هذا جوابي على أنصار العدالة والتنمية: المغرب قبل مقعد الزعيم بنكيران أثار المقال الذي نشرته على موقع هسبريس حول موضوع عدم قانونية ترشح رئيس الحكومة، السيد عبد الإله بنكيران، في انتخابات السابع من أكتوبر القادم، ردودا تجمع ما بين القانوني والسياسي والانفعالي والعاطفي، وصلت إلى درجة السب والشتم والقذف من أنصار حزب يدافع عن القيم الإسلامية، لكنها لم تصل إلى درجة التكفير، وإنما إلى وصف كل من طرح عدم قانونية ترشح بنكيران بأنه "مُسخَّر"، بمعنى أنه عبد مملوك، والأمر لا يخص الزميلين بلال التليدي وخالد السموني، اللذين سأرد عليهما بطريقة علمية تجمع ما بين القانوني بالسياسي، وإنما يخص النائبة المحترمة السيدة نزهة الوافي، التي سأرد عليها بطريقة قد تكون مختلفة في هذا المقال، وأترك للأخوات والأخوة القراء المحترمين والسادة المحترمين في حزب العدالة والتنمية الحكم على ما صدر منها، وأثق في حكم الجميع المعنوي والأدبي والأخلاقي. وإليكن وإليكم جوابي مفصلا على ما كتب : إلى النائبة نزهة الوافي: أسلوبك عنصري فيه احتقار للجامعيين والمحللين المغاربة نشرت النائبة المحترمة نزهة الوافي عن حزب العدالة والتنمية "تدوينة" في صفحتها على "فيسبوك" للرد على مضمون مقالي، ذات حمولة عنصرية، فيها احتقار لكل المغاربة الجامعيين والمحللين الذين ناقشوا قضية ترشح السيد عبدالإله بنكيران، واعتبروه ترشيحا غير قانوني، ونظرا لكوني معنيا بهذا الأسلوب العنصري الذي استعملته السيدة النائبة المحترمة فإنني أوضح لها ما يلي: أولا، إن استعمالك مصطلح أننا "مسَخَّرون" يحمل نوعين من الدلالات، الأولى أننا من الجن، وهذا غير ممكن فنحن بشر، ولا أعتقد أنك تتمثلين المنار اسليمي أمامك بأنه من فصيلة قبائل وأرهاط الجن من الشماشقة الغاوين والطماطمة أولاد إبليس أو أحد أولاد أبو الجن طيكل ومازر، مسَخَّر للهجوم على ترشيح بنكيران، فأنا بشر مسلم يمارس مهنة أستاذ جامعي يوجد ملفه في دواليب الوزارة التي يرأسها وزير من حزبكم.. لا أعتقد سيدتي أنك تقصدين هذا. والله أعلم بما في العقول والقلوب. لكنني متأكد، سيدتي، أنك تقصدين ب"المسَخَّرين" العبيد، وهنا تكمن خطورة مصطلحك.. كيف تجعلين منا نحن الأحرار عبيدا مسخرين؟ ألم تقرئي الدستور سيدتي وأنت التي تدعين أينما حللت وارتحلت أنك تدافعين عن الحرية والديمقراطية؟ هل يعقل أن يتهم ممثل للأمة محللين وجامعيين مغاربة ناقشوا قضية ترشح رئيس الحكومة بالعبيد؟ فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟ وهل يوجد في جميع الديانات السماوية ما يسمح لك سيدتي بوصف الناس ب"السُّخرة" و"العبيد"، ألم تقرئي دستور بلدك ودساتير العالم وإعلانات الحرية؟ وهل يحق لك سيدتي أن تنعتي كل من ناقش قانونيا أو سياسيا قضية ترشح بنكيران ب"المسخر" والسخرة والعبودية؟ إنك سيدتي تسيئين إلى صفتك كنائبة برلمانية ممثلة للأمة، وتسيئين إلى صورة حزبك وإلى حجج الدفاع عن السيد رئيس الحكومة في قضية ترشحه. وأوضح لك أنه لم يسبق في تاريخ المغرب، سواء في سنوات الرصاص أو غيرها، أن اتهم سياسي أو نائب برلماني مواطنا مغربيا ب"السخرة"، التي تعني شيئا واحدا هو العبودية..إننا لسنا عبيدا إلا كنت تعتقدين أننا أصبحنا عبيدا في مرحلة حكومة بنكيران !!! ثانيا، كيف تسمحين لنفسك، سيدتي النائبة، باحتقار الجامعيين والمحللين المغاربة المختلفين معك في قضية ترشح بنكيران، لما تطلبين لهم تكوين أكاديميا على يد محللين فرنسيين وألمانيين وإيطاليين.. إنه احتقار للجامعة المغربية أشتم فيه رائحة الاستعمار والوصاية..هل يصل بك الحد في الدفاع عن ترشيح بنكيران إلى إهانة الجامعة المغربية وخبراتها؟ أنسيت سيدتي أن الدستور الذي تحتجين به لتبرير ترشح بنكيران أعده جامعيون مغاربة؟ لماذا لا تطلبين، سيدتي، وأنت تحتقرين الجامعيين والمحللين المعارضين لترشح بنكيران من وزيرك في التعليم العالي في الحكومة طرد هؤلاء الجامعيين وتعويضهم بفرنسيين وألمان وإيطاليين؟ ألا تعلمين سيدتي أن الجامعيين والمحللين الذين تطعنين فيهم وتحتقرينهم أشرفوا ويُشرفون على مئات الباحثين والأطر من حزبك، ولم يحدث أن وضعوا أمام أعينهم، وهم يقيمون عملهم أو يحضرون في لجن توظيفهم داخل الجامعات المغربية، قضية الانتماء لتقييم المتنافسين.. هذا هو الفرق سيدتي بيننا وبينكم.. إننا لا نحتقر المغاربة ونصفهم بالعبيد والمسخرين لنبرر ترشح شخص واحد هو عبد الإله بنكيران.. إنه تفكير لا أعتقد أنه موجود اليوم في أي دولة في العالم، بما فيها كوريا الشمالية. إلى التليدي والسموني: بنكيران أمام خيارين: الإشراف على الانتخابات أو الاستقالة والترشح أوضح للزميلين التاليدي والسموني أن استعمال نظرية المؤامرة في تفسير كل رأي مخالف يفسد التحليل، فليس لكما أي دليل على أن من كتب ضد الترشح يدافع عن جهة ما، كما أنه لا يوجد باحث يطلب منه أن يكون أخرس وأطرش أمام الخرق القانوني الصريح في قضية ترشح بنكيران..الباحث مطلوب منه المشاركة في النقاش العمومي، سواء كان مع ترشح بنكيران أو ضده. دعوني أقدم لكم بعض الملاحظات حول ما ورد في مقاليكما: أولا، يبدو أنكما لازلتما تنظران إلى بنكيران بكونه وزيرا أول وليس رئيس حكومة، فمقاربتكما في المرافعة كانت من الممكن أن تكون مقبولة قبل خمس سنوات من الآن؛ فالمعطف الدستوري الجديد الذي يلبسه رئيس الحكومة مرتبط بالصلاحيات الدستورية الجديدة التي جاءت في وثيقة 2011.. فهل يعقل أن رئيس الحكومة الذي يمنحه الدستور والقانون التنظيمي سلطة التعيين في آلاف الوظائف لن يكون لذلك تأثير في العملية الانتخابية..؟ واضعو الدستور لما منحوا صلاحيات دستورية واسعة لرئيس الحكومة جعلوا منه سلطة عمومية ذات تأثير في الإشراف على تنفيذ السياسات العمومية، ومنها السياسة الانتخابية، فالفصل 11 من الدستور ينص على أن السلطات العمومية ملزمة بالحياد إزاء المرشحين وبعدم التمييز بينهم.. فمن هو رئيس الحكومة إذا لم يكن سلطة عمومية؟ وهل من الصواب القانوني أن يكون بنكيران في هذه الحالة سلطة عمومية مشرفة على الانتخابات ومرشحا في الوقت نفسه منافسا لباقي المرشحين؟ الأمر يتعلق بضرب للدستور ولقاعدة الحياد وبتمييز بين المرشحين: بين بنكيران وباقي المرشحين في دائرته وخارجها. ومن هي السلطة التي سيستشيرها وزير الداخلية أو وزير العدل أثناء سير الانتخابات إذا لم تكن هي رئيس الحكومة؟ وهل يعقل أن يقدم بنكيران توجيهات لوزير الداخلية ووزير العدل والحريات حول سير الانتخابات وهو في الوقت نفسه مرشح فيها؟ ثانيا، أنتما تحللان وتقارنان مع التجارب الدولية دون الانتباه إلى أن المقارنة خاطئة، لكون التجارب الانتخابية الدولية توجد فيها لجان مستقلة مشرفة عن الانتخابات، ما يحد من تأثير المرشحين الذي يخرجون من سلطة عمومية لممارسة التنافس عن مقعد انتخابي. وهذه اللجنة المستقلة غير موجودة في المغرب، ما دام الدستور يُسند للسلطة العمومية مهمة الإشراف؛ ولا يمكن، والحالة هذه، أن يتملص السيد بنكيران من مسؤوليته في الإشراف بحجة الترشح، لأنه قد يحتج غدا، بعد إعلان النتائج، على وزير الداخلية ووزير العدل، فنصبح أمام حالة انقسام في السلطة العمومية المشرفة على الانتخابات، باحتجاج أعلاها رئيس الحكومة على وزراء مشرفين على الانتخابات من حكومته نفسها. ثالثا، لا يمكن مقارنة ترشح بنكيران بترشح أوباما وأردوغان، هذه مقارنة خاطئة، لكون الانتخابات الرئاسية ليست هي الانتخابات البرلمانية، فبنكيران رئيس حكومة ينزل لحلبة المنافسة في انتخابات برلمانية داخل دائرة جغرافية محدودة، لا توجد فيها آليات تحد من تأثير صفة رئيس الحكومة على قاعدة المساواة مع باقي المرشحين في انتخابات برلمانية. رابعا، بالعودة إلى المناهج الدستورية، يبدو أن الزميل بلال التليدي يُسقط مناهج الفقه الإسلامي على القانون الدستوري، وهذا خطأ فادح، وأدعوه للعودة إلى مقررات اللجنة الدستورية المؤقتة لسنة 1963 في المادة الانتخابية ومقررات الغرفة الدستورية في سنة 1964 لما طبق القضاة المكونين لهاتين الهيئتين المناهج التي يشير إليها الزميل بلال وما نتج عنها من اجتهادات دستورية وانتخابية خاطئة لازالت تدعياتها موجودة إلى اليوم، منها قاعدة لا اجتهاد مع وجود النص التي جعلت عمل اللجان البرلمانية سريا إلى اليوم، رغم تغير الدساتير والنصوص، ما فوَّت على البرلمان فرصة تقديم عمله إلى الرأي العام المغربي خارج الجلسات العمومية.. لقد طبق الفقهاء قاعدة أن المرأة المطلقة وهي حامل وحدها تستحق النفقة على قاعدة جلسات مجلس النواب تكون عمومية، ومنعوا العلنية والعمومية عن عمل اللجان البرلمانية لكون المرأة المطلقة غير الحامل لا تستحق النفقة..