للموضوع بداية: "للموضوع بداية" كانت آخر جملة اختتمت بها مقالي السابق "هَلْ يُؤَيِّدُ المَغَارِبَة حَلَّ الأْحْزاب الحَالِية وَتَأْسِيسْ أَحْزَابٍ جَدِيدَة؟" وبما أن السِّياسةَ مجال المُمكن بامتياز.. فلا شئ مستحيل في السياسة.. سيما عندما تَبْلُغُ السياسة سِنَّ الرشد الفكري والنُّضج الوجداني.. وتتربع المصلحة العليا للوطن عرش اشتغال السياسيين، وتصبح خدمة المواطنين مدار فلك العمل السياسي.. وهذا الوعي السياسي العميق هو الذي أفضى إلى تحالف حزبين غريمين.. كانا حتى كتابة هذه الأسطر قطبين متنافرين، كل منهما يشكل الطرف النقيض للآخر .. وما يُفرِّق بينهما هو الكائن.. أما يجمعهما فهو المستحيل.. وقصائد الهجاء بينهما فاقت حروب الفرزدق وجرير.. فماذا حدث؟؟ الخبر أيها السادة القراء الأفاضل، مازال طريا..تمهلوا من فضلكم.. فالخبر ساخن بدرجة 7/10 فهرنهايت، وهي درجة تفوق حرارة 11/9 فهرنهايت للمخرج الأمريكي مايكل مور. - لماذا؟ لأن أمريكا دولة ديمقراطية رغم الفساد الذي يعتري ديمقراطيتها، والذي جعل نعوم تشومسكي يصفها بالدولة الفاشلة.. دولة تريد أن تفرض نموذج الديمقراطية الأمريكية على العالم وهي عاجزة عن تحقيقه في عقر دارها.. وهذا ما فعله مايكل مور في شريطه الوثائقي 11/9 فهرنهايت، من خلال فضحه للفساد في السياسة الأمريكية، بدءا من تزوير الانتخابات، منع حرية التعبير، ولوج السياسة لخدمة المصالح الشخصية، والانغماس في حياة الترف واحتكار الثروات.. وعدم الإحساس بالفقراء والبؤساء والمشردين والمتسولين والمجانين، ورفض الأثرياء إرسال أبنائهم إلى الحرب، والزَّج بأبناء الفقراء إلى حتْفِهم في حروب قذرة.. رُغم كل هذه الفظائع تبقى أمريكا رئةً لحرية التعبير بالإعلام المستقل المكتوب والمرئي والأشرطة الوثائقية والأفلام السينمائية والمسرح والموسيقى والفكر الحر.. والقدرة على فضح ومحاربة الفساد. 7/10 فهرنهايت: الانتخابات المغربية والقيامة في لقاء جمع أبرز قيادي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، اللقاء نسَّقَ له حُكَمَاءُ الحزبين في سرية تامة، دون الكشف عن المكان والزمان، أخبرني شاهد عيان (رفض الكشف عن هويته) أن الاجتماع ضَمَّ نُخبا رفيعة المستوى من البام والبيجيدي، بدأ اللقاء بالاستماع وقوفا، احتراما وإجلالا للنشيد الوطني، بعدها بدأ النقاش، المفاجأة الكبيرة أن الاشتراكي العظيم عبدالرحمان اليوسفي، تم اختياره مسيرا لهذا اللقاء التاريخي، السيد اليوسفي شكر الفريقين على هذه المبادرة التاريخية المفصلية في تاريخ المغرب المعاصر، وقال بنبرة حزينة: أنا اليوم هنا بصفتي الوحيدة التي أعتز بها ومن أجلها كافحت وناضلت، هذه الصفة ليست شعارا وليست شعرا ولا نثرا، صفتي اليوم "أنا مغربي" والمغرب أيها السادة الأفاضل، وأنتم تعرفون جيدا مصداقية كلامي، المغرب يعيش تحديات خطيرة وخطيرة جدا، أعداء الخارج من جيران السوء، حكام الجزائر وحكام موريتانيا، وتسليحهما للكيان الانفصالي مرتزقة البوليساريو، وإفشالهما لقيام الاتحاد المغاربي الكبير، رغم العلاقة الأخوية المتينة بين الشعب المغربي والشعبين الجزائري والموريتاني، والمؤامرات التي تحاك ضد المغرب من الجارة إسبانيا واحتضانها وتمويلها للمرتزقة، وانتهازية الإدارة الأمريكية والضغط على المغرب بالأوراق المفبركة لوهم حقوق الأقليات، وابتزاز فرنسا للمغرب ومنح اللجوء السياسي للخونة وتجار الأوطان، والمكر الخبيث المتمثل في محاولة تصدير الإرهاب إلى المغرب الآمن.. التحديات كثيرة وهنا أذكركم بالعمل الشاق الذي يقوم به الملك محمد السادس في صناعة جبهة متماسكة من الدول الصديقة للمغرب، والبحث