أغلب المهاجرين العاملين في السعودية بعقود مع مشغلين، يعيشون بنصف حرية أو بحرية إلا ربع، جوازات سفرهم محجوزة لدى كفيل يتلقى مقابلا ماديا سنويا عن كفالته، حرية التنقل خارج المملكة مقيدة، الانتقال من مشغل إلى آخر ممنوعة بقوة نظام الكفيل، العائدات المالية تتم تحت رقابة الوصي، هذا هو النظام السائد في العربية السعودية الذي ارتفعت أصوات الحقوقيين تطالب باستئصاله، لكن ليس كل كفيل طاغيا جبارا، فكما يوجد كفيل يسيء استخدام هذا الريع الذي منحته الحكومة لمواطنيها، يوجد كفيل محترم، والعكس صحيح. صحيح أن مكاتب العمل هي التي يعهد إليها بفض المنازعات بين الكفيل والمكفول، إلا أن هذا الموضوع أصبح في الآونة الأخيرة جزءا من الانشغال اليومي لحياة القنصليات المغربية في ظل حالة الفراغ التي تعرفها التمثيلية الديبلوماسية المغربية، حيث لازالت سفارة المملكة المغربية في شارع عبد الله بن حذافة بدون سفير من ثلاث سنوات. في كل مطارات العالم يكفي التوفر على جواز سفر تتمدد فوق إحدى صفحاته تأشيرة الدولة المقصودة، لتدخل البلد آمنا، لكن حين حطت الطائرة على مدرج مطار الملك عبد العزيز الدولي، تبين لي أن «الفيزا والباسبور» لا يساويان شيئا أمام تأشيرة الكفيل، الذي بدونه لا تكتمل لعبة الخروج والعودة من هذا البلد. توقف طابور المسافرين أمام نقطة مراقبة الجوازات، وشعر الناس بالتعب وهم يتابعون نقاشا لم نفهم مضامينه، وارتفعت أصوات تطالب بفك الاختناق الحاصل أمام شرطي سعودي غادر كشكه وهو يصيح بأعلى صوته: «ياأخينا لا يمكن أن تدخل زوجتك الأراضي السعودية إلا إذا حضر كفيلك»، تبعثرت في بهو المطار وتطايرت وثائق كان الرجل يدلي بها من بينها عقد الزواج، وحين ارتفع مؤشر الغضب طالب رجل بزي الإحرام طرفي النزاع بلعن الشيطان الرجيم وتحكيم العقل، بينما حاول المسكين الاتصال بكفيله لحل الإشكال إلا أن هاتف هذا الأخير كان خارج الخدمة، فجلس في ركن بعيد ينتظر قدره، وحين تقدمت سيدة مغربية تشرف على الخمسينات، كانت تنوي زيارة ابنتها المتزوجة في مكة، إلى النقطة الأمنية طلب منها إحضار زوج ابنتها إن كان سعوديا، فجلست في البهو ذاته وهي ترسل إشارة استغاثة لابنتها. حكايات المغاربة وغير المغاربة مع الكفيل، أشبه بوصاية على قاصرين، فلا تخلو جلسات سمر مع المهاجرين المغاربة في السعودية دون الحديث عن الكفيل، هذا الشخص الذي يتحكم في حركات وسكنات اليد العاملة التي حكمت عليها الظروف بمطاردة كسرة خبز إلى الأراضي المقدسة، متحملة جور الكفيل وجبروته. «المساء» تنقل مشاهد من جدةومكةوالطائف وتروي حكاية مغاربة تحت رحمة نظام الكفالة الأشبه بالريع الاقتصادي. لا شغل بلا كفيل ولا كفيل إلا بأجر يروي مهاجر مغربي إلى السعودية يشتغل في قطاع المطالة، حكاية الكفالة فيقول: «حين استعصى علي في المغرب إيجاد شغل، وتبين لي أن شهادة التأهيل المهني التي نلتها لا يمكن أن توفر لي لقمة عيش في بلدي، قررت أن أشتري عقد عمل بالسعودية ساعدني على اقتنائه اكتتاب عائلي موسع، قدمت لصاحب العقد المغربي الجنسية 10 الآف ريال سعودي ثمنا للعقد، كنت أعتقد وأنا أقرأ بنوده أنني سأجد فور وصولي إلى الطائف الورشة المتفق عليها والشغل والسكن والحوافز، لكن الشخص الذي باع لي العقد أكد لي في آخر لحظة أن العقد، الذي حددت مدته الزمنية في عامين، صوري، إذ علي أن أبحث عن شغل