"" قد لا يعرف كثيرون أن العرائش، المدينة الساحلية الواقعة شمال المغرب تعتبر نواة للمهاجرين المغاربة الذين جاؤوا إلى العاصمة البريطانية، ويمتد تاريخ وجود العنصر المغربي في هذا البلد، وفي لندن تحديدا، إلى ستينيات القرن العشرين، حين وصلت الطلائع الأولى لأفواج المهاجرين المغاربة. كما سنأتي في رسالة اليوم أيضا على مجموعة من الأخبار والتعليقات على قضايا أخرى تتصل بالشأن البريطاني وتقاطعاته مع ما هو عربي. سواء كنت مغربيا أو مجرد باحث عن شيء ما يتعلق بالمغرب، فإنك حيثما تسير في أرجاء مدينة لندن لا بد أن يصادفك أناس قادمون من مدن شمال المغرب مثل طنجة وأصيلا والقصر الكبير، لكن سيلفت انتباهك قطعا كون القسم الكبير من هذه الجالية المغربية ينتسب لمدينة العرائش. وفي محاولة لمعرفة الأسباب التي جعلت من هذه المدينة، التي تحجبها كل من طنجة ذات الصيت العالمي وأصيلا، أختها الصغرى، بمهرجانها الثقافي السنوي، أم المهاجرين المغاربة في بريطانيا، كان لا بد من الاتصال بقدماء أبنائها في لندن. وقبل الإتيان على هذه الأسباب التاريخية والاجتماعية، نشير إلى أن جزءا كبيرا من هذه الجالية المتحدرة أساسا من شمال المغرب يستوطن منطقة شمال كينزكتن وشارع لادبكروف بالأساس، الذي تشير التقديرات غير الرسمية إلى أنه يحوي ما لا يقل عن ثمانية آلاف مغربي، ما بين بريطانيي المولد والقادمين الجدد ممن تجنسوا أو حصلوا على الإقامة لاحقا أو أولئك الذين فضلوا البقاء بشكل غير قانوني، في انتظار فرص تسوية الوضعية. بداية الرحلة بالرجوع إلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين وبداية ستينياته كانت أوربا، وبريطانيا ليست استثناء، في حاجة إلى يد عاملة تسهم في بناء خراب الحرب العالمية الثانية، وبينما توجه الآلاف من أبناء المغرب إلى فرنسا وبلجيكا كيد عاملة رخيصة لم يكن إقبال المغاربة على إنجلترا يكاد يلفت إليه الانتباه. لكن المئات من أبناء العرائش وجدوا الفرصة مواتية للتوجه إلى المملكة المتحدة مستفيدين من شخصين كانت لهما صلة بالمدينة. أولهما يهودي مغربي يدعى رافاييل، كان يشتغل وسيطا في الحصول على عقود العمل، وغارسيا الإسباني الذي كان يستأجر البيوت للوافدين من العرائش إلى لندن في حي لادبكروف اللصيق بالحي البرتغالي. ونظرا لإتقان العرائشيين للغة الإسبانية فقد كانوا يفضلون الاستقرار في هذه المنطقة من أجل تواصل أفضل سواء في حياتهم اليومية أو من أجل الحصول على فرص عمل. وبما أن العبور إلى أوربا لم يكن قبل حوالي نصف قرن بربع الصعوبة التي هو عليها الآن فلم يجد المهاجرون المغاربة الأوائل كثيرا من العراقيل للوصول إلى لندن، فقد كان يكفيهم الحصول على شهادة خبرة في الفندقة أو الطبخ أو أية خدمة أخرى، من أحد الفنادق المعروفة في العرائش، وحسب إفادات قدماء أبناء العرائش هنا، فقد كانت معظم تلك الشهادات التي تعد بالمئات مزورة، حيث جاء النادل بصفة الخبير في الحسابات والطباخ حاملا لشهادة خبرة في الصيانة وقس على ذلك. وهكذا تشكلت في لادبكروف البذرة الأولى للمهاجرين المغاربة الذين صاروا بالآلاف وأصبحت تحويلاتهم بالعملة الصعبة نحو المغرب تقدر بالملايين. الحي المغربي ومن يدخل الحي المغربي في لندن لن يضل الطريق إلى مبتغاه، فكل ما فيه يحملك إلى الوطن الأم، أحاديث الناس بدارجة مغربية لا غبار عليها، وأسماء المحلات مستلهمة من أشياء في البلد الأصلي أو حاملة لأسماء مدن مغربية كما هي، وروائح المأكولات وسيط إشهار مجاني يهجم على حاسة الشم بلا استئذان، وسحنات الناس تختلط فيها قسمات وملامح سكان المغرب من أدناه إلى أقصاه. فما الذي ينقص هذا المكان ليكتسب شخصيته المستقلة مثل أماكن استقرار باقي الجاليات والأقليات في لندن؟ الجواب بسيط ومعقد في آن: تأسيس مدينة مغربية في قلب عاصمة بريطانيا! الأمر ليس مستغربا هنا فكل من زار قلب لندن عن قرب سيجد المدينة الصينية (تشينا تاون) التي تعد بحق قطعة من الصين لا ينقصها سوى مكتب للحزب الشيوعي! ونفس الشيء بالنسبة لمناطق أخرى أصبحت شبه غيتوهات لجاليات آسيوية وغيرها. وليست فكرة تشييد مدينة مغربية يكون شارع كولبورن أساسها بالجديدة، فقد طرحت منذ أواخر الثمانينيات من قبل عدد من المهاجرين المغاربة، لكن ظلت حبرا على ورق اعتلاه غبار الأيام وطواه النسيان. وكان أهل العرائش من بين أول من نادى بهذه الفكرة الخلاقة التي، في حال تحققها، ستصبح للمغرب مدينته الخاصة التي ستختزل عمارته وتراثه وتنعش عدد السائحين القاصدين إياه من كل بقاع العالم. المناطق التي يستوطنها المغاربة هنا لم تكن في بداياتها تخضع لمثل هذا التفكير العقلاني بل كانت مجرد تجمعات فيها مغرب مصغر تتداخل فيه الألفة الاجتماعية بالمصالح الشخصية مع الحاجة إلى سند ثقافي يعكس تشبثا لا واعيا بالمنشأ والوطن. وقد كانت كل رهانات أوائل مهاجري المغرب إلى بريطانيا لا تختلف عن نظرائهم في باقي بلدان المعمور: جمع المال وتأمين العودة والاستقرار في المغرب بشكل نهائي، والاستقرار في المفهوم المغربي رديف لتأمين المسكن. ومع توالي العقود استفاق داخل أبناء العرائش حنين عاقل إلى مدينتهم وتبلورت أفكار تصب كلها في اتجاه رد الاعتبار لمدينة اللونين الأبيض والأزرق. ففي الأسبوع الماضي، كان يفترض أن تشهد لندن، بعيدا عن أي تأطير رسمي ومن غير أي إطار جمعوي حتى، اجتماعا حضره واحد من آباء الجالية العرائشية هنا، وهو محمد جلول رحال، وعدد قليل ممن يقاسمونه الغيرة على مدينتهم، وكان يفترض أن يشهد حضور ما لا يقل عن مائتين وخمسين إلى ثلاثمائة مهاجر بهدف بحث كيفية دعم العرائش. وتأجل الاجتماع لأسباب وصفت بالتقنية، على أن يتم عقده بعد عيد الأضحى. والفكرة التي تؤطر هذه المبادرة ربما تكون غير مسبوقة. فالهدف الأساس هو حشد مئات المغاربة، بحيث تكون البداية من لندن ليمتد الخيط إلى بلدان أوربية أخرى كفرنسا وبلجيكا وهولندا لاحقا في تكتل يكون رافعة تنموية لمدينة العرائش. خدمة العرائش وحسب أصحاب هذه المبادرة فسيكون اجتماع لندن المقبل تمهيديا. وتحذو منظميه رغبة قوية في مساعدة العرائش على الصعيد الرياضي، عن طريق دعم فريق نادي شباب العرائش لكرة القدم بالخصوص دون إغفال عدد من الخدمات الاجتماعية التي تشمل سيارات الإسعاف والعناية بالفئات ذات الاحتياجات الخاصة. واللافت أيضا أن عدد الذين يبدون استعدادا لحضور اللقاء المقبل يعد قياسيا في وسط جالية غير منظمة بالشكل المطلوب، وفي حال نجاح الفكرة عبر امتدادها لدول أوربية أخرى، فستكون المرة الأولى التي يجتمع فيها أفواج من مغاربة المهجر، منحدرين من مدن مغربية مختلفة، من أجل تنمية مدينة مغربية محددة. وفي صلة بالتفكير في مستقبل العرائش، يبدو أن المدينة تحتاج إلى تسويق سياحي أفضل، سيما في السوق البريطانية، حيث توجد دائما