منحى مغاير اتخذته "الصداقة الوطيدة" التي تربط الكلب بالإنسان في منطقة شمال كيفو الواقعة شرقي الكونغو الديمقراطية، أمام غلاء المعيشة، حيث باتت لحوم الكلاب والقطط تزين على نحو متزايد موائد السكان الفقراء. "اختفى كلبي منذ أسبوع".. تقول "هنريت كابوغو" وهي كونغولية من بلدة "كاينا" بمحافظة شمال كيفو، مضيفة في حديثها للأناضول أنّ "هذا الأمر محزن بالفعل! فقد اهتممت جيدا بأوكابي (اسم أطلقته على كلبها)، مقابل تقديمه خدمة كبيرة لي بالسهر على سلامة أرضي". ظاهرة جديدة تشهدها هذه المنطقة، حيث تعيش قرى المحافظة ومدنها، يومياً، على وقع حوادث اختفاء الحيوانات الأليفة، حيث ينتهز بعض الشباب العاطل عن العمل فرصة إهمال السكان لقططهم وكلابهم، من أجل استدراج تلك الحيوانات بواسطة قطعة لحم بهدف استخدامها في إعداد الوجبات أو بيعها في الأسواق. وبصرف النظر عن هذه الممارسات التي تتنزل في خانة الجرائم الصغيرة، إلا أن ظاهرة استهلاك لحوم الكلاب والقطط أضحت شائعة في منطقة شمال كيفو، ما دفع هؤلاء الشباب إلى مطاردة الحيوانات الضالة في الأحياء. لكن يحدث في بعض الأحيان أيضاً، أن يقوم أصحاب بعض الحيوانات الأليفة إلى إبرام صفقات مع المطاعم الصغيرة مقابل المال. وفي الأسواق علاوة على المنازل، لم تعد الممارسة منحصرة ضمن سياق ضيق، بل وجدت طريقها إلى جزء هام من السكان، بينهم "جوزيف كرواني" مدرس بمعهد "كاينا". "الكيلوغرام الواحد من لحم الماعز أوالبقر يبلغ 5 دولارات في اليوم"، يقول "كرواني" للأناضول "مع راتبي الشهري المقدر ب 100 دولار، أجد نفسي عاجزاً عن توفير اللحم لعائلتي ". وفي هذه البلدة الصغيرة الواقعة على بعد أكثر من 150 كلم عن شمال "غوما" عاصمة محافظة شمال كيفو، ويقطنها نحو ألف شخص، يلتقي عشّاق لحوم القطط والكلاب في الأسواق التي تخصص مسالخ ومحلات لهذا النشاط. "كاكول نغويبا" جزار من بلدة "كاينا"، تحدث للأناضول عن طبيعة عمله في هذا المجال بالقول: "أبيع الكلب متوسط الحجم، أي ذلك الذي يزن نحو 8 كلغ ب 15 دولاراً وقط ال 5 كغ ب 8 دولارات"، مشيراً إلى تمكنه من بيع نحو 8 قطط وكلاب، في الأسبوع الواحد. ويتوافد السكان على سوق البلدة للتزود بلحم القطط والكلاب، وفق "كابونروي جرلاس"، الذي وجد نفسه مجبراً على شرائه، معتبراً أنه "لحم جيد وغير مكلف". "كابونروي" الذي التقته الأناضول في السوق أضاف في سياق حديثه: "كنت أعتبر هذا اللحم غير صالح للاستهلاك، لكن بمرور الوقت توصلت وزوجتي إلى أننا لسنا أمام حل آخر، خاصة عقب خسارتنا للماشية التي كنا نرعاها في المنزل، بعد فرارنا من البلدة منذ نحو شهر بسبب شائعات تفيد بهجوم وشيك لقدماء حركة 23 مارس/آذار"، حركة متمردة تنشط شرقي الكونغو الديمقراطية. وتظل الصراعات الطائفية وتواتر هجمات التنظيمات المسلحة المنتشرة في هذه الرقعة الجغرافية التي قضت على جزء كبير من المواشي، السبب الرئيسي وراء مثل هذه الممارسات في منطقة تشتهر بالأنشطة الزراعية. وعلاوة على ما تقدم، أثّر استيراد البقر وبقية المواشي، من دول الجوار على غرار رواندا وأوغندا، على سعر اللحوم، وفق "ألبير كيسوبا"، طبيب بيطري ينشط في جمعية "التجديد من أجل التنمية والحفاظ على البيئة" المحلية، في تعليق للأناضول حول أسباب الظاهرة. "ألبير" قال: "يبدو من الصعب تفادي هذه الممارسة، على اعتبار توفر هذه اللحوم بعدة مطاعم تقدمها على أساس لحم الماعز، أحياناً، أو لحم خراف، في أحيان أخرى". ورغم أن مسألة تخلي السكان عن حيواناتهم الأليفة مقابل المال، يعد بمثابة "المحظور"، إلا أن بعضهم وجد دافعاً للتخلص من كلابهم بدل "اتهامهم بالسعار"، من بينهم "مومبير إيفاريست"، أحد سكان "كاينا". "مومبير"، استطرد قائلاً: "في الشهر الماضي، قام كلب من كلابي بعض أحد المارة، ما إضطرني إلى تحمل التكلفة الطبية للضحية، الذي وافق على عدم تقديم شكوى". "هذا الكلب طالما شكل مصدر خلاف دائم مع جيراني"، تابع مومبير "قررت بيعه للمستهلكين من أجل تفادي المشاكل". ووفق تقديرات جمعية "التجديد من أجل التنمية والحفاظ على البيئة"، يذبح بضع مئات من الحيوانات، كل أسبوع، في شمال كيفو. واقعٌ دفع الجمعية إلى إطلاق حملة توعية للفت نظر السكان بخصوص خطورة انتشار هذه الممارسة. وفي هذا الاتجاه، علق "ألبير كيسوبا": "أظهرنا لسكان كاينا وبلدات أخرى قدرتهم على تربية الأرانب"، مضيفاً "في المقابل، يوجد مشروع كبير بصدد الإنجاز من أجل توزيع أرانب للعائلات المحتاجة، مع نهاية كل شهر". وفي ظل غياب نص قانوني أو تنظيمي يحظر استهلاك هذه اللحوم، تعهدت الجمعية، في إطار حملتها التوعوية ضد ما تعتبره "التعامل السيء" مع القطط والكلاب، بتقديم متابعة بيطرية لأصحاب الحيوانات الأليفة، علاوة وعلى نيتها تقديم شكوى ضد "مجهول" من أجل متابعة الشباب الذين يسرقون القطط والكلاب. *وكالة الأناضول للأنباء