عادَ ما يُسمّى "نظام الكفيل"، المعمول به في دول الخليج، باستثناء قطر التي أعلنت إلغاءه السنة الماضية، إلى الواجهة بحرَ الأسبوع الماضي، بعدَ بثّ مقطع فيديو على موقع "يوتوب" لمواطنة مغربية تُدعى لمياء معتمد، مقيمة بالمملكة العربية السعودية، قالت إنها تعرّضت للتعنيف والتعذيب والاغتصاب على يد "كفيلها" السعودي. وتعرّفتْ لمياء، حسب شهادتها، على مواطن سعودي عبر شبكة الإنترنيت، بنيّة الحصول على عقْد عمل يمكّنها من مدخول لإعالة ابنتها الصغيرة؛ لكنَّ حياتها انقلبتْ رأسا على عقب، حينَ وصلت إلى السعودية، إذ اضطرّت إلى الزواج من كفيلها، تحت التهديد. وحين رفعتْ ضدّه دعوى قضائية، سُجنتْ، بداعي عدم توفّرها على كفيل، كما جاء على لسانها. "استعباد" تُوجَّه انتقادات حادّة إلى الدول الخليجية من لدن منظمات حقوق الإنسان، لاستمرارها في اعتماد نظام "الكفيل"، لضبْط التعامُل معَ المهاجرين الوافدين عليها. ويرَى كثيرون في نظام "الكفيل" نوعا من "الاستعباد"، خاصّة أنّ هناك من الكُفلاء من يستغلّ "سلطته" لممارسة الوصاية على المتكفّل به. وقد يؤدّي خلافٌ بسيط، أو سوء فهمٍ، إلى طرده. "حين يستقدمُ الكفيل امرأة أو فتاة من المغرب، يصيرُ هو المتحكِّم في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بحياتها. هو من يقرر متى تخرج من البيت، ومتى تعود، وحتّى الأموال لا تأخذها إلا بإذنه، مثل السيد وأمَته"، يقول مواطن مغربي مقيم في السعودية في مقطع فيديو بثته صفحة "نادي الجالية المغربية بالسعودية" على "الفيسبوك". المواطن المغربي استدرك أنّ هناك سعوديين "كايديرو الناس اللي متكفلين بيهم فوق راسهم. انت وزهرك". المدافعون عن نظام الكفالة من الخليجيين يعتبرونه عنصرا أساسيا للاستقرار المجتمعات المحليّة. وتساءل الكاتب السعودي تركي بن عبد الله السديري، في مقال رأي نشره في جريدة "الرياض": "دعونا نتصور لو كانت الأبواب مفتوحة دون كفيل، أي دون مرجعية عمل، كيف ستنتقل البطالة الكبيرة العدد في السودان أو اليمن أو مصر أو المغرب أو سوريا لكي تضاف بفارق هائل إلى البطالة المحلية؟". ويعكس الرأي، الذي عبّر عنه السديري، "خوفا مُزمنا" سائدا في دول الخليج الغنيّة بالغاز والنفط والفقيرة من حيث عدد السكان من تنامي أعداد الوافدين، بقوله تتميما لسؤاله "أما لو ألغي الكفيل بالنسبة لدول شرق آسيا فمن المؤكد أنه بعد عشر سنوات على الأكثر سيكون مطلوباً الاعتراف باللغات البنغالية والهندية والفلبينية والأندونيسية كلغات وطنية..". استغلال قبْل التفكير في السفر إلى أحد بلدان الخليج، يجب الحصول على عَقد العمل أولا، ويتولّى "الكفيل" أو صاحب العمل مهمّة إرسال تأشيرة إلى الشخص الراغب في الهجرة. وحينَ وُصوله إلى البلاد التي هاجر إليها، يُمنع عليه أنْ يعملَ إلا لدى كفيله. أمّا إذا أرادَ أنْ يعمل في مكان آخر فعليْه أن يحصل على إذن مكتوب من لدن الكفيل. وإذا كان الكاتب السعودي تركي بن عبد الله السديري يقول إنّ الكفيل "ليس قدرة تسلُّط يمثل الدولة الخليجية في إبرام العقود أو فسخها بطرق غير نظامية أو تعسفية.."، فإنَّ الواقع لا يُخفي استغلالَ كفلاءٍ في دول الخليج للمهاجرين الوافدين على إمارات النفط؛ بل إنّ منهم من يتّخذهم مصدرا للدّخل. وحسب إفادة عمر (اسم مستعار)، وهو مواطن مغربي مقيم في المملكة العربية السعودية، فهناك كُفلاء ينشئون شركات وهمية، تسمح لهم بإدخال العمّال الأجانب، خاصة من مصر والهند واليمن والنيبال.. وبعد استقدامهم، يمنحونهم الإذن بالعمل في أماكن أخرى؛ لكن بشرط حصولهم على نسبة معيّنة من الأجر الشهري للعامل، أو قيمة راتب شهري قد يصل إلى 300 ريال سعودي. ويُضيف المواطن المغربي أنَّ مثل هؤلاء الكفلاء يستطيعون جمْع مبالغ مالية مهمة، قائلا: "منهم من يتكفّل بعشرة أو