ونحن على مقربة من الانتخابات التشريعية المتعلقة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، والتي سيتم إجراؤها يوم 7 أكتوبر من سنة 2016، تثار العديد من التساؤلات المتعلقة بالمشاركة السياسية ومدى أهميته بالنسبة إلى الوطن وبالنسبة إلى المواطنات والمواطنين. فالانتخابات ليست ترفا أو مجرد ممارسة بدون جدوى، وإنما هي لبنة أساسية لبناء دولة القانون وتكريس المسار الديمقراطي وحماية الحقوق والحريات. ولهذا، يثار التساؤل التالي: ما هي الدوافع الأساسية للمشاركة الانتخابية؟ وما هي الخلفيات التي ينبغي أن تتحكم في عملية الاختيار؟. للإجابة عن هذه الأسئلة، نؤكد أن العملية الانتخابية ترتبط بما يلي: بالديمقراطية، حيث إن الديمقراطية تقوم على أساس نظرية السيادة الشعبية التي تجعل من الشعب هو مالك السيادة ويتولى ممارستها عن طريق انتخاب ممثليه في المؤسسات المنتخبة والذين يتولون تدبير الشأن العام لمدة محددة نيابة عن الشعب وباسم الشعب وتحت رقابة الشعب. ولهذا، فالانتخاب هو الطريقة المثلى لإسناد ممارسة السلطة من قبل الشعب إلى ممثليه. وفي هذا الخصوص، ينص المشرع الدستوري المغربي في الفصل الثاني من دستور 2011 على أن" السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها. تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالاقتراع الحر والنزيه والمنتظم". كما تنص الفقرتان الأولى والثانية من الفصل ال11 من دستور 2011 على أن " الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي. السلطات العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم...". بالحقوق والحريات الأساسية، حيث إن الحق في المشاركة السياسية يندرج ضمن حقوق الإنسان السياسية والتي نصت عليها الكثير من العهود والمواثيق الدولية. وبالنظر إلى كون الحق في الانتخاب هو أحد أهم حقوق الإنسان، ويشكل مدخلا لممارسة العديد من الحقوق والحريات الأخرى؛ فقد تم اعتباره جوهر ومحور الحقوق السياسية، وتم النص عليه في كل الإعلانات والعهود الدولية سواء منها العامة أو الخاصة والمرتبطة بمجال الحقوق السياسية. فقد ورد النص عليه في المادة ال21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك تضمّن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية النص على الحق في الانتخاب في إطار المادة ال25 منه، وكذلك في المادة ال7 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وكذلك اتفاقية الأممالمتحدة بشأن الحقوق السياسية للمرأة، وإعلان القضاء على التمييز ضد المرأة. وجدير بالذكر أن الحقوق والحريات ينبغي أن لا تبقى مجرد حبر على ورق، بقدر ما ينبغي أن تتحول إلى ثقافة وممارسة عادية وطبيعية في حياتنا. ولهذا، ففي الحرص على المشاركة السياسية حرص على ممارسة حق أساسي يعد ركيزة أساسية لممارسة العديد من الحقوق الأخرى. وفي السياق نفسه، ينص الدستور المغربي في الفصل ال30 على أن " لكل مواطنة ومواطن، الحق في التصويت، وفي الترشح للانتخابات، شرط بلوغ سن الرشد القانونية، والتمتع بالحقوق المدنية والسياسية. وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية...". بالمواطنة، حيث إن المواطنة باعتبارها رابطة قانونية بين الدولة ومواطنيها تقضي بأن يتمتع المواطنات والمواطنون بمجموعة من الحقوق، وبأن يتحملوا مجموعة من الالتزامات ويقوموا بمجموعة من الواجبات. ومن بين أهم واجبات المواطنة كما هي متعارف عليها في الديمقراطيات العريقة وفي التجارب والممارسات الفضلى واجب المشاركة السياسية، والذي يتمكن من خلاله المواطنات والمواطنون من محاسبة من يتولى تدبير الشأن، ويقومون باختيار الأحزاب السياسية والبرامج الانتخابية التي يرون أنها تستجيب لتطلعاتهم ويمكن أن تشكل أساسا لوضع سياسات عمومية قادرة على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للوطن... وفي هذا الخصوص، تنص الفقرة الثانية من الفصل ال30 من دستور 2011 على أن " التصويت حق شخصي وواجب وطني". بتقرير المصير، فالانتخابات في الدول الديمقراطية هي أرقى شكل من أشكال تقرير المصير الذي تنص عليه مختلف العهود والمواثيق الدولية. وهذا يعني أن العامل الأساسي في اختيار المنتخبين وتفويض ممارسة السلطة هو الإرادة الشعبية ومصلحة الوطن والمواطنين وليس أي عامل آخر خارجي. وفي هذا الأمر تأكيد على أن السيادة للشعب وعلى استقلال الإرادة الشعبية. ومن خلال مختلف هذه الدوافع، يتبين بشكل جلي أن العزوف عن المشاركة لا يمكن أن يصحح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، ولا يحسن مستوى المعيشة، ولا يكرس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة... ولهذه الاعتبارات، يبقى الخيار الأسلم والصائب هو اختيار المشاركة الواعية؛ وذلك بالمساهمة في اختيار الأفضل من حيث البدائل والمشاريع والبرامج المجتمعية التي يقدمها المتنافسون في العملية الانتخابية بعيدا كل البعد عن منطق أن المشاركة لا تغير في الأمر الواقع شيئا. إن اللحظة الانتخابية هي لحظة تاريخية في تاريخ الشعوب والأمم. ولهذا، من الضروري أن يكون فيها الخيار والاختيار إستراتيجيا وعقلانيا بهدف تعزيز مسار البناء الديمقراطي. وينبغي أن نعلم بأن إقرار الحق في الانتخاب كحق من حقوق الإنسان لم يكن سهل المنال، وإنما عرف مجموعة من الصعاب ومر بمجموعة من المحطات وقدمت في سبيل إقراره العديد من التضحيات التي كانت مرفوقة بنضالات حقوقية... والعديد من الدول الشمولية ما زالت تمنع مواطنيها، إلى حدود اليوم، من المشاركة السياسية. ولهذا، يجب أن ننخرط إيجابيا في مسيرة البناء الديمقراطي وأن نمارس قناعاتنا بكل حرية عن طريق المشاركة والمحاسبة الواعية والمسؤولة. وختاما، أقول إن التصويت لا يكلف أي شيء، وهو أساسي للمساهمة في عملية التغيير والبناء الديمقراطي الذي من شأنه أن يكون في صالح الوطن والمواطنات والمواطنين. * أستاذ باحث بكلية الحقوق في جامعة سيدي محمد بن عبد الله – فاس