وأن أسدد أقساطا سنوية لكفيلي الذي يحتفظ بجواز سفري، وأن أوقع التزاما على بياض يبقى للكفيل حق التصرف فيه عند الضرورة». قبل عمر على مضض وقال لا بأس من تحمل تبعات هذا النظام مادام يسري على الجميع، فهو أهون من أن تكون البطالة كفيلك الأبدي، وقف في طوابير سفارة السعودية في الرباط متحملا التقلبات المناخية وتقلبات مزاج بعض أفراد الحرس الخاص وموظفي السفارة، وبعد جهد جهيد نال التأشيرة التي تخول له العمل رغم ضعف الراتب، وركب الطائرة وهو يودع والدته التي شرعت في انتقاء زوجة محتملة لابنها العامل في السعودية، لكن ما أن وصل إلى وجهته حتى تبين له أنه «في عهدة كفيل»، لا خروج من البلد إلا بإذنه ولا عودة إلا برضاه، له نصيب سنوي مما يتحصل عليه بالجهد والعرق. بمعنى أن كل مغربي أو أجنبي يدخل السعودية بغرض العمل يصبح تحت وصاية شخص سعودي يكون هو كفيله وراعيه طوال فترة عمله داخل السعودية. «حقوقيون» يطالبون بتعديل نظام الكفيل منذ شهر ماي الماضي بدأت السعودية تستشعر حجم القلق القادم من نظام الكفيل، وأبدت رغبتها في الاستغناء عنه، واستبداله بنظام آخر، بعد أن تعالت أصوات المنظمات الحقوقية الدولية، وحتى السعودية باحتشام، داعية إلى القطع مع هذا القانون المكرس للدونية، لكن تبين في ما بعد أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد استبدال لبعض المفاهيم ك«تغيير مسمي اللائحة الخاصة بنقل الكفالة إلى لائحة نقل الخدمات وكذلك منح الوافدين حرية التنقل وعدم احتجاز الوثائق»، وهي تعديلات يقول حقوقيو السعودية إنها ستعرض على مجلس الوزراء للموافقة النهائية عليها قبل نهاية2012، ومن أهم المكاسب التي يراهن عليها العمال المغاربة والأجانب في السعودية «منع احتجاز جواز سفر العامل وإلغاء موافقة الكفيل على استقدام العامل لأسرته أو طلب التصريح له بالحج أو الزواج أو زيارة أحد أقاربه في منطقة أخرى داخل السعودية، وإلغاء أي مسؤولية شخصية للكفيل عن تصرفات العامل الوافد خارج إطار العمل»، لكن أغلب المهاجرين يعتبرون نظام الوصاية مرادفا للرق والعبودية، مع بعض الاستثناءات التي تحدث عنها أكثر من مغربي، يقول سعيد العامل في قطاع المقاولات إن كفيله «من خيرة الناس» فهو لا يحتجز جواز سفره ولا يقيد حرياته الخاصة ولا يمانع في تسهيل مساطر نظام الهجرة، وأضاف أن العلاقة مع الكفيل تتحول إلى علاقة صداقة إذا فهم كل طرف حقوقه وواجباته». لكن وعلى الرغم من ظهور تباشير إلغاء نظام الكفالة في السعودية، إلا أن وزير العمل السعودي أحمد الحميدان قال في تصريح صحفي لجريدة «الوطن»، إن وزارته بصدد «تعديل جوهري في الكفالة ومنها على سبيل المثال إلغاء حجز الوثائق وجوازات السفر لدى الكفيل وحرية التنقل داخل المملكة دون تقييد من الكفيل السعودي للعامل الوافد إلى أراضيها»، وأضاف: «نحن لا نعترف بشىء اسمه كفالة». دول الخليج تحاول التخلص من نظام الكفالة نجح الحراك العربي في إثارة موضوع الكفالة وحق المهاجر في الحياة الكريمة، وكانت البحرين أول دولة خليجية تبادر بإلغائه، بينما قامت الكويت بتعديله على غرار الإمارات العربية المتحدة، بينما لازالت قطر وعمان تبحثان عن صيغة لأنسنة علاقة المشغل بصاحب الشغل، بعد أن تبين بالملموس ومن خلال تجارب في دول أخرى، أن «إلغاء هذا النظام سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار