قبل القيام بقراءة تفكيكية وتحليلية للأدوار والوظائف التي تنهض بها المعارضة البرلمانية في المغرب ومدى تطابق الإمكانيات مع الصلاحيات الجديدة التي منحها دستور 2011 لها مع الالتزامات الملقاة عليها، ومدى مساعدة هذه الامكانيات المعارضة البرلمانية في بلوغ الأهداف التي رسمها لها المشرع الدستوري، وكذا المنطلق الذي تمثل به هذا المشرع المعارضة البرلمانية، لابد من التذكير بأن الدساتير السابقة على دستور 2011 لم تورد أو تنص بصريح العبارة على شيء اسمه المعارضة البرلمانية، على اعتبار أن هذه الأخيرة تشكل قوة سياسية ممثلة داخل البرلمان إن المعارضة مكون أساسي في المجلس، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة، هكذا وصف الدستور المغربي المعارضة البرلمانية في الفقرة الثانية من الفصل 60 من دستور 2011. وقد أحسن المشرع الدستوري صنعا حين قام بدسترة حقوق المعارضة البرلمانية، لأن أغلب الأنظمة الديمقراطية الغربية تعطي أهمية خاصة للمعارضة، من خلال دسترتها وتمكينها من آليات تستطيع بواسطتها القيام بالدور المنوط بها على أكمل وجه. ونذكر من بين هذه الأنظمة : النظام البرلماني، حيث تلعب المعارضة دورا كبيرا في الحياة السياسية عموما وفي العمل البرلماني على وجه الخصوص. وجدير بالإشارة أن المعارضة تضطلع بمجموعة من المهام، من بينها أن على عاتقها إخراج الأعمال والسياسات الحكومية إلى الوجود، وحيث أن هذه الأخيرة وسيلة معرضة للنقد المستمر، ونقصد هنا طبعا النقد البناء، تأتي المعارضة بأعمال وسياسات بديلة عن الأعمال والسياسات الحكومية المنتقدة، التي من المجدي أن تكون مقنعة وتتوخى التعاون والتشارك بين المعارضة والحكومة فيما يخص العمل البرلماني . غير أن هذا التعاون لا يمنع المعارضة من استعمال الآليات الرقابية التي منحت لها من طرف المشرع الدستوري، لضمان محاسبة فعالة للكيفية التي تمارس بها الحكومة سلطاتها، وأن لا ينحصر دور المعارضة داخل قبة البرلمان، بل يجب أن يمتد خارج أسواره، وذلك باستعمالها لمجموعة من الوسائل كالإعلام المرئي والمسموع والمقروء وعبر الندوات واللقاءات في أفق ممارسة السلطة عن طريق صناديق الاقتراع عبر التداول السلمي للسلطة. ومن هنا يجب الإقرار بأن المشرع الدستوري المغربي أعطى للمعارضة البرلمانية مجموعة من الحقوق، خاصة الحقوق المنصوص عليها في الفصل 10 من دستور 2011. أولا : مركز المعارضة البرلمانية في دستور 2011. ينص الفصل 10من دستور 2011 على "يضمن الدستور للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسة ". ويضمن الدستور، بصفة خاصة، للمعارضة الحقوق التالية : - حرية الرأي والتعبير والاجتماع، - حيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، - الاستفادة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، - المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، ومساءلة الحكومة، والأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، - المساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، - تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، - رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، - التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، - المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، المساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور. كما يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة. تحدد كيفيات ممارسة فرق المعارضة لهذه الحقوق، حسب الحالة، بموجب قوانين تنظيمية أو قوانين أو بمقتضى النظام الداخلي لكل مجلس من مجلسي البرلمان. قبل تحليل الاشكالات التي تثيرها أحكام الفصل العاشر من الدستور، نود الوقوف على بعض الملاحظات التي لها تأثيرها على فعالية وحكامة ووضوح الرؤية لدى المعارضة. استعمال الدستور أسلوبين في التعامل مع مسألة حقوق المعارضة، فهناك بعض الحقوق والصلاحيات التي تستفيد منها هذه الأخيرة وفقا لمعايير محددة، مثل الاستفادة من حيز زمني في وسائل الإعلام على أساس معيار التمثيلية، بينما لم ينص الدستور عن معايير مضبوطة للتمتع والاستفادة من باقي "الحقوق" مثل "الحق" المرتبط بالتمثيلية الملائمة في أنشطة مجلس النواب الداخلية. فهذا الحق يثير التساؤل حول عنصر الملائمة مع ماذا ؟ تتمثل الملاحظة الثانية في المزاوجة بين الوضوح والغموض في الإعلان عن "حقوق" المعارضة، فهناك من الحقوق من أوردها الدستور بشكل واضح لا يحتمل أي تقدير (مثل رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع)، ومنها من ذكرها بشكل عام وغامض مثل (توفر المعارضة على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية ) فهذه العبارة تحتمل وجهان: أي أن من حق المعارضة البرلمانية الحصول على كل شي، وفي نفس الوقت عدم منحها أي شيء . الملاحظة الثالثة هو أن الحقوق الواردة في الفصل 10 جاءت عامة وغير دقيقة مثلا : - الاستفادة من التمويل وفق مقتضيات القانون : هل سيقدم هذا التمويل إلى فرق المعارضة أم إلى الأحزاب التي تمثلها هذه الأخيرة ؟ وماذا عن المجموعات البرلمانية التي تصطف في خانة المعارضة ؟ - المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان : يجيلنا هذا البند على الفقرة الثانية من الفصل 82، حيث جاء فيها ما يأتي : "يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من المعرضة"، يستشف من خلال منطوق هذه الفقرة، أن على السلطة التشريعية تخصيص يوم واحد على الأقل لدراسة مقترحات القوانين، وقد يخصص لهذه الغاية أكثر من يوم في الشهر، ومن بين هذه المقترحات تلك المقدمة من طرف المعارضة"، إلا أن الإشكال الحقيقي هنا هو هل بإمكان البرلمانيين بصفة عامة والمعارضة بصفة خاصة احترام هذه المسطرة؟ ومن جانب أخر هل تنطبق هذه الفقرة على الفترة الفاصلة بين الدورات؟ وهناك مجموعة من البنود الأخرى التي جاءت بصيغة العموم، وكانت تفتقر إلى الدقة في آليات التفعيل. ورجوعا إلى الفصل 10 يبدو، من خلال تحليل بنيته والطريقة التي اعتمدها المشرع الدستوري في الحديث عن المعارضة، أنه يثير إشكاليات ثلاثة : - أولى الإشكاليات تتعلق بالتمييز في مقتضيات الفصل 10 بين حقوق المعارضة والالتزامات الموضوعة على عاتقها. - أما ثانية الاشكاليات فتتجلى في العلاقة التي تربط أحكام الفصل 10 بباقي الأحكام الخاصة بالمعارضة الواردة في دستور 2011 بشكل مشتت، وبالتالي اشكالية الانسجام والتناقض بين هذه الأحكام. - فيما تكمن الاشكالية الثالثة في درجة التقاطع والتباعد بين المركز التي تحتله المعارضة دستوريا وبين أدائها واقعيا. بمعنى آخر إلى أي مدى أثرت المكانة المستحدثة والقوية للمعارضة في دستور 2011 على حكامة اشتغالها في الواقع؟ إشكالية التمييز بين الحقوق والالتزامات الواردة في الفصل 10 انطلاقا من تحليل تركيبي وتفكيكي للفصل العاشر من الدستور يظهر أن الدستور، وعلى الرغم من أنه استعمل أسلوبا يفيد بأن كل ما هو وارد في هذا الفصل يرتبط بحقوق تخص المعارضة البرلمانية، فإنه في الحقيقة جاء بمؤشرات توضح أن هذا الفصل مزيج من الحقوق والواجبات وأمور أخرى. عندما يتحدث الفصل 10 عن المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، فالدستور وحتى وإن وظف لغة يفهم منها أنها تتعلق بحق من حقوق المعارضة، فإن التشريح الدقيق للشكل والمحتوى اللغوي والتركيبي الذي تضمنه ، أو غاية المهمة التي تنتظر المعارضة في هذه المقتضيات يفيد بأن المسألة تتعلق بالتزام واجب ملقى على كاهل المعارضة أي أن الأمر يتعلق بمسؤولية هذه الأخيرة في الاضطلاع بدورها الدستوري في الشق المرتبط بالترويج للقضايا العادلة للوطن في المحافل الدولية وخارج أرض الوطن، والدفاع عنها وعن المصالح الاستراتيجية للبلاد. وفضلا عن الالتباس في التمييز الذي وضحناه فيما سبق، فإن الغموض ظل هو السائد في أحكام الفصل 10، وذلك على الأقل على مستويين : المستوى الأول : حيث لم يتم توضيح الوسائل والامكانيات التي ستمنح للمعارضة داخل الفصل 10 بغية نهوضها بمهامها في مجال الدبلوماسية البرلمانية. المستوى الثاني : ويتعلق بالسؤال المرتبط بمعنى المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، حيث يستفاد من ذلك أن الأمر يتعلق بواجب ملقى على المعارضة من جهة، ومن جهة أخرى يدفعنا إلى طرح السؤال أيضا عن معايير قياس مساهمة المعارضة في الدبلوماسية البرلمانية مساهمة فعالة ؟ وعليه، نستنتج مما سلف أن الدستور في هذه الزاوية المتصلة بالحقل الدبلوماسي، فرض على المعارضة التزاما بنتيجة، انطلاقا من المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، أي المساهمة التي تعطي ثمارها وتحصل على نتائج إيجابية في الدفاع عن القضايا العادلة للبلاد. وبينما يورد الفصل 10 ضمن مشمولاته الخاصة بالحقوق المخولة للمعارضة مسألة المساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من الدستور، فإنه في الحقيقة يلقي واجبا على المعارضة في كونها مدعوة إلى أجرأة بعض أحكام الدستور في الجزء المرتبط بالمساهمة في تأطير وتمثيل المواطنين والمواطنات. إن المتأمل فيما ورد في الفصل 10 من أنه "يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة" يصعب عليه اعتبار هذه الصيغة تفيد أن الأمر يتعلق بحق من حقوق المعارضة، حيث يعتبر ما أستهل به المشرع هذه الأحكام من صيغة للوجوب دليل قاطع على القصد الذي ابتغاه وهو التزام وواجب ملقى على كاهل المعارضة يتجلى في المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة. إذا كان الدستور في فصله 10 يعترف بأن كل ما هو وارد في أحكامه يتعلق بحقوق المعارضة البرلمانية، فالثابت أن الحقوق عموما تحتاج دوما لآليات لحمايتها، فالحقوق التي تكون غير محاطة بالإجراءات الضرورية لحمايتها هي أقرب إلى "الشعارات" فقط. ومن هنا يظهر جليا أن العديد من المسائل المنصوص عليها ضمن أحكام هذا الفصل، والتي تقدم على أنها حقوق، هي في الحقيقة رغبات، مثال على ذلك العبارة التي تشير إلى "التوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية". إشكالية التنصيص على المعارضة البرلمانية كبنية في كل أحكام الوثيقة الدستورية بمعنى مدى انسجام مضمون الفصل العاشر مع باقي المقتضيات المرتبطة بالمعارضة البرلمانية والواردة بشكل متفرق في دستور 2011 ؟ ومن هذا المنطلق، يتبين أن مقابلة مقتضيات الفصل 10 من دستور 2011 مع أحكام الفقرة الثانية من الفصل 60 من نفس الدستور التي تنص على أن "المعارضة مكون أساسي في المجلسين، وتشارك في وظيفتي التشريع والمراقبة طبقا لما هو منصوص عليه خاصة في هذا الباب" ، يبدو أنه على عكس أحكام الفصل 10 التي تغطي تقريبا كل وظائف البرلمان، والتي أقر بها أيضا حتى للمعارضة البرلمانية، وهي : التشريع ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية و الدبلوماسية البرلمانية. فإن الواضح من أحكام الفصل 60 أن المشرع الدستوري اكتفى بالإشارة إلى وظيفتين تشارك فيهما المعارضة البرلمانية، وهما : وظيفة التشريع، ووظيفية المراقبة. من خلال هذه المواجهة بين الفصلين 10 و 60 يطرح التساؤل حول لماذا لم يشر المشرع الدستوري في الفصل 60 إلى مشاركة المعارضة في وظيفتي تقييم السياسات العمومية والدبلوماسية البرلمانية. إذ يظهر أن معدي دستور 2011 تعاملوا من الناحية الدستورية مع المعارضة البرلمانية وفق منطلقين، منطلق يعترف للمعارضة البرلمانية بالمشاركة في جميع الوظائف والمهام المنوطة بالبرلمان، وقد تم الافصاح عنه صراحة في الفصل العاشر من الدستور، ومنطلق ثاني تم التعبير عنه في الفصل 60 الذي يندرج ضمن الباب الرابع المتعلق بالسلطة التشريعية، والذي جاء بأقل مما ورد في الفصل 10 في الشق المتعلق بأدوار وحقوق المعارضة البرلمانية، والتي تم تصنيفها من طرف المتتبعين ضمن خانة المستجدات الدستورية. مستجدات الدستور المتعلقة بدور المعارضة: جاء دستور2011 بالعديد من المستجدات حيث أضحت المعارضة البرلمانية تمتلك العديد من الوسائل والأدوات الدستورية التي منحها إياها هذا الدستور، ومنها : على مستوى التشريع : علاوة على ما تضمنه الفصل العاشر، يشير الفصل 82 أيضا إلى : "يخصص يوم واحد على الأقل في الشهر لدراسة مقترحات القوانين، ومن بينها تلك المقدمة من قبل المعارضة. ويبدو وكأن المقتضيات المتعلقة بالفصل 82 أتت لتعزيز وأجرأة ما هو وارد إجمالا في الفصل 10 في الزاوية التي تهم الحق المتصل ب "المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لا سيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان"، فالدستور يكمل من خلال أحكام الفصل 82 وينقل عن طريقه ما جاء في الفصل 10 من مجال التنصيص إلى مجال الأجرأة، وذلك حتى لا تبقى مشاركة المعارضة في مسطرة التشريع محصورة في تسجيل مقترحات القوانين بجدول الأعمال، ولتفادي تحكم الأغلبية في مقترحات المعارضة، نص الدستور على تخصيص يوم في الشهر لدراسة مقترحات القوانين ومن بينها تلك المقدمة من طرف المعارضة. على مستوى إمكانية اللجوء إلى القضاء الدستوري : من بين المستجدات التي حملها دستور 2011 في هذا الحقل نشير إلى أن : - سدس أعضاء مجلس النواب لهم الحق أن يحيلوا على المحكمة الدستورية التزاما