البنين، بوركينافاسو، بورندي، الرأس الأخضر، جزر القمر، الكونغو، الكوت ديفوار، دجيبوتي، إيريتريا، الغابون، غامبيا، غانا، غينيا، غينيا الاستوائية، غينيا بيساو، ليبريا، ليبيا، جمهورية إفريقيا الوسطى، الكونغو الديمقراطية، ساو طومي، السينغال، السيشل، سيراليون، الصومال، السودان، سوازيلاند، الطوغو وزامبيا.. في المجموع، ثمان وعشرون دولة عضوا قامت بتوجيه ملتمس خلال القمة الأخيرة المنعقدة في كيغالي؛ وذلك لدعم عودة المغرب إلى حظيرة الاتحاد الإفريقي، في مقابل وقف سريان انتماء جمهورية البوليساريو الوهمية وتوقيف أنشطتها داخل جميع اللجان المتفرعة عن المنظمة. وقد قدمت الثماني والعشرون دولة هذا الملتمس إلى كتابة رئاسة الاتحاد التي يطلع بمهمتها حاليا الرئيس التشادي إدريس ديبي؛ وذلك بهدف عودة المغرب إلى موقعه الطبيعي في المنظمة الإفريقية والتي أسهم تاريخيا في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية قبل تحولها للاتحاد الإفريقي، وتجسيدا لسياسة الانفتاح التي انتهجها الملك محمد السادس وجسدها برسالته الرسمية التي وجهت لمجموع القادة المشاركين في قمة كيغالي. هذا من ناحية سرد الوقائع، أما بخصوص التحليل، فإننا نقدم السؤال: ما هو وزن هذه الدول الحليفة للمغرب (التاريخية منها والحديثة) بالنسبة إلى القارة الإفريقية؟ على المستوى الإحصائي، يتجاوز الرقم 28 نصاب النصف لأعضاء الاتحاد (54 عضوا يمثلون 53 دولة، بالإضافة إلى انفصاليي البوليساريو). وعلى مستوى الكثافة الديمغرافية، فإن مجموع سكان البلدان الموقعة لا يمثل سوى ربع سكان القارة. وإذا استثنينا جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تمثل قطبا ديمغرافيا إفريقيا، فإن باقي الدول السبع والعشرين تصنف في مؤخرة ترتيب الدول الإفريقية أمام العمالقة من حجم إثيوبيا ونيجيريا ومصر وجنوب إفريقيا... من ناحية أخرى، فإن الدول ال28 مجتمعة لا تشكل سوى 20% من مجموع الناتج الداخلي الخام للقارة متخلفين عن القوى الديمغرافية والاقتصادية الممثل بها سابقا. بالإضافة إلى كل ما ذكرناه، فلائحة الموقعين تخلو من الاقتصاديات العشر الأقوى في القارة، ونيجيريا لوحدها تخلق ثروة سنوية مماثلة للثروة التي تخلقها كل الدول الموقعة مجتمعة. جانب آخر مهم في تقييم وزن الدول ال28 هو المساهمة المالية في ميزانية الاتحاد الإفريقي، حيث إن ثلاث دول إفريقية فقط هي نيجيرياوجنوب إفريقيا والجزائر تتحمل 60% من ميزانية الاتحاد، والدول الثلاث من المساندين الأوفياء لجبهة البوليساريو؛ وهو ما يحيلنا على وضعية مواجهة مؤسساتية ضارية داخل الاتحاد. وإذا كان الرئيس النيجيري قد استقبل مبعوثي المغرب (السيد ناصر بوريطة عن وزارة الخارجية والسيد ياسين المنصوري عن لادجيد)، فإن المواقف التاريخية لنيجيريا ظلت معادية للموقف المغربي. كل هذه المقاربات تقدم تفسيرا لتجاهل رئيسة لجنة الاتحاد الإفريقي (الجنوب إفريقية زوما نكوزازونا) للملتمس المقدم، وتكشف عن اختلال موازين القوى داخل الاتحاد ضد مصالح المغرب. هذه الخلاصة لا يمكن لها بأية حال أن تحجب التقدم الملموس لصالح الموقف المغربي عن ما كان عليه الوضع سابقا. إذا قاربنا وفق منهجية التحالفات، فإن المغرب يتوفر حاليا على 28 دولة صديقة. وفي المقابل، باقي الأعضاء ليسوا بالضرورة مناوئين للموقف المغربي؛ فبلدان من قبيل مصر التي تحاول لعب دور الوسيط في الملف، لا يمكنها اتخاذ موقف حاسم يفقدها صفة الحيادية، وتونس أيضا التي تعيش أزمة سياسية مستعصية لا تملك أن تفتح جبهة خارجية، والحكمة تقتضي منها ضمان التحالفات مع جيرانها خاصة المغرب والجزائر؛ وهو ما عبر عنه الرئيس التونسي القائد باجي السبسي بتمسكه بإطار اتحاد المغرب العربي واستمرار علاقة قوية وبناءة مع المغرب. التقدم الدبلوماسي