بشكل مفاجئ وجد المغاربة تحالفا "غريبا" بين فصيلين متصارعين في الساحة السياسية، واحد بخلفية اشتراكية وآخر بمرجعية إسلامية، في حكومة "الربيع المغربي" التي جاءت عقب الثورات التي شهدتها المنطقة العربية، وحملت الإسلاميين للسلطة لأول مرة في تاريخهم. الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، أعلن مباشرة بعد الانتخابات التي جرت في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، عن تشكيلته الحكومية التي ضمت إلى جانب الاستقلال والحركة الشعبية "شيوعيي" المملكة، ممثلين في حزب التقدم والاشتراكية، في تحالف شكل بالنسبة للكثيرين مفاجأة لضراوة المعارك التي عاشها معا. التحالف الذي ينظر إليه حزب "المصباح" بعين الرضا، لكونه حقق حلم أمينه العام، "لتسخان كتافه"، والذي كان يرجو أن يكون وراءه حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل أن يرفض مجلسه الوطني آنذاك التحالف مع إسلاميي المملكة، قسم حزب التقدم والاشتراكية إلى نصفين. معارك شرسة ويتذكر المغاربة الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية التي قسمت المجتمع المغربي إلى نصفين، والتي كان وراءها القيادي المستقيل من حزب "الكتاب" والوزير السابق، سعيد السعدي، في مواجهة الحليف الرئيسي العدالة والتنمية، بسبب التقاطبات الإيديولوجية حول المرأة المغربية، والتي انتهت بتدخل الملك الذي شكل لجنة استشارية أعدت مدونة للأسرة وضعت حدا لخلاف مازالت آثاره إلى اليوم. السعدي وآخرون داخل حزب "الكتاب" أعلنوا رفضهم المبدئي للتحالف مع "عدو إديوليوجي" يمثل "الفكر الظلامي" في المغرب، والذي لا يتناغم مشروعه المجتمعي مع المشروع الذي جاء به حزب علي يعتة، الأمر الذي فتح جبهة المواجهة خلال المؤتمر الأخير للحزب جعلت قائد التيار المعارض للتحالف يغادر الحزب . وبرزت خلال المؤتمر اختلافات جوهرية بين من يعتبر العلاقة مع حزب العدالة والتنمية تحالفا استراتيجيا، ومن جهة أخرى من يعتبرها تحالفا "ضد الطبيعة" مع كل التلونات فيما بين هذين الموقفين المتعارضين. تجربة متفردة الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وفي محاولة منه لامتصاص الغضب داخل حزبه، اعتبر أن مشاركة حزبه في الحكومة، بصيغتيها السابقة والحالية، تمنح التجربة المغربية نوعا من التفرد. وأكد بنعبد الله أنها مشاركة لا تتعلق بتحالف إيديولوجي وإنما بائتلاف حكومي مبني على برنامج إصلاحات عميقة وشاقة تستلزمها الأوضاع، وتطالب بها أوسع الفئات الشعبية والأوساط المتنورة. ورغم أن بنعبد الله، الذي كان يتحدث اليوم خلال يوم دراسي لحزبه بمجلس المستشارين، قال إن حزبه "قام باختيار سياسي صعب بتحالفه مع إسلاميي المملكة"، أوضح أن "البعض آخذ علينا القرار، لكن صوابيته من عدمه تبقى للتاريخ الذي سيحكم عليه". بنعبد الله، وبعد مرور ثلاث سنوات من التحالف يقول أننا "لسنا متفرجين بل لاعبين في الملعب بالطبع بنبرتنا وانتقاداتنا"، وفي هذا الاتجاه يرى زعيم حزب "الكتاب" أن "الائتلاف يقوم على برنامج إصلاحي مشترك، وليس على محو الفوارق الإيديولوجية". ويرى بنعبد الله، بعد مؤتمر حزبه الذي أعاد انتخابه، أن "مواقف حزبه المبدئية المتمثلة في ضرورة العمل على تثبيت الارتباط بالصف الديمقراطي والتقدمي وقوى اليسار، لأن وحدة قوى اليسار من شأنها أن تقدم خدمة جليلة لمسار التطور الديمقراطي والتقدمي للمغرب. وأبرز أن الحكومة قائمة على برنامج إصلاحي متقدم اتفقت عليه مكونات الأغلبية، وليس على تموقع إيديولوجي يميني، داعيا المعسكر الديمقراطي الحداثي إلى مسؤولياته كاملة في نطاق تحصين الاستقرار المؤسساتي، مهما كانت محاولات إجهاض التجربة الحكومية الحالية. كرين: وضعنا الطبيعي مع اليسار مقابل مبررات الأمين العام لحزب "الكتاب" يرى أحد المعارضين له، محمد كرين، أن "المشروع المجتمعي التقدمي الذي أسس حزب التقدم والاشتراكية ليناضل من أجله متناقض مع المشروع المجتمعي الذي يحمله حزب العدالة و التنمية". وأكد القيادي في حزب العدالة والتنمية، في تصريحات لهسبرسس، أن ذلك "ظهر هذا بجلاء حول العديد من النقاط مثل قضية المرأة، وأخرى مثل ملف دفتر التحملات للقطاع السمعي البصري، والمقاربة التجزيئية للتوازنات الماكرو اقتصادية". كرين أوضح أن الأمر يتعلق بائتلاف حكومي، وليس بتحالف بين الحزبين، وهذا ما أكدته الوثيقة السياسية للمؤتمر الوطني الأخير، مبرزا أن "الخاص والعام، داخل حزبنا وخارجه يعرف أن هناك تباينات في المواقف بين مكونات الحزب والعدالة والتنمية". وخلص كرين أن الوضع الطبيعي لحزب التقدم والاشتراكية هو داخل العائلة اليسارية كدائرة أولى لتحالفاته الاستراتيجية، مبررا ذلك "بالنظر للمرحلة التاريخية التي تمر منها بلادنا في إطار مجال إقليمي هش ومحيط دولي متخبط، وبروز قوى محافظة مختلفة المشارب تحاول الالتفاف على المشروع الديمقراطي الحداثي التقدمي". "مطالبون إلى جانب باقي القوى الوطنية الديمقراطية والتقدمية بالعمل على بروز قطب وطني ديمقراطي واسع، يكون عموده الفقري أحزاب اليسار والحركة النقابية الجادة والقوى المجتمعية الحية حول مشروع سياسي بديل" يورد كرين. وشدد القيادي في حزب التقدم والاشتراكية على ضرورة "بلورة حركة مجتمعية واسعة ومنظمة لمواكبة ودعم الاختيار التاريخي الذي انخرط فيه المغرب من أجل بناء مجتمع الديمقراطية والحداثة والتضامن".