مراكش وأكادير وفاس وطنجة على رأس برنامج السائح البريطاني إلى المغرب، بينما تبقى مدينة اللكسوس محطة عبور فقط، رغم ما تزخر به من معطيات عمرانية تراثية تنفع في رسم صورة مغايرة لهذه المدينة القديمة قدم تاريخ المغرب. ففضلا عن كونها مدينة ساحلية تتمتع إلى اليوم بوجود بوابات معروفة كباب القصبة وباب القبيبات وباب البحر، بينما يقف جامع الكبير الذي بني خلال القرن الثالث عشر الميلادي والأسوار التي تطوقها من كل جهة وبناية الكومانديسا وحصن القبيبات شاهدة على تاريخ عريق لهذه البقعة من أرض المغرب، ما قد يفيد في إنعاش السياحة الثقافية، بعيدا عن الاعتماد على معطيات البحر والشمس. مذكرات بلير ب16 مليون دولار.. يتوقع أن يحصل رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير على ثروة تقدر، إلى حد الآن، بستة عشر ميلون دولار أمريكي مقابل مذكراته التي قد عقد العزم على بيعها أخيرا، وفازت بهذه الصفقة دار النشر الشهيرة «راندوم هاوس»، والمثير أن بلير، الذي سيحصل على ما بين خمسة إلى ستة ملايين جنيه إسترليني مقابل مذكراته، لم يخط بعد منها ولو كلمة، وللقارئ أن يتصور مثلا الوضعية القانونية للعقد الموقع بينه وبين الناشر في حال وفاة بلير قبل كتابة محكياته عن عشر سنوات قضاها ب10 داونينغ ستريت على رأس الحكومة البريطانية. وينتظر، حسب الصحف البريطانية، أن يتم نشر كتاب بلير خريف عام 2009. ويعد التعويض الذي سيتلقاه بلير قياسيا في تاريخ بيع مذكرات زعماء الدول ولا ينافسه فيه سوى بيل كلينتون، صاحب مونيكا لوينسي الذي حصل على أموال طائلة مقابل نشر مذكراته التي سماها «حياتي». وبخلاف رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجر الذي توارى عن الأنظار تماما، وحتى الخرجات الإعلامية القليلة التي يقدم عليها لا تتجاوز الحديث عن رياضة الكريكيت، يسعى بلير إلى ألاّ ينطفئ نجمه، فبالإضافة إلى تعيينه مبعوثا للسلام في الشرق الأوسط، جزاء وفاقا من صديقه بوش، هاهو اليوم يقفز مرة أخرى إلى ساحة الأضواء الإعلامية بصفقة المذكرات التي قالت مصادر مقربة منه إنه سيكتبها بنفسه ولن يستعين بأحد في تحريرها، بينما تمنى هو أن تشمل عرضا يتسم بالتفكير العميق والشامل في سنواته لما كان نائبا في مجلس العموم ورئيسا لوزراء بريطانيا. وكشف النقاب في لندن عن كون بلير سيميط اللثام في مذكراته هذه و»بصراحة» عن علاقته التي لم تخل من توتر بغريمه غوردن بروان، رئيس الوزراء الحالي، الذي عجل، إلى جانب ورطة بلير في المستنقع العراقي، برحيله عن سدة الحكم الصيف الماضي. وقد يخطف صاحب ربطة العنق الحمراء الأضواء مرة أخرى إذا توافق نشر سيرته مع تاريخ الانتخابات المقبلة في بريطانيا، حيث يرتقب أن تؤثر الفقرات المخصصة لعلاقة بلير ببراون على الحزب العمالي الذي عمر طويلا في زعامة البلاد، مما قد يرغم براون على تحديد موعد للاستحقاقات يكون سابقا لتاريخ نشر كتاب بلير، تفاديا لأي تأثير محتمل. وكما كانت الأميرة ديانا تعتمد على استشارات ونصائح مهندس السياسة الخارجية الأمريكية السابق هنري كيسنجر، لم يخلف بلير الموعد مع «العلاقة الخاصة» التي تربطه بالأمريكيين حين أوكل مهمة إجراء التفاوض مع دور النشر للمحامي الأمريكي روبيرت بارنيت. وبارنيت هذا ليس شخصا آخر غير المحامي الذي توسط لبيل كلينتون من أجل بيع «حياته» لدار نشر. وخلافا لما سبق أن نقلته وكالات