القصر الرئاسي التاسعة صباحا دخل المستشار وأيقظ الرئيس من نومه كما يوقظ الجنود خلال الحرب. ماذا هناك؟؟ !! مظاهرات حاشدة؟؟ لا يا سيدي، الأمر أخطر. أخفتني ماذا هناك؟؟ الشعب نسي اسمي؟؟ يا ليته كان. انقلاب عسكري وهجوم على القصر؟ أكثر...أكثر. سقوط النظامين اليمني والسوري؟ أكثر بكثير. استقالة القذافي؟؟ لا لا، أكثر أكثر أكثر. إذن تكلم؟؟ قل لي قبل أن أصرخ!! شخص مهم يريد رؤيتك؟ هاها...مهم؟ كيف تدخل علي في هذا الوقت بدون استئذان؟ وكيف ترتب لي موعدا مع شخص دون أخذ موافقة مني !! إنه شخص لا يحتمل الانتظار، ولا يعترف بالبروتوكول. شخص لا يضرب المواعيد، لكنه لا يخلف الميعاد أبدا سيدي. إنه الموت. "ماوت"؟؟ أنا لا أعرف شخصا بهذا الإسم. مبعوث خارجية؟ ربما سفير جديد أليس كذلك؟؟ "ماوت".. آها.. يبدو الإسم إنجليزيا. عذرا يا فخامة الرئيس، قلت "موت" و ليس "ماوت". هَمَّ المستشار بالمغادرة ودخل كائنٌ بلا رائحة ولا لون. من أنت؟ وماذا تريد؟؟ أنا أكبر عدالة بين الناس. تفضل. ماذا تحب أن تشرب؟ سنشرب في مكان آخر، هيا لا وقت لدينا. إلى أين؟ يجب أن تغادر. لكن إلى أين؟ أنا لم أكن أنتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة.. لهذا يجب أن نغادر وبسرعة. تعال. لحظة فقط، هذا لا يجوز. ستنام في ضيافتي، سنتكلم، سنأكل وسنلعب الشطرنج. سيعجبك المكان. انهض يا فلان. حسنا، الأمر لا يستدعي أن تجرني هكذا بشكل مهين أمام الخدم والحشم، وأنا بسروال داخلي. سأتبعك بعد أن ألبس شيئا يا فخامة الموت. لن تحتاج إلى ربطة عنق. صحيح. دعني فقط أعيش ليومين إَضافيين لاتخاذ قرارات ظللت أفكر فيها لعقدين. إنها مسألة إجراء بضعة تعديلات في الدستور، وإقالة بعض الرؤوس الفاسدة. مستحيل. حسناً، لا تغضب. سأتبعك كما اتفقنا والآن. دعني فقط أقفل النوافذ. ولماذا تحب أن تقفل الأبواب والنوافذ؟ بصراحة.. لن تغضب مني؟ أنا لا أغضب أبدا. تعرف المثل القائل: "إذا دخل الفقر من الباب، يهرب الحب من النافذة"، وأنت تعرف كم أعشقها.. آه حبيبتي. النافذة؟ ههههه لا تمزح، أنت تعرف من تكون. وإذا دخل الموت من الباب؟ يفر الرئيس من النافذة !! قفز الرئيس من النافذة. أقفل عينيه في السماء و أخذ ينتظر صدمة الارتطام. المكان عال جدا. سقط الرئيس من على السرير و تألمت مؤخرته المحترمة. آه، آه. حلم، حلم، حلم !! لقد كان حلما. كان كابوسا، الحمد لله. كنت متأكدا أن هناك خطأ ما. ههههههه. يا إلهي، كانت قفزة مذهلة.. قفزة حقيقية، أكبر من كل القفزات الاقتصادية والاجتماعية التي ابتدعتها. مستشار.. مستشار !! أين أنت يا حمار !!! نعم سيدي . ماذا جرى؟ إنها التاسعة صباحا، مالذي أيقظك باكرا؟؟ قل لي كيف هي أحوال البلاد؟ على أحسن وجه. الشعب يهتف باسمكم صباح مساء وكل القطاعات الحيوية في تقدم. الإقتصاد لا ينفك يزدهر، ونخشى أن يتسبب الأمر في مشكلة: نخشى أن يشبع الشعب فيبدأ في التفكير. إسمعني جيداً يا أحمق. كدت أموت. أريد أحوال الشعب كما هي بدون تجميل. لا أريد أن أرى هذا التلفاز المنافق أمامي منذ اليوم. كيف هي أوضع شعبي العزيز؟ ككل امرأة تستيقظ صباحا بدون مساحيق تجميل: شعر منفوش و أعين منتفخة و إحساس بالدوار. أين يسكن؟ ولى زمن التشرد والسكن العشوائي إلى غير رجعة، الكل يسكن .. في سرواله. الحمد لله. وحال الشباب؟ يمسكون بأيدي عجائز أوروبيات. شياطين!! الذكاء صفة نادرة، فكلمة جنسية تبتدئ بالجيم و النون و السين. وصلتك رسالة من أحدهم. ماذا يقول؟ » سيدي الرئيس، أحييكم تحية العنبر والزعتر. سأتحدث اليوم بالجهر، فاسمحوا لي أن أفعل ذلك من هذا المنبر. سيدي الرئيس، إنه لمن دواعي سروري، أن أكاتبكم بدون سروال. فأنا أناشدكم من المرحاض. لذا لا يسعني إلا أن أحييكم على صبركم، وعلى حاسة شمكم الضعيفة. أنا في حاجة ماسة إلى الأمل. يومي على قد الحال، وأحلامي قصور من رمال. أريد أن أكون فنانا، أرسم بابا وأرسم ماما بالألوان، هذا كل ما علموه لنا زمانا. مقررات جعلت منا جهالا !!. سيدي الرئيس، المرجو السماح لأني تجرأت على مخاطبتكم. وأرجو المعذرة لأني أكتب بقلم الرصاص، لأني أخشى الرصاص، هكذا بإمكان سيادتكم المحترمة أن تمسحوا من رسالتي هذه كل كلمة لا تروقكم. بل بإمكانكم أن تمسحوا بها مؤخرتكم المحترمة التي أتمنى لها الصحة والعافية. عفوا سيدي الرئيس على قلة أدبي، فمعلمي لم يكن مؤدبا، وأبي وأمي لم يدرسا أبدا، فتقبلوا الأمر هكذا. « في ذلك الصباح "الباكر"، وعلى غير عادته، استيقظ الرئيس مثقلا بهموم شعبه، عازما كل العزم على تدارك ما فاته. جمع أفراد حاشيته متوسلا إليهم كي يعتصروا كل أفكارهم لإيجاد أسرع حل لتحقيق الرقي الاجتماعي و الازدهار الاقتصادي و النهضة الفكرية. رن هاتف الرئيس، وكانت زوجته في الجهة الأخرى على الخط: عزيزي، هذه هي المرة الأولى التي تتركني فيها وحيدة على السرير منذ أن توليت مقاليد الحكم، أشعر بالوحدة والخوف وأحس أن لصا قد تسلل إلى البيت. الرئيس قرر بلا رجعة التخلي عن أيام الكسل و العاطفة. أقفل الخط بعدما شرح للزوجة أن ما تتحدث عنه مجرد تخيلات، ولكي يطمئنها ألا وجود للصوص في البيت، أكد لها أن كل الوزراء و المستشارين حاضرين معه في الاجتماع. استرسل النقاش، فقال كبير المستشارين: فخامة الرئيس, كما تعلمون، المال يصنع المعجزات، وعمرو موسى قال بنفسه في لقاء مع الشباب العربي: لو كنت مكانكم لسعيت للهجرة بأي ثمن. أقترح يا سيدي أن نلحق السفارات بالمتاجر، ونوزع تأشيرات الهجرة كما توزع أرغفة الخبز. ومن سيهتف بإسمي؟ سيشتاقون للوطن و سيعودون للاستثمار في البلاد، في انتظار ذلك سنغادر أيضا، بل سنكون أول المغادرين. جيد، لكن هناك شيء آخر أريد أن... أعرف أعرف، لا تكملوا يا فخامة الرئيس؛ سنغلق بإحكام نوافذ الوطن وقنينة الغاز، ونطلب من آخر من سيغادر أن يطفئ الأنوار . لا أستطيع أن أترك هذه الأرض. أخاف أن أعود فأجد الوطن محتلا. فليكن. هذه أيضاً فكرة ذكية، ما رأيك؟ نسعى إلى أن تستعمرنا دولة كبرى كالولايات المتحدةالأمريكية، فتقيم لنا الطرق والمعامل والمستشفيات والمدارس، وبعدها نطردها. هاهاها. أنت ماكر شقي، ولهذا اختارتك زوجتي.. لكن المشكلة هي كيف نجعلهم يأتون لاستعمارنا؟ سهلة، لدينا طائرتين حربيتين يتيمتين.. نرسلهما في غارة على الأمريكان، فيغضبون ويأتون لاستعمارنا. لا لا.. ما هذا الغباء المطلق!!؟؟؛ ماذا لو تمكنت طائرتانا من هزمهم؟؟ www.srakzite.c.la