الانسان كائن سياسي؛ لذا فهو في حاجة إلى تربية وتعهد يلبي حاجته و يؤهله للتعاطي مع الشأن السياسي٬ كحاجته باعتباره كائن عاقل إلى تربية عقلية٬ و كائن ناطق إلى تربية لغوية...ومن نافلة القول إن الإنسان لا يمكنه الاستغناء عن التكوين و التكوين المستمر٬ و استجماع الخبرات و التجارب في رشده. و في حاجة إلى التنشئة و الرعاية منذ انطلاق خطواته الأولى في درب الحياة الطويل. فالعملية التكوينية و التربوية هي سيرورة متجددة لاتقف عند حدوده و لا ينقطع حبل وريدها٬ تضخ فينا ما نستطيع به مواجهة تحديات الحياة ٬ وفك شفراتها التي تتعقد يوما عن اخر. و لا يُفوِت لهذا الغرض أي مناسبة إلا ويٙرْشٙح من معينها الدروس والعبر٬ وهذا هو شأننا في تخليد الأيام البيئية و الصحية و السلامة الطرقية ٬ ... ارتقاء بالوعي البيئي والصحي ... والسياسي الذي تبقى مناسبة الانتخابات و طول مدة حملتها٬ مجال واسع لتلقي الدروس في الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة٬ والسلوك المدني ومفهوم دولة المؤسسات و الحق والقانون... مفهوم التنشئة السياسيةː يقول هايمن في كتابه (التنشئة السياسية)ː «هي عملية تعليم الفرد المعايير الاجتماعية عن طريق مؤسسات المجتمع»فهي إذن امتداد للتنشئة الاجتماعية ٬وهي فعل تعليمي تعلمي ٬موضوعه القيم والمفاهيم السياسية والاتجاهات السائدة في المجتمع منذ الصبا .ويتم تناقلها وتوارثها جيلا بعد جيل. يكتسب المرء عبرها ثقافة سياسية تصحح تلك التي تعرف انحرافا وتكرس التخلف . ثقافة كفيلة بتقدم المجتمع وتحضره. حيث المؤسسات تسهر على النظام المفضي إلى الاستقرار الاجتماعي ٬وتفعيل دور المواطن الواعي بحقوقه وواجباته .ويمكن لنا الحديث عن نوعين من التنشئة السياسية ː ˗ تنشئة مباشرةːوهي التي تلقن في المدرسة عن طريق دروس التربية على المواطنة والتاريخ ... ˗ تنشئة غير مباشرةːوهي المضمنة في المواقف والأحداث التي نصادفها في حياتنا ٬وفي تعاملنا مع مؤسسات الدولة المختلفة. العناصر المؤثرة في التنشئة السياسيةː 1˗ الأسرة باعتبارها الحاضن الأول للطفل منها يستقي أبجديات الحياة وهي حسب (جلاس)عامل مؤثر في تطوير توجه الطفل السياسي .وهذا ما نلمسه في بعض الذين يحذون حذو آبائهم في الانتماء السياسي والحزبي .بفعل نوعية المقروآت التي يفتح الطفل عليها عينيه في البيت ٬ وما يستقيه من الحوار الذي يدور بين أفراد الأسرة والعائلة حول الأحداث السياسية ٬والمواقف التي تتبنى من المسؤولين السياسيين. وخصوصا عندما تكون بالزخم الذي تعرفه الحملة الإنتخابية.حيث تغزو السياسة البيوت .وهي فرصة ينبغي أن تستغل مادامت الأرضية متوفرة والشواهد ماثلة. 2˗ المدرسةːإحدى مؤسسات الدولة الإيديولوجية بامتياز حسب توصيف بورديو٬حيث يتم السعي إلى تكوين مواطن الغد بمواصفات تحددها الفلسفة التربوية للنظام السياسي القائم في البلد. و لا تخلو من تأثير المدرسين و الأصدقاء و خصوصا بالنسبة للمراهقين و اليافعين. فلها يشحذ الماسكين بمقاليد الحكم ترسانة من المفكرين و الأدباء و الفنانين٬كل في مجاله يغذون السوق الثقافي بالرأسمال الرمزي و يرسمون خارطة النظام التربوي الباني للأدمغة و المؤثث لوجدان أبناء الوطن ليبراليا كان أو اشتراكيا٬محافظا أو تقدميا...