الأنباء الصيف الماضي عن مقربين من بلير من كون إخراج المذكرات إلى الوجود سيحتاج إلى سنوات، تبين أن الأمر سيتطلب سنتين. وكان لافتا أن الإعلام البريطاني ركز فقط على ما قد يرويه بلير في سيرته العطرة عن علاقته بخلفه براون، دون التوقف بما يكفي عند خبايا تورط بلير في الحرب على العراق مرورا بما تسبب فيه لقواته من خسائر جراء تدخلها في أفغانستان وانتهاء بموافقته على تزويد واشنطن تل أبيب بطائرات أمريكية على متنها كميات كبيرة من القنابل، وذلك عبر التراب البريطاني، خلال حرب إسرائيل الأخيرة مع حزب الله في لبنان لتمزق أجساد الأبرياء من المدنيين العزل. الكوفية.. سفير لفلسطين والمقر متجر «توب شوب» تتهيأ أرقى المحلات التجارية في أهم شوارع لندن لتخفيض أثمان الملابس لبيعها قبل نهاية سنة 2007 لترك المجال لآخر صرعات الموضة بمناسبة السنة الميلادية الجديدة التي بدأت تطل ببردها واللعب النارية التي لا تكاد تترك النيام يرتاحون بسلام في مختلف أحياء لندن، وتغص الجرائد المتخصصة في الموضة والملابس بمقالات مدققة عن الأشكال وألوان الأزياء التي يسيل لها لعاب النساء خاصة، لكن «توب شوب» محل بيع الملابس الراقي في شارع أكسفورد الشهير يبدو أنه لن يغير موضة الكوفية، لا من حيث الثمن ولا من حيث الكم. فقد أصبح اسم «توب شوب» مرادفا لدى العرب وغيرهم لمكان تحصل فيه على الكوفية الفلسطينية مقابل خمس وعشرين جنيها إسترلينيا، أي ضعف ثمنها في أمريكا وربما أضعاف قيمتها في أي بلد عربي. فلم يعد غريبا في لندن أن تصادف في الشارع وفي الحافلات وفي أنفاق الميترو شبانا وشابات يضعن كوفيات على أعناقهم، ليس في الشهور الباردة وحدها بل في أوقات السنة كلها، مما يجعل هذا القماش الرمز ينافس تيشورتات الثائر تشي غيفارا ذائع الصيت والمنظر. ويبدو الأمر أحيانا متناقضا حين تجد في نفس المكان يهودا بقلنسواتهم وشعورهم الطويلة جنبا إلى جنب مع شبان أوربيين، لا صلة لهم بفلسطين، يلفون على رقابهم كوفيات صارت رمزا سياسيا مع عرفات والانتفاضة، بينما يعتبرها أعداء الشعب الفلسطيني إشارة عنف و«إرهاب». وفي نهاية هذا الأسبوع التي صادفت طقسا ممطرا في لندن، صارت الكوفية وسيلة عملية لمقاومة عدو اسمه البرد، ويبدو منظر المراهقين مثيرا حينما تعمد بعض الفتيات إلى تغطية معظم وجوههن أحيانا بالكوفية فتكون توليفة بين اللون الأشقر والأبيض الفاقع والانتفاضة الفلسطينية في ساحة لا سلاح فيها غير الالتزام بالقانون في إطار حرية الفرد. ونالت الكوفية في السنين الأخيرة شعبية عالمية بدأت مع الحرب على العراق، لم تخل من حضورها المظاهرات المناهضة لحملة بوش على بلاد الرافدين، كما صار تسويقها يحمل بعدا تجاريا يخفي رسالة مناقضة لأهداف الاستعمار الجديد. وفي ذكرى النكبة الأخيرة غصت ساحة الطرف الاغر وسط لندن بالآلاف من مناصري القضية الفلسطينية، لم يكد أحد منهم يفرط في كوفيته. تاريخيا، وحسب الأنتربولوجي الأمريكي سويدنبيرغ، فإن الكوفية كانت في البداية غطاء للرأس استخدمه الفلسطينيون. وأصبحت الكوفية خلال الانتفاضة ضد الاحتلال البريطاني والتي تزعمها عز الدين القسام في ثلاثينيات القرن الماضي رمزا للهوية الفلسطينية. ومع إطلاق حركة فتح رصاصتها الأولى معلنة بداية الكفاح المسلح ضد الصهاينة اكتست الكوفية بعدا أكثر عمقا، تجذر أكثر مع الجيل الحالي للانتفاضة. أحمد الجلالي-لندن-