"" ما طبيعة العلاقة التي تجمع بين المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية في المغرب؟ المسار التاريخي لعلاقة القصر مع "الأحزاب" بدأ في خضم المعركة ضد الحماية من أجل استقلال المغرب وبالأخص مع حزب الاستقلال آنذاك كأكبر حزب في البلاد برموزه التاريخية، دون إن ننسى أن أحزاب تلك الفترة لم تكن تتعدى في أحسن الأحوال أصابع اليد، لنقل إذن أن العلاقة كانت مع حزب الاستقلال تحديدا، وقد حدث أول توافق بين الملك وحزب الاستقلال، حيث تحالف القياديون الوطنيون مع الملك محمد الخامس في مواجهة الحماية وكان الطرفان وفيان لهذا التحالف الذي أثمر حصول المغرب على استقلاله .لكن بعد الاستقلال بدأت العلاقة تمر بمعضلات صعبة خصوصا بعد وفاة المرحوم محمد الخامس وتولي الملك الحسن الثاني العرش وأيضا بعد الانشقاق الذي تعرض له حزب الاستقلال في نهاية الخمسينيات (شتنبر 1959) وظهور حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في هذه المحطة، اختار الملك الحسن الثاني سياسة قمعية ضد كل من يطالب بقيام حياة ديمقراطية حقيقية وبدستور يقوم على فصل السلط وحرية الرأي والتعبير وكان المستهدف أساسا هو الاتحاد الوطني للقوات الشعبية طيلة الستينيات من خلال المحاكمات الصورية والاعتقالات ثم بعد ذلك الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي... أقاطعه، ما أود الحديث عنه هو العلاقة التي تجمع بينهما في الوقت الراهن؟ قبل الحديث عن هذا لا بد من الإشارة للخلفية التاريخية, خاصة وأن الأمر قد وصل في هذه المرحلة إلى اعتقال الزعيم الاتحادي المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، بعد قرار الملك الحسن الثاني إجراء الاستفتاء في الصحراء، حيث تم اعتقاله مع عدد من أعضاء المكتب السياسي، إذن عوض التوافق الذي كان يجمع محمد الخامس مع أعضاء الحركة الوطنية كانت علاقة الحسن الثاني على العكس تنبني على محاولة إضعاف رموز تلك الحركة، وحين لم تنفع سياسة إضعاف الأحزاب الوطنية، سواء بالقمع أو عن طريق تمييع الحياة السياسية بخلق أحزاب وهمية، اضطر الحسن الثاني وهو في مرحلة الاحتضار أن يلجأ للاتحاد الاشتراكي في شخص كاتبه الأول عبد الرحمان اليوسفي لصياغة التوافق الثاني من أجل إنقاذ البلاد مما سمي آنذاك بالسكتة القلبية، لكن هذه العلاقة سرعان ما تعرضت للانتكاس مع مجيء محمد السادس، والذي عوض أن يفسح المجال لليوسفي لإتمام مهامه بعد فوز حزبه في استحقاقات 2002، اتجه إلى نفس النهج الذي كان يلجأ إليه الحسن الثاني وهو تعيين وزير أول تكنوقراطي وهو إدريس جطو، هذه المرحلة عرفت احتجاج حزب اليوسفي ضد الخروج عن المنهجية الديمقراطية لكنه لم يرتب عليها النتائج التي يجب أن نرتب عليها وهي الرجوع إلى المعارضة، وسوف تشهد علاقة القصر مع الأحزاب بعد انتخابات 7 شتنبر 2007، إتباع سياسة شكلية تتبلور في العودة إلى المنهجية الديمقراطية، لكن مع إفراغها من محتواها وذلك بتعيين الوزير الأول من صفوف مَن أحرز على الأغلبية في الاستحقاقات التشريعية، وهكذا تم تعيين عباس الفاسي وزيرا أول، لكن عوض أن يقترح على الملك كل وزراء التشكيلة الحكومية تم تزويده بقائمة الوزراء الذين يشكلون حكومته وما عليه سوى الموافقة وكذلك كان، إذن هناك اليوم سياسة خطيرة وهي استعمال معجم سياسي ديمقراطي حداثي، لكن في واقع الحال، هناك شيء آخر، هذا ما وقع مع مصطلح المنهجية الديمقراطية التي استعملت شكلا وأفرغت من محتواها جوهرا، لقد ترك العهد الجديد الباب مفتوحا لتشكيل عدد كبير من الأحزاب قبيل الانتخابات تحت ستار التعددية، لكن أكثر من ثلاثين حزبا في بلد كالمغرب