المضني عن بدائل مستدامة في الاقتصاد والاستثمار وتطوير المؤسسة العسكرية وإيجاد حلفاء أوفياء للمغرب.. (تصفيقات حارة لكلمة السيد عبد الرحمان اليوسفي). وكأنها القيامة: شكرا لكم أيتها السيدات، أيها السادة.. تلكم شذرات قليلة من تحديات الخارج، أما تحديات الداخل فكثيرة ومتشعبة وقد أصبح الفساد الشامل أشرس أعدائها.. بكل حزن وألم، الفساد يفتك بدولة القانون والمؤسسات، وبالتالي فقدان الشعب المغربي الثقة في العملية الديمقراطية، خصوصا وقد تكاثرت وارتفعت الشعارات التي تَسْخَرُ من الانتخابات، وتَدَّعي أن الفساد لا يُحارب بأدوات فاسدة، سيما أمام السُّعار الذي يشوب الانتخابات. والأنكى والأدهى والأمرُّ، الأجواء التي تمر فيها الانتخابات، والتي انتقدها الملك في خطاب العرش الأخير حيث قال "ولا يفوتني هنا أيضا، أن أنبه لبعض التصرفات والتجاوزات الخطيرة، التي تعرفها فترة الانتخابات، والتي يتعين محاربتها، ومعاقبة مرتكبيها، فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر، والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب"، وهذا يتنافى مع الوظيفة الأساسية للتنظيمات السياسية، المتمثلة في التربية السياسية للمواطنين، لأن المواطن لا يولد مواطنا، بل يصبح مواطنا بالتربية السياسية، وهي ما تفتقده السياسة المغربية بصدق وأسف وأسى، وأول قاعدة في العمل السياسي في اعتقادي هي التربية على الاحترام، احترام السياسي للرأي المخالف لخصومه السياسيين، ودحضه بالحجج العقلية والأدلة الواقعية، هكذا تصبح السياسة مدرسة لتربية المواطنين على قيم الحوار والنقد البناء والقبول بالاختلاف، لا وكرا للرذيلة والعنف المادي والرمزي والسب والشتم. غضبة الملك: بِحَشْرَجَة وَقُورَة أضاف السيد عبد الرحمان اليوسفي، عندما يقول الملك: " إن البعض يقوم بممارسات تتنافى مع مبادئ وأخلاقيات العمل السياسي، ويطلق تصريحات ومفاهيم تسيء لسمعة الوطن، وتمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، في محاولة لكسب أصوات وتعاطف الناخبين"، أيتها السيدات الفضليات أيها السادة الأفاضل، المغرب اليوم أكثر من أي وقت مضى يحتاج إلى طاقة كل المغاربة، والحرب الحقيقية يجب أن تُشنَّ على الفساد، على البطالة، على التخلف، على الرشوة، على البيروقراطية.. أما الصراع السياسي من أجل المقاعد البرلمانية وممارسة السلطة، تلك مرحلة أغرقت المغرب في دوامة العبث، وهذا ما أكد عليه الملك في خطاب العرش الأخير حين وصف تلك المرحلة "كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤوليته، في اختيار ومحاسبة المنتخبين، فالمواطن هو الأهم في العملية الانتخابية وليس الأحزاب والمرشحين، وهو مصدر السلطة التي يفوضها لهم، وله أيضا سلطة محاسبتهم أو تغييرهم، بناء على ما قدموه خلال مدة انتدابهم". كفى من الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة. صدقوني أيتها السيدات، أيها السادة، الملك غَيْرُ راض عن طريقة الممارسة السياسية، كلنا مغاربة، والكفاءات السياسية كثيرة من مفكرات ومفكرين، جامعيات وجامعيين، اقتصاديات واقتصاديين، محاميات ومحاميين، مهندسات ومهندسين، طبيبات وأطباء نساء ورجال أعمال، عصاميات وعصاميين، طالبات وطلاب، مبدعات ومبدعين، إعلاميات وإعلاميين، كادحات وكادحين.. اسمحولي أن أختتم مداخلتي لأفسح المجال للحوار البناء بينكم أيتها السيدات الكريمات والسادة الكرام، بضرورة محاربة الفساد في وطننا المغرب، من أجل مشردين بلا مأوى ذكورا وإناثا من مختلف الأعمار، أطفالا، شابات وشبابا، عجائز وشيوخا في خريف العمر يفترشون أرصفة الشوارع صيفا وشتاء.. من أجل فقراء بلا مسكن.. من أجل سكان القرى النائية الذين يحلمون فقط بطريق معبدة والقليل من الماء والخبز ومستوصف صغير للعلاج، وسكن صغير لائق بدل العيش في الأكواخ والكهوف.. من أجل أطفال البوادي المهمشة الذين ينتطرون بناء مدرسة ترسم لهم العلم الوطني.. وتنشد على مسامعهم النشيد الوطني.. (الدموع تنهمر من عيني السيد عبد الرحمان اليوسفي).. صدقوني المغرب في أمس الحاجة لطاقة أبنائه كفى من المهاترات.. وتصفية الحسابات والمزايدات.. كفى وشبابنا ينتحر بالعنف والمخدرات..