إذا أردنا أن نختار عنوانا كبيرا وموجزا لهذه المرحلة السياسية وللقادم من الأيام، فربما لن نجد أفضل من كلمة: الغموض... فلا الرأي العام ولا الطبقة السياسية يتوفران على رؤية، ولو عامة، للمرحلة السياسية القادمة. متى سيُنظم الاستفتاء على الدستور القادم؟ هل سيتم حل الحكومة والبرلمان والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها تماشيا مع مقتضيات الدستور الجديد؟ أم ستستمر حكومة عباس إلى نهاية ولايتها؟ من سيدير المرحلة الانتقالية الفاصلة بين استقالة حكومة عباس وإعادة تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية، حكومة تصريف أعمال تكنوقراطية أم حكومة وحدة وطنية؟ هل ستشرف وزارة الداخلية على الانتخابات القادمة أم إن واضعي الدستور سيأخذون بمقترح تشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات تحت أنظار القضاء للقطع مع المرحلة السابقة؟ لماذا يستعجل وزير الداخلية تمرير اللوائح الانتخابية وهو يعرف أن ملايين المغاربة غير مسجلين في القوائم الموجودة في إقامة ليوطي والموروثة عن إدريس البصري، مهندس تزوير الانتخابات؟ وما الحاجة أصلا إلى هذه اللوائح المشبوهة إذا كنا سنعتمد البطاقة الوطنية في التصويت، فيكفي وزير الداخلية أن يعتمد لائحة المغاربة الذين يتوفرون على البطاقة الوطنية الموجودة في حوزة مدير الأمن، الشرقي الضريس، دون الدخول في متاهات اللائحة إياها؟ هل تحريك المتابعة في ملفي عبد الحنين بنعلو وخالد عليوة بداية لفتح ملفات الفساد الكبرى أم لا؟ وهل الدولة عازمة على التجاوب الكلي مع مطالب الشارع أم إنها تجاريه جزئيا إلى غاية أن «تهدأ الدماء» في عروق الشباب؟ هل مجلس المنافسة، الذي يرأسه عبد العالي بنعمور، سيشرع قريبا في قطع رؤوس اقتصاد الريع والامتيازات غير المشروعة؟ وهل سيفتح ملف «الكريمات» بكل أنواعها وأراضي الدولة الفلاحية والعقارية التي فوتت في ظروف مشبوهة، أم إنه سيغرق في الدراسات النظرية والأبحاث الأكاديمية ودروس تعريف الريع والامتيازات وقوانين السوق؟ هل هناك دفعة ثانية من المعتقلين السياسيين الذين سيغادرون السجن أم لا؟ كثيرة هي الأسئلة التي بلا جواب، وهذا الغموض تتحمل مسؤوليته الدولة والأحزاب معا. الدولة لا تريد الوضوح مع الناس حتى يبقى أمامها هامش المناورة واسعا بلا حدود، والأحزاب لا تملك الجرأة لتقول للسلطة في البلاد إننا نريد خارطة طريق واضحة، ولا نرغب في استمرار لعبة فك رموز الإشارات وقراءة الفنجان... أحزابنا لا تشعر بأنها شريك في إدارة البلاد، وهي نفسها مقتنعة بأنها رهن إشارة إرادة فوقية، وأنها أحزاب تساعد ولا تبادر، وتُستشار ولا تقرر، تنفذ ولا تخطط. قديما قال المتنبي: «ومن يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام». * صحفي مدير نشر "أخبار اليوم" المغربية