عشرين عاملا، هو كالسْ فْدارو مْرتاح، ما كايْدير والو، وهوما خدّامين عليه". ولا يستطيع أي عامل أنْ يغادر السعودية والعودة إليها، إلا إذا حصل على ترخيص يوقّعه الكفيل في إدارة الجوازات. وإذا سافر دون الحصول على الترخيص يُحسب أنه غادر العمل، ولا يُمكنه العودة إلى السعودية إلا بتأشيرة جديدة من الكفيل. الكُفلاء مَعادنُ تضجُّ مواقع الإنترنيت بقصص مغاربة، خاصة النساء، ممّن عانوا الأمرّين جرّاء تسلّط الكفيل، وبالخصوص في المملكة العربية السعودية؛ ومنهم من يقول إنّ هذا الأخير يعمدُ في حالات إلى سحب جواز سفر المهاجر، ليصير الآمرَ الناهي المتحكِّم في تفاصيل حياته. يقول المواطن المغربي، الذي تحدّث لهسبريس، إنَّ القانون السعودي يمنع على الكفيل الاحتفاظ بجواز سفر المتكفّل به، وتنشر وزارة العمل بلاغات دورية بهذا الشأن. وأشار المتحدث ذاته إلى أنَّ احتفاظ الكفيل بجواز السفر يأتي، في الغالب، بناء على طلب العامل مخافة ضياعه، خاصّة الذين يشتغلون في الأماكن المهجورة. لكنَّ هذا لا يعني أنّه ليس هناك من الكفلاء من لا يسحب جواز سفر العمال نهائيا، "كايْن مساخيط من السعوديين كايْديرو هادشي"، يقول عمر، "ملّي كايحصل العامل على الإقامة، بعد ثلاثة شهور من القدوم إلى السعودية، كايْجي عندو الكفيل كايقوّلو هاتي جواز سفرك"، لافتا إلى أنّ القوانين السعودية تُعاقب على سحب جوازات السفر من العمال؛ لكن هناك كفلاء يخرقون هذه القوانين. وعموما، يقول المواطن المغربي المقيم في المملكة السعودية، فإنّ الكفيل أو صاحب العمل "ناس طيبين، خاصة في المجتمع السعودي"، قبل أن يستدرك "ولكن كاينة نسبة ديال ولاد الحرام، بحال هنا بحال المغرب، هناك من يحترم العمال؛ ولكن هناك من يعاملهم بسوء، وربما كثرة العمّال هنا هو الذي يؤدّي إلى ظهور الخبثاء". لا أشعر بالعبودية بحر الأسبوع الماضي، أثارَ نظام الكفيل ردودَ فعل قوية من لدن حقوقيين في مصر، إثر العثور على جثة شاب مصري ألقى نفسه في البحر هربا من كفيله السعودي. وذهب شريف هلالي، المدير التنفيذي للمنظمة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، في تصريحات صحافية، إلى وصف نظام الكفيل المعمول به في دول الخليج بأنه "من مخلّفات القرون الوسطى، ويتناقض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان". وقال هلالي لموقع "مصراوي": "إن علاقة العمل علاقة إنسانية، ولا يمكن التعامل مع العامل المصري باعتباره عبدا". طرحنا سؤال "هل يُشعرك نظام الكفيل بالعبودية؟" على المواطن المغربي الذي تحدث لهسبريس، فكان جوابه "بالعكس، أنا لا أشعر بالعبودية. أغلب الناس يعامِلون العمال مثل أبنائهم، وهم متدينون تدينا تقليديا كالذي يوجد في المغرب الشرقي، وهم بسطاء، ونحن لا نحس بأي عبودية". ويُضيف المتحدث: "أنا، مثلا، ألتقي كفيلي بشكل يومي، كنكْلسو مع بعضياتنا، كنشربو قهيوة، كنلعبو كرة، كنْختالفو في الرأي، نْرْدّْ عليه ويردّ عليا"؛ لكنّ هذا ليسَ حالَ جميع المقيمين الأجانب في المملكة العربية السعودية، فإذا كان عُمر مرتاحا مع كفيله، فهو لا يُخفي أنّ بعض العمال "كايطيحو في كفيل مسخوط الوالدين"، عازيا الإحساس ب"العبودية" الذي يشعر به البعض إلى الغربة والبعد عن الوطن. نظام الكفيل المعمول به في دول الخليج ليس سوى انعكاسٍ لسياسة "تحكّمية" في رقاب العمّال الأجانب تنهجها هذه الدول؛ "الأنظمة السياسية هنا متخلفة جدا، وينبغي أنْ تُصلح، فلا حقّ للعمّال في الانتظام في النقابات"، يقول عمر، قبل أن يستدرك أن هناك ديوانا للمظالم (المحكمة الإدارية)، تُنصف العمّال الذين طالهم الاضطهاد على يد سعوديين. ولخّص الوضع في السعودية بالقول: "السعودية دولة متخلفة بزاف قانونيا، ولكن ليس بالطريقة التي يتم التسويق لها في مواقع التواصل الاجتماعي".