كيف لهذا "الشيوعي السابق" أن يقبل بإبرام "زواج كاثوليكي" مع حزب العدالة الذي ينهل من معين جماعة "الإخوان"؟ هكذا، تساءل بعض المتتبعين للمشهد السياسي والحزبي في المغرب عندما قرّر محمد نبيل بنعبد الله، وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وضع يده في يد عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي عينه آنئذ الملك محمد السادس رئيسا للحكومة. ويبدو أن هذا المترجم، الذي جاء إلى الدنيا في أحد أيام صيف 1959، عرف كيف "يترجم" طموحات حزبه السياسية؛ فاتخذ قرارا صعبا وتاريخيا قد لا يجرؤ الكثيرون على خوض عبابه، لما قبل بالتحالف مع "العدالة والتنمية" لتشكيل الحكومة، حيث آمن بأن التحالف بينهما ذو طابع سياسي ولا ينطوي على أي بعد إيديولوجي. بنعبد الله، الذي سبق له أن شغل منصب وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم حكومة إدريس جطو، يجيد التواصل بامتياز. كما يحب هذا الدبلوماسي السابق الأضواء مثل كل الزعماء؛ لكنه يبقى من طينة السياسيين الذين لا يخفون رؤوسهم في الرمال. بنعبد الله قد يخطئ؛ لكنه "لا يختبئ أبدا"، هكذا يقول مناصرو الرجل. عددٌ من "الشيوعيين"، أو من تبقى منهم في البلاد، لم يغفروا بعد لهذا القيادي السياسي ما يعتبرونها "زلة سياسية لا تغتفر"، بقبول التحالف مع من يعتبرونه رمزا للرجعية والنكوص إلى الوراء. وبينما يرنو الحزب، الذي أسسه الراحل علي يعتة، إلى قيم الحداثة والمساواة بين الجنسين يصر "الوزير الأنيق" على صوابية موقفه في ظرفية سياسية حرجة. بنعبد الله يراهن على قراءة كتاب "المعقول" لمواصلة الإصلاحات التي دشنتها الحكومة، خاصة في القطاعات الاجتماعية التي باشرها وزراء "التقدم والاشتراكية"، في الصحة والتشغيل وقطاع الماء؛ وهو الكتاب الذي سطر فيه ما يصفه مؤيدوه بالموقف الشجاع عندما انتقد "التحكم" بالمغرب. انتقاد "التحكم" وممارسة السلطوية، الذي أعلنه بنعبد الله على رؤوس الأشهاد، جعله "بطلا" عند الكثيرين في المغرب؛ ذلك أنه استطاع قول ما لم يقله زعماء وقياديون آخرون من أحزاب مختلفة. وفي المقابل، جعله هذا الانتقاد أيضا هدفا مكشوفا اصطادته "جهات في الدولة" حاولت نسف مساره السياسي؛ وهو ما دفع خصومه إلى انتقاده بشأن تحوله إلى "ناطق" باسم الحزب الذي يقود الحكومة.