمع أو القادرة على ممارسة ذلك الفعل، ولا يستثنى منها بصورة مسبقة أيّ طرف من الأطراف". فأفكر أن التحدّي ما زال قائما. ومبادرة الأحرار غير المحسوبة قد تدفع في اتجاه تلاحم "البيجيدي" مع أحزاب ما كان يسمى بالكتلة الديمقراطية. فهل ستتحقّق نبوءة الفيلسوف المغربي، ولو بعد أكثر من ثلاثة عقود من اقتراحها؟ الحلم مشروع، وكل شيء ممكن. لكن حينما أتذكر براغماتية بنكيران وتخاذله كلما تعلق الأمر بالتحدّيات الكبرى، وكلما استعَدْتُ بروفايلات شباط ولشكر وحساباتهما الأنانية الصغيرة التي يمكن إدراجها دونما تحفّظ ضمن مظاهر فساد المرحلة، أصرف النظر وأعود إلى يأسي. يبدو، فعلا، أننا محرومون تمامًا من نعمة التفاؤل في وطننا السعيد. *شاعر مغربي مقيم في بلجيكا