عندما دخل امحند العنصر، وهو في ريعان الشباب، ذو طمرين، مدفوعا بالأبواب ولا يُؤبه له، إلى باب مكتب وزير البريد حينها المحجوبي أحرضان، ذات يوم في ستينيات القرن الماضي، طلبا لوظيفة بعد أن حصل على شهادة جامعية، لم يكن يدر بخلده أنه سيخلف أحرضان نفسه، في الوزارة والحزب، بعد سنوات من ذلك. وهكذا وجد ابن إيموزار مرموشة، المولود في أحد أيام سنة 1942، نفسه يشغل مناصب وزراية كثيرة في حكومات متعاقبة، فكان وزيرا للبريد والمواصلات بين 1981 و1992، ووزيرا للفلاحة بين 2002 و2007، كما جلس على كرسي الوزارة في قطاعات الداخلية والسكنى والرياضة. ولارتباط هذا الوزير القادم من "المغرب العميق" بالمناصب الوزارية، فإنه سجل رقما قياسيا غير مسبوق في تاريخ الاستوزار بالبلاد؛ فقد انتقل بين ثلاثة مناصب وزارية في وقت زمني وجيز خلال ولاية حكومية واحدة، بدأها بوزارة الداخلية، ومر بوزارة السكنى، لينهيها بوزارة الشباب والرياضة، قبل أن يذهب إلى رئاسة جهة فاس-مكناس. العنصر نادرا ما يطلق تصريحات تثير جدلا سياسيا، باعتباره من طينة الشخصيات العمومية التي تتقن "كلام الخشب"، وتجيد اللغة المهادنة، وتحب السير "جنب الحيط"، حتى لا يثير عليه الزوابع السياسية التي قد تعصف بمستقبله السياسي، لهذا لا تراه شاتما أو منتقدا إلا فيما ندر، وبلغة "باردة مهادنة". ويرى خصوم العنصر في معترك السياسة بالبلاد أن الرجل مجرد تلميذ نجيب للدولة والنظام، ينفذ ما يُشار عليه بالقيام به، ويطبق ما يؤمر بفعله، ويخضع التعيينات الحكومية لمبدأ "الولاء" و"صلات القرابة"، دون مراعاة لكفاءات حزب "السنبلة"، حتى إن هناك من يتهمه بإفراغها من ثمارها. وفي الضفة المقابلة، يجد مناصرو العنصر أنه سياسي متمرس ومحنك، له قدرة هائلة على امتصاص الضربات التي توجه لحزب "الحركة الشعبية"، ويتوفر على قوة هادئة في إبعاد وإقصاء المعارضين الذين يشوشون على مسار "السنبلة"، وهو بذلك يبدو كمن يمتلك يدا حديدية مغلفة بقفاز من حرير.