بين صاحب العمل والعامل بما يخفف المشاحنات والمشكلات العمالية التي كانت تحدث نتيجة سلبيات النظام، خاصة في ظل الانتقادات الدولية التي وجهت له من منظمة العمل الدولية»، على حد ديباجة أكثر من منظمة حقوقية عربية، رغم أن هذه المنظمات لا تتوفر على الاستقلالية الكافية في الخليج العربي، ويتوقع بعض رجال الاقتصاد ومجموعة من الباحثين في مجال الهجرة زيادة الطلب على استقدام اليد العاملة من الدول العربية بالخصوص في حالة إلغاء هذا النظام مادامت الجاليات الأسيوية البنغالية بالخصوص تؤيد هذا النظام. خطة السعودية وشرعنة الكفالة ليس الجميع متحمسا لقرار إلغاء نظام الكفيل، فالسعوديون يعتبرونه جزءا من أمن وسلامة البلاد التي تتهددها مخاطر التطرف الديني، لاسيما وأن عدد العمال الذين يسري عليهم نظام الكفالة يتجاوز 8 ملايين عامل من مختلف ربوع العالم، بل إن مجلس الشورى السعودي وجه انتقادات لمشروع التعديل وأبرز أن صرخة المنظمات الحقوقية لا تساوي شيئا أمام رهان الأمن والأمان، واستند أصحاب هذا الرأي على ظاهرة اليد العاملة السائبة، حيث يوجد الكثير من المهاجرين خاصة القادمين من دول أسيا في وضعية غامضة ومنهم من يشتغل في «النوار»، وانتقد برلماني سعودي يدعى طلال البكري قضية إلغاء نظام الكفيل وقال في مجلس الشورى: »إن أمن الوطن واستقراره أولى من تلبية مطالبات بعض المنظمات الدولية بإلغاء نظام الكفيل، إن المجتمع نفسه هو من ساهم في إيجاد العمالة السائبة من خلال الاستخراج الجائر للتأشيرات»، وقال زميله خالد السيف إن «ظاهرة التستر وعمل اليد العاملة الوافدة لحسابها الخاص، ساهم في القضاء على برامج السعودية والمؤسسات الصغيرة، كما ساهم في زيادة التحويلات المالية بأكثر من 100 مليار ريال سنويا». لكن كثيرا من المغاربة الذين التقتهم «المساء» خاصة المدرسين في جامعات السعودية لهم وجهة نظر مخالفة لرأي بعض البرلمانيين، «أمن الوطن على راسنا وعينينا لكن لا يجب أن يصبح شماعة نعلق بها أعذارنا فأمن الوطن يحل بعدة طرق منها ولاء القائمين في الدولة، وملاحقة المستنفعين والمرتشين الذين يعتبرون مصدر قلق لأمن الوطن، وإيقاف تأشيرات اليد العاملة التي لا يحتاجها هذا الوطن» لو أصبح المغرب عضوا في مجلس التعاون الخليجي يتداول بعض المهاجرين المغاربة بسخرية موضوع انضمام المغرب إلى دول مجلس التعاون الخليجي، يقول محسن وهو حلاق قضى سنوات في قص الشعر، ويقوم بخدمة منزلية حين يستدعيه كفيله لقص شعر أبنائه في البيت، «لن أشتغل حلاقا لو أصبح المغرب عضوا في مجلس التعاون الخليجي سأضع على رأسي عقالا وكوفية وأتحول إلى كفيل أتلقى في بيتي تعويضات عن كل مكفول»، لكن رفيقه سرعان ما أعاده إلى جادة الصواب، «لا تحلم كثيرا فلن تكون الوحيد الذي يتمتع بهذا الامتياز لأنه إذا انخرطنا في النظام الخليجي سنعفي كمغاربة من التأشيرات وسينتقل عدد كبير من المغاربة إلى الخليج ويحصل اكتظاظ بشري وتحصل أزمة حقيقية أعتقد أنه سيكون لكل عامل مهاجر أكثر من كفيل». المغرب لم «يرحل» إلى الخليج، لن يستبدل شبابنا الجينز ولن ترتدي نساؤنا العباية، ولن يفرج عن عاطلينا وعن مكفولينا، رغم ذلك يردد عمر «أنا وكفيلي في الجنة».