المغربي يتجسد أيضا في الدعم الذي حصل عليه من دول مؤسسة لمنظمة الوحدة الإفريقية؛ كالسينغال التي تعد نموذجا ديمقراطيا داخل القارة، والكوت ديفوار القاطرة الاقتصادية لإفريقيا الفرنكوفونية، وغانا إحدى الواجهات الاقتصادية لإفريقيا الأنكلوفونية... مع ضرورة الإشارة إلى اعتراف 19 دولة فقط من الاتحاد الإفريقي بجمهورية الانفصاليين؛ بينها دول موقعة على ملتمس وقف انتساب الجمهورية الوهمية للاتحاد الإفريقي. وهذا ما يفتح الباب أمام وضع في صالح المغرب، خاصة عقب الاختراق الجيد الذي قامت به الدبلوماسية للعمق الأنكلوفوني للقارة. الجانب التالي من التحليل سيركز على البعد القانوني للاختراق الذي حققه المغرب والذي يظل بالرغم من ذلك غير مكتمل الأركان؛ فالتحرك الأخير خلال قمة كيغالي يهدف إلى تقديم الخط الدبلوماسي الجديد الذي يقطع مع سياسة الكرسي الفارغ المنتهجة منذ قبول الدولة الوهمية في صفوف المنظمة الإفريقية، والتي لم تحقق النتائج المرجوة؛ بل على العكس من ذلك قوت وضعية الانفصاليين داخل دواليب الاتحاد الإفريقي الذي دعا إلى اتخاذ عقوبات في حق المغرب عقب طرد التمثيلية المدنية للمينورسو في سياق أزمة البلد مع الأمين العام لهيئة الأممالمتحدة بان كيمون، لتكون بالتالي سياسة الكرسي الفارغ قد أفرغت موقفنا من كل مصداقية داخل أروقة الاتحاد. الآن وقد قرّر المغرب استرجاع مكانته داخل المنظمة، فإننا نفتح إمكانية الحضور جنبا إلى جنب مع الدولة الوهمية والتداول والحضور على الدرجة نفسها في الاتحاد الإفريقي؛ فإذا كانت العودة شبه محسومة بأغلبية نصف الأعضاء، فإن إخراج الانفصاليين يحتاج مسطريا لموافقة ثلثي الأعضاء على تبني تعديل بنود القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي وإضافة بند يتيح فصل دولة عضو خارج حالة الانقلاب العسكري أو التغيير غير السلمي للسلطة المنصوص عليها لتطبيق الفصل في القانون الحالي. هذا الرهان يحمل في طياته درجة من الخطورة لاستلزامه حضور المغرب كعضو كامل العضوية بجانب الدولة الوهمية والمشاركة في مسطرة التعديل لطردها، مع ما يمكن أن يصاحب ذلك من خطاب مظلومية يتقنه الأعداء وحلفاؤهم على مر سنوات الصراع: الدولة المستحكمة والشعب الصحراوي الضحية. بالرغم من كل الخطر المحدق بالخطوة المغربية، فإن عامل الوقت يوفر بضعة أشهر قبل انعقاد قمة العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في يناير 2017 والتي تحتضن بالمناسبة مقرات الاتحاد. وهنا، يتجسد الرهان المغربي في التوفق في استمالة 38 حليفا أو لنقل 40 حليفا تجنبا للمفاجأة، واستثمار موقف 34 بلدا إفريقيا لا يعترف بالجمهورية الوهمية. وفي سياق كسب هذا التحدي، تشكل قمة المناخ كوب 22 المزمع تنظيمها بمراكش فرصة سانحة لاستمالة مسؤولين مؤثرين من داخل القارة ومن خارجها في سبيل تحقيق العودة المقرونة بالخروج للانفصاليين. كما أن القرار التاريخي بتعيين سفير ببريطوريا يفتح الأمل أمام إذابة الجليد عن علاقات المغرب مع جنوب إفريقيا، في سبيل عدم اعتراضها على الملتمس ولما لا التوقيع عليه. إن الخطوات التي قام بها المغرب بخصوص ملف الصحراء تؤشر على تحول عميق في النهج الدبلوماسي المغربي داخل القارة وأجهزتها التنظيمية، خاصة وقف انتظام الجمهورية الوهمية في الاتحاد الإفريقي؛ فالخطوة حركت المياه الآسنة بخصوص الملف، وأعادت فتح النقاشات حول مصير قضية الوحدة الترابية، على أساس تمكين الاتحاد من مفاتيح حل النزاع بعيدا عن منظمة الأممالمتحدة ومجلس الأمن الدولي وشبح الفصل السابع من الميثاق الأممي. الطريق صعب وشائك ومليء بالمطبات؛ لكن جرأة الخطوة تستحق التنويه، وتجسد التحول الفعلي للخط الدبلوماسي العتيق للسنوات الماضية. فهل سنكسب الرهان؟ *عن قطب العلاقات الدولية لمبادرة طارق ابن زياد