إنها مجرد حالة لإظهار القياس والاستنتاج بمفهوم المخالفة الذي قام به الفقهاء في فحص درجة دستورية النظام الداخلي لمجلس النواب في سنة 1964 وعدم صواب تطبيق مناهج القراءات المرتبطة بمجال الدراسات الإسلامية على القوانين الوضعية مثل القانون الدستوري. وأدعوكما معا إلى استحضار القواعد التالية وأنتما تقرآن النص الدستوري: أ- إن القاعدة القانونية هي انعكاس لموازين القوى وليست قاعدة مثالية. وإن القاعدة الدستورية كأسمى قاعدة قانونية تحتاج إلى قراءة تفسر النص وتطعمه من حقل علم السياسة والسوسيولوجيا والانثروبولوجيا والدراسات الأمنية والإستراتيجية في لحظة تفسيرها وتأويلها.. والتفسير ليس هو التأويل؛ لأن التأويل هو مد الجسر الضروري بين القاعدة الدستورية والنص القانوني الأدنى درجة منه بمناسبة حدث معين أو واقعة معينة؛ لذلك أدعوكما إلى استعمال مناهج التأويل التحفظي، وهي عديدة، منها التأويل التحفظي الإنشائي أو التأسيسي والتأويل التحفظي التحييدي والتأويل التحفظي التوجيهي، وداخلهما توجد المئات من القواعد التي تشرح لكما الفصل 30 والفصل 11 من الدستور. ب- أدعو الزميل الأستاذ السموني في محاكمته للأكاديميين أن يعود إلى قراءة القواعد السوسيولوجية التي وضعها ماكس فيبر، منها قاعدة الحياد القيمي الموصوفة ببناء ضرورة وضع المسافة مع الحدث أو الظاهرة؛ فالزميل بلال يعلن انتماءه إلى حزب العدالة والتنمية.. أما الزميل خالد السموني فلا أعرف لماذا يُنكر الانتماء الحزبي إلى العدالة والتنمية وهو حق مشروع،الواضح أنه تخوف من "السقوط المدوي" باختياره الإعلان أنه من أشد المنتقدين لسياسة السيد رئيس الحكومة وهو تمويه خطير يُمارس على القارئ في محاولة لبناء حياد غير موجود في حجج عاطفية لا علاقة لها بالقانون!! أيها السادة، الوطن أكبر من ترشح بنكيران، فالفتنة الانتخابية قريبة، وأدعوكم إلى تقديم نصيحة للزعيم عبد الإله بنكيران، الذي احترمه كشخص وكرئيس حكومة، وأن تنصحوه بأحد الخيارين: إما الإشراف على الانتخابات أو تقديم الاستقالة والترشح في سلا أو يعقوب المنصور أو غيرهما.. أيها السادة انصحوا السيد عبد الإله بنكيران بأن مقعدا واحدا يُمكن الحصول عليه بدون ترشحه في دائرة سلا، لكن تخليه عن مسؤوليته في الإشراف على الانتخابات علامة على أن القادم سيكون أسوأ؛ لأننا نواجه أخطر انتخابات في تاريخ المغرب، وأول انتخابات عادية بعد دستور 2011.. إنها انتخابات لا تحتمل هروب بنكيران من مسؤولية الإشراف إلى الترشح؛ فأنتم تخلقون فراغا لا يُفسر إلا بشيء واحد هو أنكم تستعدون للاحتجاج على الانتخابات في حالة هزيمتهكم، وقد بدأتم الاحتجاج على وزارة الداخلية قبل إعلان ترشح بنكيران.. لكن انتبهوا، فالقول بعدم قانونية ترشح بنكيران لا يعني هزيمة حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة.. وإذا كنتم قرأتم المقالات القائلة بعدم قانونية ترشح بنكيران على أنها إعلان لهزيمة العدالة والتنمية في السابع من أكتوبر، فكونوا على يقين أنكم صنعتم الزعيم، وبات لديكم اعتقاد تتمثلون من خلاله أن فوزه أكبر من القانون والوطن، وهذه هي مقدمة الفوضى القادمة. *رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات