في خضمّ احتداد الصراع حامي الوطيس بين الأحزاب السياسية المتنافسة على المرتبة الأولى في الاستحقاقات التشريعية ليوم 07 أكتوبر، ومع دُنوِّ إسدال الستار على هذا الصراع؛ يُثار سؤال سيناريوهات ما بعد إعلان نتائج الانتخابات، ومن هو الحزب الذي سيقود الحكومة المقبلة. "البيجيدي" سيتصدّر نتائج الانتخابات.. لكن مصطفى السحيمي، المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، توقّع أنْ يتصدّر حزب العدالة والتنمية، المتزعم للتحالف الحكومي الحالي، الانتخابات التشريعية ليوم 07 أكتوبر. وقال السميحي إنّ ذلك الوضع وارد جدا"Très probablement" ، انطلاقا من تحليل مجموعة من المعطيات. وعادَ المحلل السياسي إلى نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2011، حيث حصل حزب العدالة والتنمية على مليون و200 ألف صوت؛ ما بين 600 و700 ألف صوت منها جاءتْ من أنصار الحزب، فيما أتت باقي الأصوات من "الناس الذين أرادوا "تجريب" الحزب لأول مرة ومن الذين صوّتوا ضدّ تحالف G8"، يشرح السحيمي. وإذا كانت هذه العناصر قد لعبتْ لصالح حزب العدالة والتنمية، ورجّحتْ كفّته في الانتخابات التشريعية الماضية؛ فإنَّ وضعيته في الانتخابات التشريعية ليوم 07 أكتوبر ستكون مختلفة، بعدما قضّى خمسَ سنوات في قيادة الحكومة، "أولا، لأنّ الناخبين سيُحاسبونه على حصيلته. وثانيا، لأنَّ الناس الذين ساعدوه في الوصول إلى الحكومة لم يعُد بالنسبة إليهم حزبا جديدا"، يقول السحيمي. وأوضح المتحدث أنَّ حزب العدالة والتنمية كانَ "حاملا للتغيير والأمل"، بعدَ الحَراك الذي شهده المغرب سنة 2011؛ لكنّه، الآن، تأثّر بالسنوات الخمس التي قضّاها في الحكومة، قائلا: "هذا سيجعل حوالي 600 ألف ناخب الذين منحوه أصواتهم في الانتخابات التشريعية السابقة يتساءلون: آش دارْ هاد الحزب؟ وبالتالي يُحتمل أن يفقد أصواتهم". وثمّة عامل آخر يرى أستاذ القانون الدستوري أنّه سيؤثّر على الأصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية لسابع أكتوبر، وهو أنَّ انفراطَ عِقْد تحالف G8 جعل اللعبة السياسية مفتوحة، وبالتالي قد تسترجع الأحزاب التي انخرطتْ في التحالف المذكور أصوات "الناخبين المنتقمين" التي فقدتْها سنة 2011. ويخلُص السحيمي، انطلاقا من هذه المعطيات، إلى أنَّ حزب العدالة والتنمية من المُرجّح جدّا أنْ يتصدّر الانتخابات التشريعية المقبلة؛ لكنّه سيفقد عددا من المقاعد التي حاز عليها في مجلس النواب. وأوضح المتحدث أنه إذا كانَ الحزب قد فاز ب107 مقاعد في الانتخابات التشريعية الماضية، فإنّه من المتوقّع ألا يتعدّى عدد المقاعد التي سيفوز بها "المصباح" في انتخابات 07 أكتوبر ما بين 90 و95 مقعدا، وفق السحيمي. رئيس حكومة تكنوقراطي؟ تراجُع عدد المقاعد التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المقبلة، حسب توقعات السحيمي، سيجعلُ مهمّته صعبةً جدّا لتشكيل الحكومة؛ حتّى ولو تصدّر نتائج الانتخابات، خاصّة أنَّ حليفه الأبرز حزب التقدم والاشتراكية، حسب تحليل السحيمي دائما، سيفقد بدوره عددا من المقاعد في مجلس النواب، إذ توقّع ألّا يتعدّى عدد المقاعد التي سينالها 10 مقاعد، من أصل 18 مقعدا حاليا. ويعزو السحيمي ذلك التراجع إلى المشاكل الداخلية التي يعرفها حزب "الكتاب"، وكذا فقدانه لبعْض المرشحين الذين كانَ يعوّل عليهم لحصْد مقاعد في البرلمان، فضلا عن كون الحزب تأثّر بمشاركته في الحكومة الحالية. وذهبَ المتحدّث إلى القول بأنّ حزب "الشيوعيين" المغاربة صارَ بمثابة "مُلحَقة" لحزب العدالة والتنمية؛ وهو ما لا يروق بعض أنصاره. في هذه الحالة، سيجدُ حزب العدالة والتنمية نفسه بحاجة إلى 90 مقعدا، لتشكيل الأغلبية الحكومية؛ وهو ما لن يتأتّى له حتّى بالاستعانة بحليفه الآخر في الحكومة الحالية، حزب الحركة الشعبية، إذ يتوقّع السحيمي ألّا يحوز سوى ما بين 25 و30 مقعدا من أصل 32 مقعدا حاليا، ولا حتّى بضمّ حزب الاستقلال، الذي قال السحيمي إنّه سيحصل على أقلّ من 60 مقعدا، بسبب مشاكله الداخلية. أمّا حزب التجمع الوطني للأحرار، فقال المتحدث إنّه لن يعود مجدّدا إلى التحالف مع حزب العدالة والتنمية. هذا "المأزق" الذي قدْ يعوق تشكيل الحكومة المقبلة من لدن الحزب الذي يقود الحكومة الحالية، في حالِ تصدَّر نتائج الانتخابات، لمَّحَ إليه عبد الإله بنكيران، الأمين العامّ لحزب العدالة والتنمية، حينَ قالَ في مهرجان خطابي بمدينة تارودانت نهاية الأسبوع الماضي إنه سيلجأ إلى الشعب مرة أخرى إذا عجز عن تشكيل الحكومة، وقال بالحرف مخاطبا أنصاره: "حينَ يعيّنني صاحب الجلالة رئيسا للحكومة، ورفض الآخرون التحالف معي، سأرجع إليكم، ليحكمَ الشعب بصفة نهائية". تهديد بنكيران بالعودة إلى الشعب لحسم نتائج الانتخابات، إذا لم يتمكّن من تشكيل أغلبية حكومية، اعتبره السحيمي "تصريحا خَطِرا جدّا"، وقال موضحا: "القرار في هذه الحالة ليس بيد رئيس الحكومة؛ بل بيَد الملك، الذي عليه أن يبحث عمّن يستطيع تشكيل الحكومة، لأنَّ المصلحة تقتضي البحث عن سبُلٍ أخرى لتشكيل أغلبية حكومية، وليسَ تعقيد الأمور". من الناحية القانونية، ينصّ الدستور المغربي على أنّ الملك يعيّنُ رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها؛ وهو ما يُتيح للملك أنْ يعيّن شخصا آخر غيرَ عبد الإله بنكيران، الأمين العامّ لحزب العدالة والتنمية الحالي، رئيسا للحكومة. وفي هذه الحالة، يمكن أنْ يتحالف حزب "المصباح" مع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قصد تشكيل أغلبية حكومية. وإذا لم تنجح أيّ من هذه الخيارات، يرى السحيمي أنَّ الملكَ قد يلجأ إلى تكليفِ تكنوقراطي بتشكيل الحكومة المقبلة. وجوابا على سؤالٍ حول ما إنْ كانَ ذلك ممكنا من الناحية القانونية، خاصّة أنّ الدستور فصّل في هذا الأمر بشكل واضح، قال السحيمي: "يُمكن أنْ يكون رئيس الحكومة المقبلة غير متحزّب، مثل عزيز أخنوش، ويُمْكن أن يقبل حزب العدالة والتنمية بذلك".