بحضور لفيف من الشعراء والنقاد والمثقفين من المغرب ومن إفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا، جرى تكريم الشاعر المغربي محمد بنيس، في رابع أيام الدورة الثامنة والثلاثين من موسم أصيلة الثقافي الدولي، والذي خُصِّص بالكامل لتكريم الشاعر المغربي، عرفانا له على ما أسداه للتجربة الشعرية المغربية والعربية. محمد بنعيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، قال، في مستهلّ الكلمات التي ألقيت في حق الشاعر المكرّم، إنّ إنتاج الشاعر محمد بنيس، المشهود له بالتميز والتجديد، يعتبر إحدى أدوات التعريف بالثقافة المغربية الحديثة خارج حدود الوطن، مشيدا ب"شمائله الإنسانية وروح الديمقراطية التي تسكنه". وتوقف بنعيسى عند لحظات الاختلاف الفكري بينه وبين الشاعر محمد بنيس، فرغم اختلاف المواقف من القضايا المطروحة للنقاش بينهما، إلا أن حبل الحوار ظل ممتدا، وقال في هذا السياق: "لقد اختلفنا فكريا؛ كان صريحا وجريئا في انتقاداته غير مجامل ومن دون تحامل في مواقفه التي تفهّمناها في حينها". واعتبر رئيس بلدية أصيلة أنّ تكريم الشاعر المغربي محمد بنيس يعني أنّ النخب المغربية وصلت إلى مستوى من النضج الفكري والسمو الأخلاقي، فأصبحت تضع خطا فاصلا بين مواقف المثقف وبين العلاقات الإنسانية، "التي يفترض أن تحكم روابطنا باعتبارها الترجمة الموضوعية لما أصبح متداولا في المحافل والمنتديات الفكرية، ونقصد به الحق في الاختلاف". من جهته أشاد الروائي التونسي حسونة المصباحي بالعزيمة التي تحلى بها الشاعر محمد بنيس لرسم مساره الشعري المتفرد والخاص به في بداياته؛ إذ بدأ في مرحلة من تاريخ المغرب وصفها الروائي التونسي ب"الصعبة" في بداية الاستقلال؛ حيث كانت نسبة الأمية مرتفعة، وكانت النخب منغلقة على نفسها وميّالة نحو لغة المستعمر. واسترسل الروائي التونسي أنّ اللغة العربية التي بدأ بها الشاعر المغربي محمد بنيس مساره الشعري كانت، وقتذاك، سجينة التقليديين والمحافظين، وكانت مفصولة عن الواقع والحياة، وكانت لغة "اليُبس والجمود ولغة الشيوخ"، مضيفا أن بنيس، الذي عانى من اليُتم بموت أمه وهو لا يزال بعدُ صبيّا، "انبثق من الخراب، من عالم قديم خربت بُناه وخرائب لغة تكلست وعجزت عن المسك بالواقع الجديد". ووقف الشاعر البحريني قاسم حداد عند تجربة الشاعر المغربي محمد بنيس، قائلا إنها تجربة نوعية أصبحت نموذجا ممتازا ينظر إليه الكثيرون في المشرق العربي باحترام وتقدير كبيرين، معتبرا أن اختلاف تجربته الشعرية ساهمت في خلخلة ما يعاني منه المشهد الأدبي العربي من تشابه حدّ التطابق. وتميز حفل تكريم الشاعر المغربي محمد بنيس، فضلا عن الكلمات التي ألقاها بالمناسبة شعراء ونقاد ومثقفون مغاربة وأجانب، بقراءات شعرية لعدد من الشعراء بلغات مختلفة، اختتمت بقراءة شعرية للشاعر المحتفى به. وعن تكريمه في الدورة الثامنة والثلاثين من موسم أصيلة الثقافي الدولي، قال الشاعر المحتفى به إنّ التكريم ليس مناسبة للاحتفال فقط، بل مناسبة لربط علاقات إنسانية جديدة، وفرصة للنقاش والحوار، مضيفا: "نحن بحاجة لمن يتأمل ما كتبناه وما أنجزناه، وإلى سماع أشياء لم نتعوّد على سماعها".