حتى الثعابين تغير جلدها، لكنها لا تغير سلوكها العدواني على غيرها...هل هو عمى السلطة والمال، أم تحدي الأصوات الشعبية المتعالية والمتزايدة، أو الاطمئنان إلى تلك الخصوصية المغربية التي تغنوا بها وكونه بمنأى عن تلك الأمواج الضاربة في شواطئ المتوسط وفي عمق الصحراء... ؟ أيا كانت الأسباب يستمر العديدون في إنتاج "الماركة المسجلة" للفساد الإقتصادي والإداري والسياسي بالمغرب، غير آبهين بعشرين فبراير وتاسع مارس والإصلاحات الدستورية والحراك الشعبي، وتستمر الاجندة الفردية لمختلف هؤلاء في الدوران الطبيعي لعجلتها غير آبهين بما يجري حولهم وكأن الحراك مجرد طواحين هواء. فمنير الماجدي مدير الكتابة الخاصة للملك محمد السادس لم يتوقف في تمديد وتمطيط وتوسيع أخطبوطه، ولم يوقف طريقته المميزة في الترامي على أراضي الملك العام، ولا أوقف توظيف أجنحته المقربة، ولاة وعمال...، في الضغط على مختلف الجهات والمؤسسات في تدبير العديد من الملفات.
كانت آخر المواقع التي وضع فيها الماجدي أياديه الطويلة والممدودة في "فعل الخيرات"، مستعملا كاتم الصوت في حبس أنفاس مدينة بأكملها، بموازاة الحراك الشعبي والمطالبات المتتالية والمتعالية والمتصاعدة بمحاسبته ومحاسبة المربع الملكي، كانت هي مدينة أكادير "مطالبا" بتفويت إحدى البقع الأرضية، ودخل الماجدي في صدام مع المجلس البلدي للمدينة عبر الآليات التي يستعملها المتنفذون في وطن الإقطاع.
البقعة الأرضية التي يضغط منير الماجدي للحصول عليها كانت في مخطط المجلس البلدي عبارة عن أرضية لإقامة منتزه للسكان، وتوجد في حضن أراضي أخرى وزعتها شركة "العمران" على متنفذين وعلى "المنعشين العقاريين" كبار بأثمنة رمزية بلغت ثلاثمائة درهم للمتر المربع، في منطقة تعرف أثمنتها بالارتفاع.
ولم يتوقف نفوذ مدير الكتابة الخاصة للملك عند هذا الحد، فقد قام الوالي الهمام بأمر من الماجدي بإزالة كل اللوحات الإشهارية المنتشرة في مدينة أكادير، والإبقاء على اللوحات التي تحمل توقيع (fc com، إف سي كوم)، الشركة التابعة لمنير الماجدي، فيما لم يسمح لبقية الشركات، في احتكار واضح لسوق الاشهرات، وفرض للفواتير التي تؤديها الشركة على كافة الجهات المعنية، مجلس بلدي وسلطات الوصاية...
وغير بعيد عن فضيحة الماجدي، فجر الأمير مولاي سليمان ملفا آخر في نفس الفترة، حين نزل بثقله على المجلس البلدي للمدينة قصد تحويل بناء إحدى البقع الأرضية في مدينة أكادير، وبقي شد الحبل بينه وبين رئيس المجلس البلدي، بين مطلب الأمير وبين مخطط التهيئة الذي لا يشمل البقعة المعنية.
فلماذا صمت أعضاء المجلس البلدي ومعهم مسؤولو المدينة، وطأطئوا جماجمهم، وكأن على رؤوسهم الطير عن الفضيحة، وهم ينظرون إلى الماجدي يتجاسر على أراضي الملك العام، كما فعلوا وفعل المجلس العلمي الأعلى في قضية منير الماجدي وهو يستولي على أراضي الأوقاف في تارودانت قبل بضع سنوات ؟ وهل يصمت النواب البرلمانيون مجددا أمام الضغط الذي يتعرض له بعض المسئولين قصد تفويت البقعة، والسماح للأمير بفعل ما يشاء فوق القانون؟.
تحت هذه العناوين فقط تظهر الحقيقة المرة والمؤكدة، والتي توضح الهدف الرئيسي من إقامة موازين والإصرار على تمريره بأموال الشعب، وتحت نفس الخطوط ونفس الكلمات تظهر مرارة الحقيقة حول الدوافع التي جعلت الأوامر تأخذ مسلكها عبر الهواتف النقالة لتكسير عظام المئات قبل أن يتجمعوا للاحتجاج على معتقل تمارة السيء الصيت، وتهشم جماجمهم، وهي التي لم تمتثل لفعل الإشارة المطلوبة والإيماء ب"نعم" عوض "لا" الرافضة للاستبداد، وما يثير في أحداث الأحد استخدام الإعلام العمومي، وخاصة وكالة "بوزردة" للأنباء، عبارة "المتطرفين" وقامت بتوزيعها على محتجي تمارة وفاس وغيرها من المدن، في تطور جديد يرجى منه التنفير من حركة العشرين من فبراير، وإيجاد غطاء لتبرير العنف على المستويين الشعبي الداخلي، والخارجي.
واقع يؤكد أن "التغيير" في وطننا لم يصل بعد مرحلة قطف الثمار والحديث عن الخواتم وكيفيتها، والأهداف ومدى تحققها، والنتائج ومدى مطابقتها للمسطر على مستوى المطالب، بقدر ما يشكل وسائل إثبات تلك المطالب التي رفعتها حركة العشرين من فبراير، وضرورة مواصلة النضال من أجلها، بغض النظر عن طبيعة الثمن.