كشفت منظمة "مراسلون بلا حدود" تقريرها الجديد الذي يعد بمثابة تحقيق عن المجموعات الاقتصادية التي تتحكم في وسائل الإعلام العالمية، واختارت له عنوان "النخب الأوليغارشية في موسم التسوق الإعلامي"؛ وفيه تظهر كيف يتحكم أصحاب المال في وسائل إعلام عالمية من أجل الحفاظ على مصالحهم، أو التأثير على صناع القرار. كما يظهر التقرير الذي جاء في 60 صفحة أن الدول الكبرى في العالم لم تسلم من هذه الظاهرة، ويقدم صورة عن رجال أعمال استغلوا إمبراطوريات إعلامية من أجل مصالحهم الشخصية، كما هو بالنسبة لرئيس الوزراء الإيطالي السابق، سيلفيو بيرلوسكوني، الذي اعتبره "استغل سلطاته السياسية والاقتصادية من أجل تحوير والتأثير في المعلومة والأخبار، ليس فقط في إيطاليا وإنما في كل دول الاتحاد الأوروبي". وليست إيطاليا الوحيدة التي تعيش هذه الظاهرة، فالتقرير يتحدث عن فرنسا، وعن عائلة "داسو" التي تعد خامس أغنى عائلة فيها، والتي تمتلك مجموعة صناعية عملاقة تحمل الاسم نفسه، متخصصة في صناعة الطائرات المدنية والعسكرية، مضيفا أن سيرج داسو يترأس شركة "Socpresse"، وهي الشركة التي تصر جريدة "لوفيغارو"، ويعد من المتعاطفين الأقوياء مع اليمين المحافظ في فرنسا. ويرصد التقرير ذاته كيف أن السيادة حاليا أصبحت لأباطرة التكنولوجيات الحديثة والشركات العملاقة الجديدة التي تشتغل في "النت"، والتي بدأت تأخذ مكان الأسر الكبيرة التي أنهكتها الأزمة الاقتصادية، وباتت غير قادرة على مواكبة الاستثمارات التي يتطلبها قطاع الإعلام، مؤكدا أن "الأوليغارشيين الجدد" الذين يتحكمون حاليا في الإعلام لهم استثمارات في قطاع الاتصالات والأبناك والصناعة. وتحدث التقرير ذاته أيضا عن "حوت الإعلام الكبير"، الفرنسي الإسرائيلي، باتريك دراهي (الصورة)، الذي يعد تلميذ جون مالون، الذي يعتبر سيد تلفزيون "كابل" في الولاياتالمتحدة، وزاد مستدركا: "التلميذ بدأ يتفوق حاليا على أستاذه، وبدأ في شراء العديد من شركات تلفزيون "كابل" في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأصبح هو صاحب رابع أكبر شركة تزود الأمريكيين بهذه الخدمة. وقبل عامين قام دراهي بعملية شراء عملاقة لعدد من وسائل الإعلام الفرنسية، انطلاقا من قناتي (BFM TV –I24NEWS)، وإذاعة (RMC).. وفي الصحافة المكتوبة قام باقتناء جريدة "لبراسيون" التي أصبح فيها المساهم الرئيسي، وقام باستثمار 18 مليون أورو فيها، وفي "لكبريس"؛ كما قام بشراء عدد من المجلات المتخصصة في العديد من المجالات". بيد أن وصول دراهي إلى رئاسة وسائل إعلام فرنسية كانت له فاتورة على طاقمها الصحافي؛ ففي صحيفة "لبراسيون" غادر نصف الصحافيين بعد وصول الرئيس الجديد، يضيف المصدر ذاته. شخصية أخرى باتت تتحكم في العديد من وسائل الإعلام الفرنسية، حسب التقرير ذاته، ويتعلق الأمر بفانسونبولوري، الذي تم تعيينه على رأس المجموعة الصناعة "فيفاندي"، والذي يتحكم في كل من قناة (Canal +، Itélé)، وأيضا الصحيفة المجانية (Direct Matin). واستقبل وصول رجل الأعمال الجديد إلى المجموعة بالعديد من الاحتجاجات من طرف الصحافيين الذين أكدوا أنه يتدخل في عملهم، ومنذ وصوله صرح بأن ما يهمه هو الربح والوصول إلى الجمهور العالمي، وذلك بالتركيز على المشاهير، عوض رجال السياسة والمثقفين وحتى المسؤولين الدينيين، يضيف المصدر ذاته. نموذج آخر، وهذه المرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويتعلق الأمر بجيف بيزس، مدير شركة "أمازون" التي تعد أكبر شركة في العالم للبيع عبر الإنترنت، الذي قام سنة 2013 بشراء جريدة "واشنطن بوست" الأمريكية بمبلغ 250 مليون دولار، التي ظلت لعقود في ملكية الأسرة الأمريكية العريقة "كراهام". وتحدث التقرير ذاته أيضا عن رجل الأعمال المصري نجيب ساوريس، الذي يعد من أغنياء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويتوفر على إمبراطورية إعلامية، قائلا إنه قام باستغلال هذه الإمبراطورية الإعلامية لصالح النظام المصري الحالي، ورئيسه عبد الفتاح السيسي، ومشيرا أيضا إلى الأمير الوليد بن طلال، الذي قال إنه يستثمر هو الآخر في الكثير من وسائل الإعلام، ويتوفر على مجموعات إعلامية لها تخصصات متعددة، وتعد من أكثر وسائل الإعلام متابعة وتأثيرا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكشف التقرير ذاته أنه في العام 1983 كانت حوالي 50 شركة تتحكم في 90 في المائة من وسائل الإعلام، قبل أن يتحول الأمر في سنة 2011 إلى ست شركات تحتكر ملكية جل وسائل الإعلام في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهو التوجه نفسه الحاضر حاليا حتى في أوروبا، قبل أن يشير إلى الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في روسيا؛ ذلك أن جل المتحكمين في وسائل الإعلام الكبرى فيها هم رجال أعمال وصناعيون معروفون بقربهم من الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين، ويسخرون وسائل الإعلام لصالحه حفاظا على مصالحهم الاقتصادية. كما قدم التقرير ذاته مثالا آخر من الهند، حيث 800 قناة هندية، أغلبها ذات طابع إخباري، في ملكية مجموعات اقتصادية هندية كبيرة. ويؤكد التقرير ذاته أن شركات اقتصادية كبرى هي صاحبة الكلمة الأخيرة في المشهد الإعلامي العالمي، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية هناك "الكبار الستة" الذين يتحكمون في كل المشهد الإعلامي الأمريكي، ويتعلق الأمر بشركات: "Comcast، Walt Disney News Corporation، Time Warner، Viacom et CBS...". وبالتأكيد فإن التقرير لم يفته الحديث عن إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، الذي يتحكم في شبكة إعلامية عابرة للقارات، وسبق أن تورطت وسائل إعلام تابعة له في العديد من الملفات، حيث كان هدفه هو التأثير على القرار السياسي في بلد المعين.