لا يمكن أن نعتبره سوى تمييع للحياة السياسية وتمييع أيضا لمفهوم الأحزاب لدى المواطنين، وهذا شيء خطير يضاف إليه نمط الاقتراع الذي يزيد من بلقنة الخريطة السياسية، نتيجة ذلك هي إضعاف الأحزاب في مقابل ملكية تنفيذية رغم ما يقال إنها ليست لا تنفيذية ولا برلمانية ولا قضائية،فهي ملكية تنفيذية تريد أن تهيمن على كل شيء، كل المؤسسات كل الأحزاب، وهذا في اعتقادنا ليس في مصلحة المؤسسة الملكية نفسها لأن روح الديمقراطية هو توزيع السلط، وهي أحزاب قوية، وهي من يقوم بالمعارضة الحقيقية في هذه الديمقراطية التي نرى اليوم أن القطار يحيد عن سكتها. سياسة الترغيب والترهيب التي انتهجتها الملكية مع الأحزاب السياسية فرض عليها الدوران في فلك المؤسسة الملكية والاكتفاء بالتصفيق والإشادة بكل ما يصدر عنها، ألا ترون أن ذلك أدى إلى ترسيخ ثقافة حزبية سياسية انهزامية وانتهازية؟ تاريخيا لم تؤد سياسة الترهيب خصوصا مع المعارضة وفي طليعتها الاتحاد الاشتراكي إلى أي طائل، بل بالعكس زادت في تصليب تلك المعارضة رغم ما كان يسلط عليها من قمع ومصادرة لم تمس فقط حرية الأشخاص، بل حياتهم أيضا وكما شهد الإعلام الاتحادي، ومازالت جريدة المحرر التي منعت بصفة غير قانونية شاهدة على ذلك، لكن في نفس الوقت، اتبع أسلوب آخر وهو تمييع الحياة السياسية بخلق منظومات إدارية، كان هذا الأسلوب مفضوحا جدا، وكان العديد من الوزراء الأولين وهم وزراء أولون خلقوا من مواقعهم أحزابهم كعصمان والمعطي بوعبيد إلخ، لكن هذه السياسات أثبتت فشلها وللأسف بدأت اليوم في مغرب العهد الجديد تظهر بعض المؤشرات على إعادة إنتاج هذا السيناريو من جديد ولعل مقبلات الأيام ستتولى كشفه وبطبيعة الحال فإن إخفاق الأحزاب الحقيقية هو إضعاف للديمقراطية وإفراغها من محتواها، بل العكس من ذلك فإنه يصب في غير فائدة المؤسسة الملكية، تاريخيا الأحزاب الوطنية التي دافعت عن الملكية وضمنت استمرارها في الوقت الذي كان يطرح فيه الاستعمار الفرنسي على رجال الحركة التفاوض وترك مسألة محمد الخامس الذي كان في المنفى معلقا، فإذن من الخطأ الشنيع أن يتم إضعاف الأحزاب السياسية بخلق أحزاب من مواقع أشخاص سبق لهم أن احتلوا مناصب مهمة، هذا خطأ شنيع أن يقع تمييع الحياة السياسية، طبعا الترهيب لم يعد منطقا مقبولا لانتشار ثقافة حقوق الإنسان ونظرا لأن المسألة لم تعد لها أبعاد وطنية، بل لها أبعاد دولية بما يعني ذلك من تدخل منظمات حقوقية عالمية، بل واقتران المساعدات الاقتصادية بمدى احترام حقوق الإنسان. وماذا عن أسلوب الترغيب؟ الترغيب أسلوب انتهازي يقع فيه الانتهازيون من قيادات بعض الأحزاب لا أقل ولا أكثر، ولكن يصبحون ورقة محروقة ليس فقط داخل أحزابهم ولكن كذلك وسط مجتمعهم. خلفت الطريقة التي خرجت بها الحكومة أزمات داخل الأحزاب السياسية، ألا يمكن القول إن المخزن يشتت الأحزاب بعد أن خدمته؟ المنطق المخزني مع الأسف تقليدي، والذي كنا نظن أنه انتهى ربما يخرج رأسه من جديد، ربما بأساليب أخرى، والقاعدة هي استعماله للأحزاب السياسية بما في ذلك بعض الأحزاب الوطنية وعدم إضعافها وفي نفس الوقت عدم تركها تتقوى، وأكدت التجارب التاريخية ان تشكيل الحكومات بالمغرب غالبا ما يكون مصدر أزمات داخل المنظومة الحزبية وعلى سبيل المثال الاتحاد الاشتراكي في كل مشاركة حكومية يؤدي ثمنها غاليا عن طريق تشتت تنظيمي ونقابي وشبيبي وخروج عناصر مهمة من صفوفه، كان ذلك أيام حكومة التناوب التوافقي وانطلاقا من المؤتمر السادس ثم الآن وبعد تشكيل حكومة عباس الفاسي ظهرت القلاقل الحزبية. على ذكر حكومة الفاسي أعلن حزبكم أنه يرفض مقترحات الفاسي كما هو شأن اتحاد الحركات لكنه في النهاية قبل، ماذا جرى بالضبط؟ الذي جرى هو أن نقاشا مهما جرى في الموضوع داخل المجلس الوطني، وهناك من كان مع المشاركة وهناك من كان مع الرجوع إلى المعارضة، نفس النقاش كان داخل المكتب السياسي وكنت وحدي وهذا هو الواقع أدعو إلى المعارضة وكنت على يقين أن المشاركة ستجلب مصاعب كثيرة للحزب وهذا ما تم بالفعل، فبعد أن تم تشكيل الحكومة تبين للذين يدافعون عن المشاركة أنهم سقطوا في فخ منصوب بعناية. لماذا فسر اختيار الحركة الشعبية للمعارضة رغم أنه دفع إليها هو الآخر بأنه غضب ملكي، رغم أن هذا شأن حزبي ولا علاقة له بالغضب الملكي؟ أنا لا أستطيع أن أقول لك إن هناك غضبا ملكيا لأني لا أعلم كيف تعامل الملك مع هذه المرحلة، وبعيدا عن ذلك والذي أعلمه هو أن المخزن التقليدي ينبني على قاعدة الطاعة، حيث لا مكان للثقافة المخزنية برفض ما يعرضه المخزن لاسيما إذا كان يعتبر الرفض خروجا عن الطاعة وعصيانا يجيب أن يلقى جزاءه وعقابا، لكن مع الأسف العقاب هنا هو الرمي بمن رفض إلى المعارضة، ومن المؤسف جدا أن تعتبر المعارضة التي هي أساسا من أسس الديمقراطية نوعا من العقاب المخزني. ألا تعتقدون أن المخزن يبخس الأحزاب السياسية بنهجه أسلوب إنزال منخرطين في آخر اللحظة واستوزارهم؟ هذا واضح للعيان لأني لا أفهم أن يلجأ المخزن من جديد إلى صياغة قمصان بعض الأشخاص وإدماجهم في بعض الأحزاب التي مع الأسف تقبل ذلك، وهذا تبخيس وتمييع لأحزاب وإفراغ السياسة من قيم النبل، والخطير هو أن إحساس المغاربة اتجاه الفعل السياسي بالازدراء ينتقل أيضا إلى المؤسسات، بحيث لا معنى للبرلمان ولا للحكومة، وفي لحظة تاريخية ما سيصعب الأمر على المؤسسة الملكية نفسها. في ظل حديثكم عن اللبس الذي تعيشه المؤسسات، بيان حزبكم هو الآخر ملتبس على اعتبار أنه أقرب للمعارضة وأنتم ممثلون في الحكومة بخمس حقائب وزارية؟ قراءتي لهذا البيان هو أنه بيان مهم جدا، من حيث الحيثيات التي انبنى عليها فقد أكد على أن هناك تراجع سياسي وعلى أن هناك إفراغا لقانون الأحزاب من محتواه وإن هناك رغبة في إحياء وإنتاج جزء من الماضي لتهييء بعض الأشخاص لتنفيذ سيناريوهات سيكشفها المستقبل، وفي الأخير البيان وضع مسافة ما بين الحزب والحكومة في حين ان حيثياته كما قلت لك مهمة، ولكن الخلاصة التي كان يجب أن نصل إليها هي الخروج إلى المعارضة لأن المنخرط في الحكومة سيقع تحت تأثير التضامن الحكومي، أما المساندة النقدية فهي نوع من أنواع المعارضة المسؤولة، وهذا ما كنت أدعو إليه وحدي داخل المكتب السياسي وذلك بالرجوع إلى المعارضة وعدم المشاركة في حكومة عباس الفاسي وأن تقوم بالفعل بدور المعارضة النقدية أي أن تثمن ما هو إيجابي وفي مصلحة الوطن وتنتقد ما لا يدخل في مصلحة الوطن وتعرض البدائل. هل هذا يعني أنه موقف مزدوج يحفظ ماء الوجه؟ على كل حال أعتبر البيان مهما ولترتيب النتائج على الذين اختاروا الحكومة أن يغادروها. المتأمل للتشكيلة الحكومية الجديدة يلاحظ أن جل الوزراء الاتحاديين يتحملون حقائب وزارية هامشية، والكاتب الأول حصل على وزارة بدون حقيبة، هل يمكن القول إنها نهاية الاتحاد بعد سلسلة من الانتكاسات التي عاشها؟ أنا لا أنظر إلى نوعية الحقائب ولا إلى محتواها، أنا ضد المشاركة أصلا وبالأساس و الخطأ الاستراتيجي هو الدخول إلى حكومة قيل إنها تتشكل تحت لافتة المنهجية الديمقراطية، لكن مع الأسف كان ذلك مجرد شكل من أشكال إفراغ المنهجية الديمقراطية من مضمونها مع إصباغ وزرائها وإدماجهم في أحزاب أخرى، إضافة إلى العديد من وزراء السيادة والذي لا أساس له من الناحية الدستورية.