تعد حملات القمع التي طالت الحركات الاحتجاجية في المغرب يوم الأحد 22 ماي، مؤشرا على تطور "لا تحمد عقباه" ويهدد بإنهاء حالة 'الاستثناء المغربي‘ الذي ميز العلاقة بين هذه الحركات والسلطة. وإذا كان الإفراط في استخدام العنف قد أبان عن "ضيق صدر" السلطة في نظر البعض، فإنه في نظر آخرين أظهر أن السلطة "عادت إلى أصلها" في التعامل مع حركات الشارع. أصبحت 'حركة 20 فبراير' لاعبا رئيسيا في المعادلة السياسية المغربية؛ يخشاها النظام السياسي القائم فتراه يتغاضى عنها حينا ويقسو عليها أحيانا أخرى. كما يسترضيها آخرون ومنهم أحزاب سياسية لها أجندتها وتيارات سياسية لها أهدافها، وهذا بالضبط ما تستند عليه السلطة لاستخدام لغة العنف لاستعادة 'الشارع‘ من يد الحركات الاحتجاجية التي سيطرت عليه طيلة الأشهر الأخيرة كفضاء مفتوح "لممارسة السياسة". ضيق صدر يرجع الإعلامي عبد العزيز كوكاس رئيس تحرير أسبوعية 'المشعل‘ تطور سلوك السلطة مع الحركة الاحتجاجية إلى نفاد صبر السلطة التي رأت في استمرار الاحتجاجات 'تشويشا‘ على هدفها في إحداث تغييرات 'هادئة‘. "أفسره (العنف) بعبارة واحدة وهي أن السلطة المغربية قد ضاق صدرها من استرجاع الحركات الاحتجاجية للشارع العام باعتباره مجالا لممارسة السياسة، وأن السلطة بدأت ترى أن هذه الاحتجاجات زادت عن الحد وبالتالي أصبحت تشوش على الأفق الذي ترسمه كسلطة لما يجب أن يكون عليه الوضع؛ وهو التغيير الهادئ في ظل الاستمرارية. في حين أن الحركة الاحتجاجية مدعومة من طرف جل الفاعلين السياسيين في المشهد السياسي والنقابي والجمعيات المدنية والحقوقية، تريد تغييرا سريعا وفعالا". طبيعة الدولة غير أن الحركات الاحتجاجية ممثلة في حركة 20 فبراير، ترى أن القمع لم يختف تماما من منهجية السلطة، وأن ما جرى يوم الأحد 22 مايو ل "إجهاض" الحركة ومطالبها مهدت له السلطة في 15 مايو حينما قررت منع الاحتجاجات الشعبية رغم سلميتها، وبالتالي فإن هذا الأسلوب يؤكد عودة السلطة إلى أصلها، بحسب نزار بن نمط أحد ناشطي حركة 20 فبراير في العاصمة الرباط. "استطاعت الدولة ضبط النفس منذ نشأة الحركة، والآن نشهد رجوعا حقيقيا لطبيعة الدولة؛ الطبيعة القمعية، الطبيعة اللاديمقراطية التي لا تسمح بممارسة الحقوق الأساسية للمواطنين ومن بينها الحق في التظاهر والحق في حرية التعبير والرأي". 'فزاعة‘ تحاول السلطة القائمة في المغرب "تبرير" تصرفاتها تجاه الحركات الاحتجاجية بما تعتبره 'اختراقا‘ للحركة وركوبا عليها من طرف جهات سياسية وتيارات إسلامية محظورة وخاصة منها حركة 'العدل والإحسان‘ وما يسمى ب "السلفيين" الذين يشتبه بارتباطهم بتنظيمات عنيفة وذات طبيعة إرهابية. غير أن الناشط نزار بن نمط يؤكد أن الحركة الاحتجاجية هي حركة كل المغاربة، سلفيين وغير سلفيين، وأن السلفيين هم أيضا "ضحايا" النظام الذي قمعهم بلا هوادة. وهذا ما تؤكده أيضا خديجة رياضي رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والتي ترى أن الحركة "واعية" ولا يمكن أن يستخدمها تيار سياسي لحسابه الخاص مهما حاول وأن مطالب الشباب الجوهرية "لم تتغير". "مطالب الشباب لم تتغير منذ اليوم الأول. المطالب الجوهرية هي: دستور ديمقراطي، العدالة الاجتماعية، الحق في الحريات، والشغل، إطلاق سراح المعتقلين، إلى غير ذلك. وما أضيف إلى هذه المطالب هو: إلغاء لجنة المنوني (لجنة تعديل الدستور) وإغلاق مركز التعذيب في تمارة (قرب العاصمة). المطالب الجوهرية لم تتغير ولا يمكن أن يختلف عليها أحد كيفما كانت أيديولوجيته وكيفما كان انتماؤه. أما ما يقال عن ركوب هذا التيار أو تلك الهيئة للحركة، فهي مبررات تحاول (السلطة) أن تخيف بها. فزاعة الإسلاميين لم تعد تقنع أحدا". نزوة تصف السيدة رياضي ما جرى يوم الأحد من قمع المتظاهرين في مختلف المدن المغربية أوصل الكثير من المتظاهرين للمستشفيات ب "الانتقام" وأنه لم يكن فقط تفريق لمتظاهرين تجمعوا بغير إذن. "لم يكن هناك هدف لتفريق المتظاهرين. الهدف هو الانتقام والضرب والترهيب والتخويف لكي لا يعود أحد للشارع لكي يتظاهر. هناك أساليب لا علاقة لها بمساطر بفض التجمهرات أو المسيرات غير المصرح بها". ومن جانبه يأمل الإعلامي كوكاس أن يكون ما حدث "مجرد نزوة"، وإلا سينقاد المغرب نحو المجهول. "إذا تواتر هذا الشكل العنيف لصد حركات احتجاجية سلمية وتعنيفها ومنعها ومواجهتها بشكل دموي والاتجاه لطرق الاعتقال في صفوف أطر هذه الحركة، فإن كل شيء مفتوح على المجهول، بمعنى أن هذه الحركات يمكن أن تصعد من سقف مطالبها. وإذا كان ما حدث يوم 22 مايو مجرد نزوة للسلطة (...) فإنه من الإمكان القول إن السلطة ستعود لرشدها وأن تترك المتظاهرين يعبرون عن مطالبهم السلمية (...) وأن تحافظ على هذا التميز الذي هو سمة مغربية ونعتبره استثناءا مغربيا ومكسبا أساسيا". *بالاتفاق مع إذاعة هولندا العالمية