طرائف المغاربة مع كافليهم الكفيل في عطلة لا داعي للسرعة حين كان مهاجر مغربي يستعد للسفر إلى المغرب بسبب طارئ صحي لوالدته، فوجئ بوجود كفيله خارج السعودية حيث كان بدوره في فترة علاج بلندن، وهو ما جعل العامل المغربي يعيش حالة توتر قصوى، ولم تنفع تدخلات المصالح القنصلية في حل المشكل لأن جواز السفر يوجد في دولاب بمنزل الكفيل المتواجد في عاصمة الضباب، وهو ما جعل الضباب يجثم على تفكير الشاب المغربي الذي أرغد وأزبد أمام بيت كفيله دون أن يتمكن من استخلاص جواز سفر مصادر، وحين علم الكفيل باعتصام مكفوله المغربي أمام بيته توعده بأوخم العواقب وحمله مضاعفات مرضه، كما هدد بالتبليغ عنه لدى الدوائر الأمنية فور العودة إلى السعودية، ولولا تدخل أصحاب النوايا الحسنة لكان المهاجر المغربي في عداد حاملي خاتم "خروج نهائي". ملاكم يضرب كفيلا ب«الكاو» يروي مغربي حكاية نزاع مع كفيله فيقول: «تلقيت وأنا في المغرب أقضي إجازتي السنوية مكالمة هاتفية من سعودي هو كفيلي في جدة، فوجئت باتصاله من رقم جوال مغربي، وتبين لي أنه متواجد في مدينة طنجة، ألح علي كي ألتحق به وتحملت عناء السفر إلى شمال المملكة، والتحقت به في إحدى الشقق التي استأجرها صحبة مواطنه السعودي، لكنني اكتشفت بعد لحظات دخول فتاتين مغربيتين في عمر الزهور إلى الشقة، شعرت بالإهانة وتساءلت عن سر استدعائي لمثل هذه المواقف، فلم يجد جوابا وكان في حالة سكر، فقمت على الفور بتعنيف الفتاتين وطردهما من الشقة، وحين حاول كفيلي التصدي لي سددت له لكمة أردته طريحا وغادرت المكان أمام استغراب رفيقه الذي كان في أقصى حالات الثمالة». ولأن هذا المكفول وهو بطل سابق في الملاكمة، قد وعد بعدم العودة إلى السعودية، وكشف حقائق الواقعة، فقد تلقى مكالمة هاتفية من كفيله تحمل عذرا بأكثر من صيغة. كفيل يعتقل زوجة مغربي حل مهاجر مغربي بمطار جدة بعد انتهاء إجازته السنوية، وهو يتأبط ذراع زوجته التي ارتبط بها شرعا وقرر العيش معها في هذا البلد، لكن سلطات المطار رفضت دخول الزوجة، التي وطأت قدماها السعودية لأول مرة، وربطت قرار الإفراج عنها بضمان من كفيل زوجها، ولأن الهاتف المحمول للكفيل كان خارج الخدمة، فإن الاحتجاز طال أمده، وارتفع مؤشر الغضب وتحولت الرغبة في قضاء شهر العسل في جدة إلى نكبة حقيقية، بل إن المهاجر المغربي طالب سلطات المطار بترحيله هو وزوجته إلى المغرب مادام نظام الكفيل هو القادر على منحه الحق في الحياة، وقال «إننا نؤدي أقساطا سنوية للكفيل كي يسهل مأموريتنا لا أن يعقدها، حنا شارين راسنا بفلوسنا».
مقتطفات من نظام الكفيل المادة الثامنة والثلاثون لا يجوز لصاحب العمل توظيف العامل في مهنة غير المهنة المدونة في رخصة عمله، ويحظر على العامل الاشتغال في غير مهنته قبل اتخاذ الإجراءات النظامية لتغيير المهنة. المادة التاسعة والثلاثون لا يجوز - بغير اتباع القواعد والإجراءات النظامية المقررة - أن يترك صاحب العمل عامله يعمل لدى غيره، ولا يجوز للعامل أن يعمل لدى صاحب عمل آخر، كما لا يجوز لصاحب العمل توظيف عامل غيره. ولا يجوز لصاحب العمل أن يترك عامله يعمل لحسابه الخاص، كما لا يجوز للعامل أن يعمل لحسابه الخاص المادة مئتان وثلاثة وثلاثون يعاقب كل من يخالف حكم المادة التاسعة والثلاثين من هذا النظام بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف ريال ولا تزيد على عشرين ألف ريال، وتتعدد الغرامة بتعدد الأشخاص الذين وقعت المخالفة بشأنهم، ويتم ترحيل العامل على حساب من وجد يعمل لديه.