شبابنا يمتلك الإرادة والعزيمة، يحتاج للقليل من الإمكانات والكثير من الاهتمام ليذهل العالم في جميع المجالات.. كفى من أجل المغرب بيت المغاربة الأبدي، أيها المغاربة اتحدوا وشكلوا أغلبية حقيقية ومعارضة حقيقية، وهذا ما أوصى به الملك في خطاب العرش الأخير "لذا أوجه النداء لكل الناخبين، بضرورة تحكيم ضمائرهم، واستحضار مصلحة الوطن والمواطنين، خلال عملية التصويت بعيدا عن أي اعتبارات كيفما كان نوعها، كما أدعو الأحزاب لتقديم مرشحين، تتوفر فيهم شروط الكفاءة والنزاهة، وروح المسؤولية والحرص على خدمة المواطن، فأحزاب الأغلبية مطالبة بالدفاع عن حصيلة عملها خلال ممارستها للسلطة في حين يجب على أحزاب المعارضة تقديم النقد البناء واقتراح البدائل المعقولة في إطار تنافس مسؤول من أجل إيجاد حلول ملموسة، للقضايا والمشاكل الحقيقية للمواطنين". حكمة الملك محمد السادس: أيتها السيدات المحترمات، أيها السادة المحترمون الملك يدعو الفاعلين السياسين إلى إعمال ضمائرهم، والحرص على أسبقية الكفاءات لا الولاءات، وجعل مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار، مصلحة الوطن لا تعرف استحالة التحالف بين القوى السياسية المؤهلة لإخراج المغرب من غرفة الإنعاش وإنقاذه من السكتة القلبية، بعيدا الخطابات المتهافته، وشيطنة الأشخاص. التحالف القوي هو الذي سيخرج للوجود حزبين قويين على غرار الديمقراطيات الحية، في أمريكا، إنجلترا، أما التعددية الحزبية المشرذمة هي تعددية مزيفة، وهي من أكبر المشاكل حتى في الديمقراطيات العريقة كفرنسا، حيث توظف الأحزاب الصغيرة في الابتزاز السياسي وتشويه وجه ووجهة الديمقراطية الحقة، التحالف القوي هو الذي سيمكن المغاربة من وضوح اختيار البرامج السياسية بدل الشتات والتيه من طوابير أحزاب، لا يستطيع المواطن تذكر أسمائها فكيف بمعرفة برامجها، هذا إن كان لها برامج. نقطة أخيرة وأعتذر كثيرا عن حرقة الألم الذي يعتصر بدواخلي.. بصدق أتمنى أن أرى في الحكومة المقبلة رئيسة، فما أكثر السياسيات المناضلات اللواتي قدَّمْن ومازِلْن يُقدِّمن الكثير للمغرب الحبيب بتضحية وصبر وصمت، من العار ألا توجد رئيسة حكومة مغربية منذ الاستقلال، معذرة أنا أقترح فقط ولا أمارس الوصاية على أحد، فقط حبي لكم هو دافعي وغايتي، وحمدا لله الذي منحنا أجمل هدية الملك محمد السادس الحكيم (الكل يصفق ويبكي وعناق بين السيد عبد الإله بنكيران والسيد إلياس العمري، والجميع يردد النشيد الوطني، بشعار: الله- الوطن- الملك ملاحظة: كل الأسماء الواردة في هذا المقال، ليست من باب الخيال أو الصدفة، هي شخصيات حقيقية، فقط والأحداث هي مجرد أمنيات سياسية، تنتمي إلى عالم الخيال السياسي، ومادام الخيال العلمي حقق الكثير من أحلامه، فهذا الحلم السياسي قابل للتحقق، ولست أنتمي للحزبين، لكن حبي لمصلحة الوطن مع ظرف صحي مؤلم حل بي، جعلني أرنو لمغرب أفضل تتجند فيه الطاقات، لإسعاد المواطنين، وتقليص مساحة القبح والألم في وطني، وإذا الشعب أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.. وللموضوع تتمة بعنوان: الانحراف السياسي.