التزكية،مصطلح صوفي مظلوم: يكاد كل المحللين السياسيين يُجمعون على اختلال العمل السياسي على مستوى الأحزاب المغربية؛ولعل الانتخابات – وليس وحدها فقط – هي أنجع "سكانير" يؤكد وجود هذه الظاهرة المرضية،ويكشف للمواطنين ،وللخارج أيضا عن الكثير من تفاصيلها. ومن المفارقات أن تنحوا أحزابنا صوب التوحش السياسي ،في نفس الوقت الذي تُكثر فيه من الإشادة بالدستور؛ونحن نعرف جميعا كيف فصل للأحزاب أدوارها في تأطير المواطنين ،وفي التداول الديموقراطي للسلطة،وتثبيت وتقوية المؤسسات؛ وكيف رسم المعارضة ،جهة تمارس "الحُكم" خارج الحكم. حتى "المفهوم الجديد للسلطة" الذي نادت به الملكية الثالثة – بعد الاستقلال – لم يستنبت شيئا في الحقل الحزبي ؛في الوقت الذي انتظرنا فيه جميعا أن ترفع الأحزاب – بدورها- وعلى أسِنة التوجيه والتأطير المواطني،شعارا من قبيل : المفهوم الجديد للسياسة. لعل التزكية ،وهي مستعارة من المعجم الصوفي،وبدلالة جوانية لطيفة وعميقة؛مستمدة من القرآن الكريم ،حينما يتعاوره الذوق العرفاني ،من أكثر المصطلحات المظلومة ،في معجم سياسي حزبي ،أفسد معانيه حقل اشتغاله؛كما يلوح مغربيا. التزكية مظلومة ،شكلا، لأنها لاتوجد في قلب العمل السياسي ،بل في جيب الأمين العام للحزب ،وفي مطبخه الداخلي. وهي مهربة من المحيط ،حيث يفترض أن تَضرب فيها كل فروع الحزب بأسهم، حتى تستوي بنت جهتها ،إلى المركز ؛غادة حسناء تسر الناظرين ،وتغري أهل التشوف إلى الصدارة ولو بدون جدارة. بدل انتظار نتائج التباري السياسي الشريف،في الفروع والتنسيقيات الحزبية،لتوليد التزكية الديمقراطية توليدا ،يُصر أغلب أمناء الأحزاب على ضرب أكباد الإبل الى مضارب الوبر والحضر ،في الجهات والأقاليم ؛حتى لا يفوتهم من نظم قصيدة الغزل شيء. هذا من حيث الشكل ،أما من حيث المعنى،فيتم إنزال التزكية ،من عليائها الصوفية ،التي يدرُج إليها السالكُ والعارف بقدمين متورمتين من المُجاهدة ،وقلب مُنفطر شوقا وتذللا للحق سبحانه ؛ إلى الدرك الأسفل من الإسفاف السياسي: حيث تتحول تزكية الأمين العام ،وليس الحزب، إلى غانية تجر الذيول،وتلتحق بفراش آخر من التحق بالحزب. يجب أن نفهم هنا أنه آخر من التحق بسياسة الحزب،وببرامجه وخططه؛وآخرُ من التحق بأدائه التأطيري ،كما ينص عليه الدستور: أي "زيرو" في كل شيء ؛كما يحلو للمعجم السياسي الفيسبوكي البديل ؛الذي أصبح اليوم يُخفف من وطء الرداءة السياسية الحزبية. ومما يستحق دخول معجم "غينيتس" أن تتأبط احدى التزكيات قلب وزير عاشق ، لتنتقل به من الأغلبية الحكومية إلى المعارضة ؛مما عُد ،رسميا،نازلة في الفقه السياسي ،تستدعي تدخل المؤسسة الملكية. ومما يستحق،أيضا، دخول هذا المعجم أن تجعل بعض العائلات ،من هذه التزكيات مجرد نعال تنتعلها ،وتمضي قدما ،جذلى،صوب البرلمان ،حيث يجتمع شمل الأسرة وتستصدر حالة مدنية برلمانية ذات حصانة. وفي كل هذا إحباط،وغيره، كبير للشباب ،بل خوزقة فاحشة لأجيال يفترض فيها استلام المشعل ،بعد تخرج من المدارس الحزبية الحقيقية،لتأطير دولة المؤسسات و الحداثة، غدا ؛وهي الدولة التي نحاولها اليوم ،ونتوسم خيرا في خلفنا الصالح؛بعد أن أثقلنا على "سلفنا الصالح". دولة ليس لها إلا أن تكون ،وإلا ضاعت حتى لغة التواصل بينها وبين محيطها الدولي،لتعود القهقرى إلى بلبلة بابل،ومفازات العُجمة. إلى أين يمضي الطريق السيار؟ لم أركز إلا على التزكية التي حولتها أغلب الأحزاب إلى محطات أداء ،تفضي إلى البرلمان ؛في انتظار انتخابات أخرى وصيد آخر.. لاتهم السرعة التي جاد بها المحرك ،في طريق خالية من الدرك السياسي. ولا يهم حتى النزول بمظلة ،فوق رأس الجابي الطرقي. لا أحد ينتخب السياسة في الحزب ،عدا شرب الأنخاب ،إن عُد سياسة. أبعد هذا ،وأسكت عن غيره، نكون فعلا صادقين ،متفائلين،فرحين؛ونحن ننتظر نتائج السابع من اكتوبر2016؟ انتظار المعنى وليس بياض الكراسي وعمائمها. ثم انتظار أن يعين جلالة الملك رئيس الحكومة من الحزب الفائز. ثم انتظار أن تبدأ المشاورات ،مع الأمناء المغيرين على معجم العرفان والأخلاق،لتشكيل الحكومة . يكفي استقراء آراء الحزب الفيسبوكي ،الذي تعاور التزكيات من كل جانب ،وضمها إلى تعليقات القراء على المقالات الرقمية ،ليتأكد أن الأغلبية لا تنتظر جديدا يوم الحسم ؛لا تنتظر موضوعا إلا من جنس مقدماته؛ومن أكثرها وقعا بؤس العمل السياسي الحزبي. ومن هنا فحكومة الصناديق لن تعني – غالبا -أكثر من معناها هذا. ومن هنا مشروعية البحث عن الحكومة المستحقة للمغاربة: بعد صخب ملأ الدنيا وشغل الناس ؛لكنه أفرغ كل شيء من معناه ومن رونقه. بعد توحش اصطلاحي سياسي شعبوي ؛انزرع في تربتنا ولوث اسماعنا وضواحينا ؛وكأنه "الميكة الكحلة" التي لم نعرف كيف نفنيها. بعد أن تحرك التناقض في المواقف ،وكأنه قطيع فيلة ،استثير في الأدغال. بعد ضرب مبرح ،في الشوارع،لشبابنا العاطل ،لم يوقر حتى الحرائر القوارير،وذوي الإعاقات. بعد حكومة موجودة لتقول بأنها غير موجودة؛وألا علاقة لها بدولة لا تسيرها ،أولا تفهم في تسييرها. بعد احتقار المواطنين المستضعفين ، بالتضييق عليهم في قوتهم وكهربائهم وبنزينهم واعتبارهم مجرد مأمومين في صلاة يبارك الرب إمامها فقط. بعد افتقاد الحكومة ،مدرسة للرشد والهدوء والكلام النبيل ،ذي الأعالي والأسافل. بعد العاديات ضبحا ،المغيرات صبحا وليلا ،على الثقافة والمثقفين ،واعتبار التكريم مستحقا لبغاث الطير وليس للنسور. أبعد هذا,وغيره كثير، لا يستحق المواطنون غير حكومة الصناديق،حيث المسامير الصدئة التي اكسدتها رطوبة العاصمة؟ أبعد هذا لا نستحق حكومة كفاءات حقيقية ،حكومة بدم وجه، وحياء كحياء العذراء؛لكن بسواعد مشمرة ،وجيوب مخيطة؟ أبعد هذا الانحراف السياسي كله ،نثق في اختيار من زكى ،ومن صوت.؟ إن كانت حكومة مستحقة ،فلا يُعجِز الدولة أن تجد لها مظلات حزبية وتزكيات. أحلال على الأحزاب،أن تزكي من تشاء،وحرام على الدولة أن تستوزر الكفء،حيثما وجد؟ "مالكم كيف تحكمون" ؟ SIDIZEKRI .BLOGVIE.COM