يعكف علماء ومسؤولون في مؤسسات رسمية ودبلوماسية، التأموا أمس الاثنين بالرباط ويستمرون على مدار يومين، على إعداد خطة استراتيجية لمواجهة وتفكيك خطاب الحركات الإرهابية المبني على التطرف العنيف، بهدف إعداد قادة دينيين شباب، أطلق عليهم "العلماء الوسطاء" و"المثقفون النظراء". اللقاء الدولي، الذي أطلق عليه "المنتدى الأول للعلماء الوسطاء حول الوقاية من التطرف العنيف"، ونظمه مركز الأبحاث والدراسات في القيم التابع للرابطة المحمدية للعلماء تحت شعار: "العالم الوسيط آلية فعالة في الوقاية من التطرف العنيف"، ركز في منطلقاته على فكرة كون استراتيجية مكافحة الإرهاب "لا تقوم فقط على المرتكز الأمني الناجح في المغرب، وإنما على تفعيل قدرات أخرى لتطويق هذه الظاهرة وإقناع الناس". محمد بلكبير، رئيس مركز الأبحاث والدراسات في القيم، قال، في مداخلة له، إن التطرف العنيف، وما يتولد عنه من مخاطر تتنامى باستمرار، لم يعد ذا بعد أمني فقط، "ولكن الوقاية منه تتطلب تدخلات عدة، وتتطلب مقاربات مختلفة ولكن متكاملة"، مشيرا إلى أن الجانب الروحي الذي عبر عنه العاهل المغربي في خطابه الأخير "أبان عن المقاربات الدينية التي توكل إلى علماء الدين وإلى القانونيين وإلى كل من له القدرة على أن يقي بلدنا ويقي من خلال بلدنا الأمين العالم من أتون هذه الآفة الخطيرة". أما محمد صالح التامك، المندوب السامي للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فشدد على أن موضوع الإرهاب والتطرف، ومنذ أحداث 11 شتنبر 2001، لا يزال يشغل بال المنتظم الوطني والدولي، "بل وأصبح يكتسي أولوية في السياسات العمومية داخل وخارج المغرب"، مشيرا إلى أن هناك دراسات وأبحاثا كثيرة تناولت هذه الظاهرة من أجل فهم جيد لها ووضع الآليات والوسائل الكفيلة بالتغلب عليها. المسؤول المغربي أورد أن مسألة الإرهاب والتطرف تعد، إلى حدود الآن، من أكبر المسائل تعقيدا؛ فالمغرب، من وجهة نظر التامك، يعتبر نموذجا يحتذى به "بفضل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة وبفضل المجهودات التي يبذلها جلالته بصفته أميرا للمؤمنين في نشر القيم الحقيقية السمحة للدين الإسلامي، وبفضل كذلك رؤيته المتبصرة وقراراته السديدة التي مكنت من وضع مخطط استراتيجي متكامل وفعال من أجل محاربة التطرف العنيف وتجنيب البلاد والعباد آثار وويلات هذه الآفة الخطيرة". من جهته، ركز محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، على خطاب الكراهية والتمييز ونبذ الآخر، التي قال إنها تبقى مصدرا للصراعات والأزمات والحروب المدمرة، مشيرا إلى أن ذلك يتقوى "في زمن العولمة والانتشار الواسع لوسائل الاتصال، وارتفاع وتيرة حركية البشر عبر العالم، وانتقال الجماعات البشرية من حالة التجانس الثقافي الذي كان يطبعها في الماضي إلى وضعية التعدد الثقافي والديني وتنوع أنماط العيش وأساليب التفكير". في حين، أوضح عبد الرزاق روان، الكاتب العام للمندوبية الوزارية لحقوق الإنسان، أن أصل حقوق الإنسان يبقى القرآن الكريم؛ حيث "ساهمت هذه الأمة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته هيئة الأممالمتحدة سنة 1948"، وفق تعبيره، مشيرا إلى أن الحق في الحياة من أبرز الأمور التي يستهدفها التطرف والإرهاب الفكري. وبحسب الأرضية التأسيسية لمنتدى الرباط الأول للعلماء الوسطاء حول الوقاية من التطرف العنيف، فإن المشاركين في الندوة من علماء وخبراء مغاربة ودوليين يرمون إلى تقييم شامل لخطاب التطرف العنيف المقروء والمرئي وتجميع حصيلة من المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى بلورة خطاب إيجابي يعتبر بديلا أساسيا، "قصد مكافحة خطاب التطرف العنيف المؤدي إلى التحريض على جرائم الإبادة الجماعية". إشراك الشباب والعلماء الوسطاء في الحد من مخاطر التطرف العنيف، يبقى هدفا رئيسيا تسعى إليه الرابطة المحمدية للعلماء، إلى جانب بناء مواقع تفاعلية للتواصل الاجتماعي "لتثقيف بديل عمّا تروجه قنوات التطرف العنيف والرعب، استنادا إلى ما أنجزته الرابطة المحمدية للعلماء في الموضوع، من مثل: منصة الرائد، وموقع مكافحة السلوكيات الخطرة والتثقيف بالنظير". كما يعمل المنتدى على استيعاب وضبط مفردات الجهاز المفاهيم لدى منتجي خطاب الكراهية والإرهاب، وإطلاع العلماء الوسطاء والشباب على التجارب والخبرات السابقة، والممارسات الفضلى التي ينتهجها قادة دينيون في مناطق تعرف صراعات مبنية على التطرف الديني والعنف، مع تعزيز ودعم شبكة العلماء الوسطاء والمثقفين النظراء من أجل الوقاية من التطرف العنيف. وينتظر أن تخلص أعمال المنتدى إلى وضع خطة عمل وصياغة بيان يلتزم بمقتضاهما المشاركون بتبني الإجراءات والتدابير لمكافحة خطاب التطرف العنيف، وكذا الإعلان عن منهج الرابطة المحمدية للعلماء في مكافحة التطرف العنيف على أوسع نطاق، في أفق إعداد دليل لتدريب العلماء الوسطاء والمثقفين النظراء والمساهمة في تطوير برامج عملية وطنية وجهوية لتفعيل توصيات مخطط العمل الصادر عن منتدى الرباط.