لم يكن يدر بخُلد مصطفى الريفي، الذي ينحدر من إقليمالحسيمة، وهو يصول ويجول في جامعة وجدة كطالب قيادي "قاعدي"، وأيضا كمعتقل في بداية التسعينيات، أن يكون يوما سفيرا للمغرب في الفاتيكان. كما لم يكن أحمد حرزني وهو وراء القضبان، قبل سنوات مضت، يعتقد أنه سيتحول إلى وجه حقوقي بارز، ثم يُعين سفيرا متجولا. احرزني والريفي وشخصيات مغربية أخرى لديها مسارات حقوقية طويلة تسلمت يوم أمس ظهائر ملكية بخصوص تعيينها كسفراء للمغرب في بلدان عديدة؛ منهم نشطاء ساهموا في إخراج هيئة الإنصاف والمصالحة، وآخرون تقلدوا مناصب في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. ومن أبرز الشخصيات الحقوقية الأخرى التي تبوأت منصب سفير المغرب بالخارج، نذكر عبد السلام أبودرار سفيرا بالمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، وخديجة الرويسي سفيرة بمملكة الدنمارك وجمهورية ليتوانيا، وأيضا أمينة بوعياش سفيرة بمملكة السويد وجمهورية لاتفيا. وكان الملك قد قام بتعيين عدد كبير من السفراء في مختلف العواصم العالمية، قبل أشهر خلت في مجلس للوزراء ترأسه في مدينة العيون؛ وهي التعيينات التي اعتبرها مراقبون بأنها "توحي بإقدام المغرب على إدخال تغييرات كبيرة في إدارته للعديد من القضايا الدولية، خاصةً قضية الصحراء المغربية". ويسجل الدكتور سمير بنيس، المحلل والمستشار الدبلوماسي، أن عددا من تعيينات السفراء رامت الحضور في بعض الدول التي يعاني فيها المغرب من تردّ لصورته لدى الرأي العام بخصوص قضية الصحراء، كما هو الشأن في الدول الإسكندينافية، وعلى رأسها السويد، وفي أنغولا، والمملكة المتحدة، والعديد من دول أمريكا اللاتينية. واعتبر بنيس أن تعيين الملك لشخصيات حقوقية مرموقة ومتمرسة في مجال حقوق الإنسان يتضمن رسائل جوهرية؛ منها أن المغرب عاقد العزم على تغيير الطريقة الدفاعية في قضية الصحراء. كما أنه يتجه نحو القطيعة مع سياسة الكرسي الفارغ، التي أتاحت الفرصة للبوليساريو والجزائر للترويج بأريحية لأطروحة الانفصال. ويسعى المغرب من خلال هذه التعيينات، يضيف المحلل ذاته، إلى "ضخ دماء جديدة في الدبلوماسية المغربية، والبناء لمرحلة جديدة تتسم بالاستباقية والتصدي لكل المناورات التي يقوم بها خصوم المغرب"، مشيدا بوجود شخصيات مثل بوعياش في السويد، والرويسي في الدنمارك، وأبودرار في المملكة المتحدة، والشامي لدى الاتحاد الأوروبي. واسترسل المستشار الدبلوماسي أن هذه كلها شخصيات يسارية ذات باع طويل في مسألة حقوق الإنسان، يسعى الملك من خلالها إلى وضع مخاطبين يحسنون التعامل مع الملفات التي يثيرها البوليساريو والجزائر؛ على رأسها مسألة حقوق الإنسان واستغلال الثروات الطبيعية. وذكر بنيس بأن بوادر هذا التغيير في تعامل المغرب مع هذه الدول ظهر حينما كلف الملك محمد السادس نبيلة منيب، رئيسة الحزب الاشتراكي الموحد، بالتوجه إلى السويد، حيث كلفها بإطلاع المسؤولين السويديين على موقف المغرب بخصوص قضية الصحراء ومدى أهمية أن يحافظ هذا البلد على حياديته، وعدم الانصياع للحملات الانفصالية الدعائية. وأكمل المتحدث بأن المغرب استوعب درساً من التوتر الذي شهدته العلاقات بين البلدين، وتوصل إلى استنتاج مفاده أن أهم خطوة ينبغي القيام بها لتفادي حدوث توتر آخر حول قضية الصحراء هي وضع شخصيات تتمتع بالمصداقية والحنكة، وتحسن التعامل مع المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان، كممثلين للمملكة في عدد من الدول.