تعد الانتخابات البرلمانية المقبلة أول محطة يتقدم فيها عدد معتبر من المرشحين بخلفيات وإيديولوجيات تمتح من التيار السلفي؛ لعل أبرزهم عبد الوهاب محمد رفيقي "أبو حفص"، الذي ترشح في فاس، وعبد الكريم الشاذلي، الذي ترشح في البيضاء، وهشام التمسماني بطنجة، وحماد القباج بمراكش، قبل أن يُمنع من الترشح. وسجل مراقبون كيف "قبلت" وزارة الداخلية ترشح أسماء كانت تُنسب إلى تيار ما يسمى "السلفية الجهادية"، من قبيل الشاذلي وأبو حفص والتمسماني، وغيرهم ممن كانوا محكومين بمدد سجنية على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، لكنها في المقابل رفضت ملف القباج، الذي ينتسب نظريا إلى ما يسمى السلفية التقليدية بالبلاد. ويعزو البعض قبول ملفات تشريح الشاذلي باسم حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، التي يرأسها عبد الصمد عرشان، وعبد الوهاب رفيقي بألوان حزب الاستقلال بمدينة فاس، وهشام التمسماني بألوان الحزب ذاته في طنجة، إلى "المراجعات الفكرية" التي قدموها قبل ولوجهم عالم الأحزاب والسياسة. وفي المقابل، يسوغ البعض الآخر رفض السلطات الوصية ملف تشريح الشيخ القباج بدائرة جليز بمراكش، عكس سلفيين سابقين في تيار "السلفية الجهادية"، بعدة اعتبارات رئيسية، منها أنه ترشح باسم حزب العدالة والتنمية، وهو ما يأتي خلاف ما تريده الدولة، أي الفصل بين السلفيين و"الإخوان". رسالة إلى "البيجيدي" ويرى في هذا الصدد عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات لهسبريس، أن رفض وزارة الداخلية ترشيح القباج بمراكش يتضمن رسالة سياسية وجهتها الدولة إلى حزب العدالة والتنمية، الراغب في إدماج أحد رموز ما يسمى السلفية التقليدية في العمل السياسي والبرلماني. وأردف العلام بأن الرسالة التي وصلت من دواليب الدولة إلى "حزب المصباح"، من خلال رفض ملف ترشيح القباج في دائرة جليز في قلب "العاصمة الحمراء"، تتمثل في أن "مسألة إدماج السلفيين في الحياة السياسية ليست من اختصاص البيجيدي، بل هي علمية تقوم بها الدولة". وذهب الباحث السياسي ذاته إلى أن "الدولة لم ترد أن تترك هذا المجال لحزب العدالة والتنمية، حتى لا يُحسب له أنه هو الذي أدخل أول سلفي إلى البرلمان، أو أنه عراب السلفيين في المغرب"، مؤكدا أن "هذا الأمر يخدمها في التفاوض الدولي، وفي تسويق صورتها لدى المحيط الإقليمي والدولي". وسجل العلام أن "القباج أو غيره لو ترشحوا بألوان حزب غير العدالة والتنمية فلن يشكل ذلك أي مشكل للسلطة، لأن تلك الأحزاب محسوبة عليها، صنعتها تحت رقابتها، وهي التي تملي عليها أفعالها، وأي استقطاب لسلفيين من طرفها سينظر إليه أنه بضوء أخضر من السلطة، وهذا حال "النهضة والفضيلة" وحزب عرشان"، على حد تعبيره. إدماج أمني وسياسي من جهته، أكد الناشط والقيادي في تيار "الخط الرسالي"، عصام الحسني، في تصريحات لهسبريس، أن "مشاركة سلفيين في الحياة السياسية حق دستوري، باعتبارهم مواطنين مغاربة، وماداموا انخرطوا في العملية السياسية على قاعدة غير دينية، بمقتضى التمييز القانوني بين الحقل الديني والحقل السياسي". وسجل الحسني عددا من الملاحظات حول لجوء "سلفيين" إلى المشاركة السياسية، أولها أن "هؤلاء الأشخاص كانوا محسوبين على السلفية الجهادية، وليس على السلفية التقليدية"، موضحا أن "السلفية التقليدية بعيدة عن منطق المشاركة السياسية، وتنظر لها الأحزاب السياسية كأصوات انتخابية في أحسن الأحوال". وثاني ملاحظات الحسني أن "هناك تباينا واضحا في توجهات السلفيين المشاركين في العملية السياسية، إذ إن فيهم من ألقت به الأقدار في ما يسمى التيار السلفي، وفيهم من كان أصلا من مدرسة إخوانية أكثر مما هو سلفي"، حسب تعبيره.. أما الملاحظة الثالثة، وفق المتحدث ذاته، فتكمن في أن "السلفية المغربية طوائف متعددة ومتشعبة". وأما رابع الملاحظات، يردف المتحدث ذاته، فتتجلى في أن "الدولة حرصت على إدماج السلفية الجهادية في العملية السياسية لأغراض أمنية، وأيضا لمآرب سياسية، وتسعى كي يتموقع السلفيون في غير حزب العدالة والتنمية، في ما يشبه حالة حزب النور المصري في مواجهة الإخوان المسلمين". وزاد عضو "الخط الرسالي" أن "عرقلة ترشيح شيخ سلفي للانتخابات البرلمانية المقبلة، متقدما باسم حزب العدالة والتنمية، وتسهيل تشريح سلفيين آخرين باسم أحزاب أخرى، يؤشر على عزم الدولة "فرز تيار السلفيين عن تيار "الإخوان" بالمغرب"، على حد تعبيره.