دوليا يتضمن بندا يخالف الدستور. (الفصل 55). - من حق خمس أعضاء مجلس النواب أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها الدستور. إن هذا الإجراء الخاص بإحالة القوانين العادية على المحكمة الدستورية يثير ملاحظتين: الملاحظة الأولى : يظهر أن دستور 2011 خفف من الصعوبة التي كانت تشتكي منها المعارضة البرلمانية في السابق، والمتعلقة بالتبريرات التي كانت تقدمها هذه الأخيرة لتفسر بها شح وقلة الطعون البرلمانية في القوانين العادية، حيث كانت تركز على إشكالية في صعوبة الوصول إلى النصاب (ربع الأعضاء) الذي كان يشترطه دستور 1996 بخصوص إمكانية إحالة القوانين العادية على المجلس الدستوري، فهذا الشرط حسب المعارضة كان يعرقل إمكانية ممارستها للطعون الدستورية ضد القوانين بسبب صعوبة تجميع (النصاب) "ربع الأعضاء". وهنا نتساءل هل التقليص من هذا النصاب من خلال تخفيضه إلى الخمس مع دستور 2011 أعطى نتائجه في الميدان أم لازالت الأمور على ما هي عليه ؟ ج) على مستوى إمكانية تشكيل اللجان النيابية لتقصي الحقائق : ينص الفصل 67 من الدستور على أنه يجوز لثلث أعضاء مجلس النواب اتخاذ المبادرة قصد تشكيل لجان نيابية لتقصي الحقائق يناط بها جمع المعلومات المتعلقة بوقائع معينة، أو بتدبير المصالح أو المؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاع المجلس الذي شكلها على نتائج أعمالها. د) على مستوى اللجان الدائمة : ينص الفصل 69 على تخصيص لجنة أو لجنتين للمعارضة، على الأقل، مع مراعاة مقتضيات الفصل 10 من الدستور. يستنتج من أحكام هذا الفصل فكرة أساسية، تتمثل في تمكين المعارضة البرلمانية من الإشراف إلى بعض الآليات المؤسسية التي من شأنها بعث الدينامية داخل البرلمان، فالمعارضة البرلمانية تتبوأ رئاسة لجنة من بين اللجان المهمة داخل مجلس النواب، وهي اللجنة المكلفة بالتشريع، كقناة رئيسية قادرة على ضبط المخرجات التشريعية. ه) استعمال الملتمسات : الفصل 105 يتيح الفرصة أمام المعارضة بمجلس النواب لإمكانية التوقيع على ملتمس الرقابة بواسطة خمس الأعضاء. واستنادا على مقارنة بين الشروط الواردة في دستور 2011 وبين مثيلاتها التي كانت مدرجة في الدساتير السابقة مثل دستور 1996 على مستوى النصاب المطلوب قصد تمكن المعارضة البرلمانية من استعمال هذه الآليات التي قد تقود إلى إسقاط الحكومة (ملتمس الرقابة أمام مجلس النواب)، نقف على فكرة جوهرية مفادها، أن دستور 2011 كان وسطيا في هذا الموضوع، وذلك لما يسر المعارضة البرلمانية إمكانية التوقيع على ملتمس الرقابة كي تعارض مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها. حيث يبدو أن الشطر الأول من مسطرة تحريك المعارضة البرلمانية في مجلس النواب لملتمس الرقابة متاح أمامها. ولكن الشطر أو الخطوة الإجرائية الثانية من هذه المسطرة تبقى أمرا عسيرا بالنسبة للمعارضة البرلمانية، لأن الفصل 105 من دستور 2011 ينص " لا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذي يتألف منهم". هذا المقتضى يعني أنه من الصعب على المعارضة التوفر على هذا النصاب. لكن كيف نفسر هذا التحول في تعاطي المشرع الدستوري مع المعارضة ؟ الملاحظ أن المشرع الدستوري استعمل الدساتير كأداة وأسلوب لإدارة الصراع مع المعارضة البرلمانية، فحين كانت المعارضة البرلمانية قوية في الواقع، كان المشرع لا يفتح لها أي منفذ يتيح الاعتراف بها دستوريا، أو مدها بآليات ووسائل دستورية تمكنها من الاضطلاع بمهامها على أكمل وجه، في حين لما تراجعت هذه المعارضة في الواقع، بادر المشرع الدستوري إلى تقوية مكانتها الدستورية داخل البرلمان، وتعامل المشرع الدستوري هذا مع المعارضة يمكن تفسيره بأمرين اثنين : 1- إما أن المشرع الدستوري، بعد أن تيقن أن المعارضة البرلمانية لم تعد كما كانت في الماضي، سارع إلى دعمها من خلال الاعتراف بها في صلب الوثيقة الدستورية، والإقرار لها بجملة من الحقوق والصلاحيات التي تؤهلها للقيام بمهامها في مختلف مجالات عمل البرلمان، على مستوى التشريع. والمراقبة. وتقييم السياسات العمومية. والدبلوماسية البرلمانية. والغاية المتوخاة من هذا الدعم هي محاولة استبعاد الاتهام الذي كان يلصق بالدولة في كونها هي المسؤولة عن حالة الضعف التي آلت إليها المعارضة البرلمانية. 2- أن الدولة أخدت تستشعر بعض المخاطر التي قد تعترض البرلمان المغربي ككل بغض النظر عن مكوناته (الأغلبية والمعارضة)، لهذا سارعت نحو المساهمة في بعث الروح في المؤسسة البرلمانية، عبر إعادة بناء التوازنات الداخلية للبرلمان ، لأن مد المعارضة ببعض الوسائل والأليات الدستورية وتمكينها من الحضور الفعلي في أجهزة البرلمان يعني ضمنيا انبتاق جناح مضاد للأغلبية البرلمانية من شأنه أن يضفي الدينامية على الأنشطة البرلمانية والرفع من سقف الخطاب البرلماني. وفي هذا السياق يستحسن أن نعرج على معادلة أساسية تهم مدى التطابق بين المكانة الدستورية والواقعية للمعارضة البرلمانية، حيث على الرغم من أن الدستور تعبير عن موازين القوى، إلا أنه لا يصنعها، فالقوى السياسية قد لا تكون قوية في الهندسة الدستورية، ولكنها قد تخلق لنفسها موقعا مهما في الواقع وتقدم نموذجا مؤثرا عن أدائها في الميدان. وبالمقابل قد يبوؤها الدستور مكانة قوية، ولكن مردودها في الواقع قد يكون في غير مستوى الانتظارات. وكمثال على ذلك، نذكر بمكانة المعارضة في الدساتير السابقة خاصة دستوري 1962 و1970 اللذين لم يسندا صلاحيات دستورية للمعارضة أصلا، ولكن معارضة الستينات والسبعينات كان لها وزن مهم يفتقد إليه البرلمان اليوم. فمعارضة الستينات لم تنتظر الاعتراف الدستوري بها لكي تخلق مكانتها وسط الرأي العام، عكس المعارضة حاليا التي وإن خولها دستور 2011 وضعية مرموقة، وذلك باعتراف المعارضة البرلمانية نفسها. فإن أثرها في الواقع يبقى ضعيفا مقارنة بحجم المهام والحقوق التي أضحت موكولة لها بموجب الدستور، وذلك بإجماع المحللين والمتتبعين. وعلاوة على ذلك من الملاحظ أن المعارضة البرلمانية بالمغرب هي في حقيقة الأمر معارضات. كما أنه إذا ما حاولنا التدقيق في هندسة الهيكل المكون للمعارضة، بمعنى المكونات والقناعات السياسية والحزبية المشكلة للمعارضة بالبرلمان المغربي، فيظهر أنها متفاوتة من حيث رصيدها التاريخي والسياسي، الشيء الذي يفضي حتميا إلى تباين في أداء ومردودية هذه التنظيمات والآليات الحزبية المكونة لجسم المعارضة، مما يمكن معه الجزم بأنه من غير المجدي المقارنة بينها للاختلاف البين في ايقاع ودرجة تأثيرها في الفعل البرلماني ومخرجاته المتعلقة بالتأثير في السياسات العمومية.