قبيل الربيع العربي,شعر الجميع في المغرب بحالة الاحتباس السياسي التي صار المغرب ضحية لها,حتى أن العديد من الأصوات ذهبت إلى اعتبار تلك المرحلة أسوأ من فترة تحكم البصري بإيعاز من الحسن الثاني في مجريات الحياة السياسية.و مع ذلك فصراع القصر و المعارضة آنذاك شكل مدخلا منطقيا لفهم سيرورة الأحداث,أما و قد انتفى الصراع بين القصر والفرقاء السياسيين، فقد عجز كل منطق عن استيعاب الغاية التي بعثرت لأجلها الأوراق السياسية في المغرب في اتجاه اللاديمقراطية ودولة اللاحق و اللاقانون.هذا الاحتقان خلفه الظهور الفجائي للبام في المشهد الحزبي كانبثاق من العدم.أما مؤسسه صديق الملك، فلم يدع حالة الفضول و الترقب تدوم طويلا حين أعلن في خرجته التلفزيونية الشاذة،تنصيب حزبه خصما للعدالة و التنمية،فصار الهدف الإجرائي كالتالي: - أن يتحجم دور الإسلاميين في ساحة الفعل السياسي في أفق القضاء عليهم .فأية لعنة حلت بالبام تلك التي جعلت السحر ينقلب على الساحر؟إنها لعنة البيجيدي الذي عجز قصر نظر الهمة عن فهم أسباب قوته و معدن نسائه و رجاله فتوهمه لقمة سائغة.في سنوات قليلة فشلت كل قراءات البام و خططه,و واقع الحال ينبئ عن ذلك انطلاقا من معطيات صارت مكشوفة للجميع: 1-روج البام لفوبيا الإسلاميين باعتبارهم أعداء للديمقراطية و تهديدا للنظام و بذلك لابد من محاصرة نفوذهم بواسطة حزب اغلبي قادر على دحرهم في أية مواجهة حتى ولو لم تكن شريفة، اسوته في ذلك نموذجي تونس و مصر. و لسوء حظه,لم تتأخر ثورتا الشباب التونسي و المصري لتفند أطروحته مثبتة أن حزب السلطة هو الخطر الحقيقي على الديمقراطية في الوقت الذي أبان فيه إسلاميو مصر و تونس عن تعقل كبير و تغليب راق لمصلحة الوطن على حساب مصلحة التنظيم. تكمن الخلاصة إذن في تقويض أطروحة اعتبار العدالة و التنمية فزاعة يخشى منها على الوطن,و صار الخطر الحقيقي على الوطن هو البام 2-سقط البام سهوا في المشهد السياسي ليرفع شعار "ارحل" في وجه البيجيدي بعد أن عجز التيار الذي أوجده عن استئصال الحزب ذو المرجعية الإسلامية من المشهد السياسي بعد أحداث 16 ماي وفق منطق مختل يحمله المسؤولية المعنوية عن الأحداث التي لم تعلن حقيقتها لحد الساعة إلا أن شعار "ارحل" رفعه صوت الشعب الهادر في وجه البام وليس في وجه البيجيدي. تكمن الخلاصة إذن في كون المطالب بالرحيل اليوم هو الأصالة و المعاصرة لا العدالة و التنمية. 3-بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات,فعل البام كل شيء ليحرم على الجميع الاقتراب من البيجيدي أو محاولة التحالف معه، إلا أن الحزب الأجرب اليوم الذي ينفر الجميع منه اتقاء لعدوى اللعنات هو البام لا البيجيدي . تكمن الخلاصة إذن في كون الحزب المكتوب على جبهته"عار" لا يراها إلا الديمقراطيون هو الأصالة و المعاصرة لا العدالة و التنمية. 4-وظف البام كل الأساليب السياسية اللاأخلاقية واستغل الهمة علاقاته ووظف قربه من الملك مقامرا بحياد القصر لإجهاض تحالفات البيجيدي قاطعا الطريق بينه وبين عمودية المدن الكبرى و المتوسطة ضاربا عرض الحائط بنتائج الديمقراطية التي يتبجح بحمايته لها,إلا أن كل المدن المقرصنة آلت مجالسها إلى الفوضى و الفشل و الجمود. 5-في طنجرة الضغط،اعد البام نجومه لمنافسة قيادات العدالة و التنمية التي تحظى بالاحترام و الشعبية و هو يترصد نقط قوتهم: -هل هي المشروعية التاريخية و النضالية؟ صلاح الوديع معتقل سياسي سابق يحمل سجله العدلي متسولا به موقعا سياسيا كما فعل باقي زملائه الماركسيين المد جنين. -هل هي الخطابة؟ بنشماس أمير الكلام يعرض لسانه الطويل للإيجار. -هل هي"الجبهة" بالتعبير المغربي الدارج؟لا" جبهة"تضاهي تلك التي يملكها الياس العمري جرأة حد الوقاحة ليعلن نفسه صديق الملك الذي سيطهر المغرب من خطر التاسلم. فأين هؤلاء اليوم في الساحة السياسية؟ تكمن الخلاصة إذن في كون قيادات العدالة و التنمية تحظى بالمزيد من التمكين السياسي في الوقت الذي يتوارى فيه الكوكتيل السياسي الذي مزجه البام قسرا عن الأنظار. 6-سخر البام الإعلام المستاجر ليوهم الجميع بالتضعضع التنظيمي الموهوم في صفوف البيجيدي من خلال تضخيم قضية الاستقالات في هياكله,إلا أن المتتبع لمسار البام اليوم يكتشف وضعه التنظيمي الذي لا يحسد عليه في الوقت الذي تتقوى فيه صفوف العدالة و التنمية و مختلف هيآته وحلفائه. 7_و أخيرا تؤشر استقالة مؤسس البام من تدبيره و الإشراف على لجانه الانتخابية على إعلان هذا الأخير عن فشل منهجه الاقصائي التسلطي و قصور تقديره السياسي،و بذلك تنتفي العلة الغائية لوجوده لتحل لحظة رحيله غير المأسوف عليه.أليست هي لعنة العدالة و التنمية إذن؟