أو يظل تائها بين المدارس التربوية لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. كحال الكثير من الدول المتخلفة . 4˗ الأحزاب : وهي المدرسة السياسية بالأصالة والمنشئ .نظرا للمهام المنوطة بها في تأطير المواطنين سياسيا ومساعدة الدولة في القيام بواجباتها. وهي كما يرى(كامبيل)لها تأثير مباشر للغاية على الطفل نظرا لتباين العوامل الاجتماعية لأعضائها مثل السن٬السياق والسلطة وما إلى ذلك. فإذا كانت الاحزاب في الدول الديمقراطية« نسيج حقيقي »للدولة ضد الاختراقات التي تهدد الأمن والاستقرار الاجتماعي ٬ووسيط مؤتمن بين المجتمع والدولة. فإنها في بلدان أخرى «نسيج مزيف ومعيقة للتطور الديمقراطي »والتنموي كما يشهد على ذلك التقرير الأمريكي الأخير. 5˗ المجتمع المدني: مدعو أكثر من غيره في عملية التنشئة السياسية وتأهيل وتثقيف الفرد باعتباره مواطنا مؤثرا في المجتمع ضمن معطى سياسي معين. وكفيل بالنأي به بعيدا عن التنافس السياسي الحاد للاحزاب.وغرس قيم الثقافة المدنية البناءة التي تستوعب الآخر وتستحضر حقه في الوجود والتعبير عن ذاته بالوسائل الشرعية المتاحة من خلال« مؤسسات مستقلة في عملها عن الحكومة وهي تنظيمات تطوعية حرة. تقوم بدور الوسيط بين الدولة والمواطن في مجال الوعي و التثقيف الاجتماعي و السياسي ».وبالمشاركة في العمل المدني يرتقي الوعي السياسي للأفراد. لكن اللافت للنظر و الذي يدعو إلى الارتياب أن كثرة الجمعيات لا يصاحبه تأهيل للمواطنين و حضور في الميدان يناسب عددها الذي بلغ 116000 جمعية في مجال التنمية البشرية التي تغدق على أصحابها منح الدعم العمومي ببرامج على الورق أو مقرصنة. فلا هي أهلت المجتمع وعملت على تنميته ولا هي تركت أمواله تصرف في وجوه أخرى. وما الملفات المعروضة على المحكمة في إقليمالعرائش إلا غيض من فيض. أهمية التنشئة السياسية: في خضم الإحتراب على مقاليد السلطة ودواليبها .في سبيلها يضحى بحياة البشر وإنجازاته العمرانية والحضارية والقضاء على مقدرات الشعوب وما راكمنه في سنين طويلة من بنيات تحتية ٬في لمح البصر أوهو اقرب. وما كانت السياسة في البدء والمنتهى إلا لرعاية مصالح الناس المادية والمعنوية. فالإنسان غايتها ٬وخدمته هدفهاوما كانت الشعوب لدى الرواد الأوائل من السياسيين جسرا لتحقيق المصالح الذاتية الضيقة بشعارات ظاهرها المصلحة العامة وباطنها المصلحة الخاصة. وتفاديا للصراعات المذهبية والطافية والثقافة السياسية العصبية المدمرة للحرث والنسل اهتدى الفكر البشري إلى الممارسة الديمقراطية ٬التي ينبغي أن تكون سلوكا أسريا وناظما للبرامج التعليمية ونهجا إعلاميا وديدن المجتمع المدني الواضحة أهدافه الفاعل في الميدان والموصولة علاقته بالمواطنين٬تأهيلاوتنمية ومشاركة. كل هذا وذاك كفيل بحماية حقوق الناس وحرياتهم٬وبعزز العلاقة بين المجتمع والدولة ويسهم بشكل فعال في آفاق المشاركة السياسية ٬ونشر ثقافة المساهمة تجاوزا لثقافة الخضوع(ماكس فيبر)فبناء مجتمع يعي حقوقه ٬ودولة لا تقصر في واجباتها اتجاهه. رهين بتربية أبناءه في مؤسسات اجتماعيةوثقافيةوسياسية ٬تُكون على الشعور العالي بالمسؤولية الدافعة للقيام بالواجبات اتجاه الأفراد واتجاه باقي المجتمع.