تجري يوم 23 يوليوز الحالي أول انتخابات للقضاة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية الذي استحدثه دستور 2011 ليعوض الهيئة القديمة المجلس الأعلى للقضاء. التغيير الذي أتى به الدستور لم يطل التسمية فقط بالانتقال من وظيفة قضائية إلى سلطة قضائية، و إنما شمل أيضا تغييرا أساسيا في التشكيلة و الاختصاصات. فبالنسبة للتشكيلة لأول مرة أصبح المجلس منفتحا على أعضاء من خارج القضاء و يتعلق الأمر بممثلي مؤسستي المجلس الوطني لحقوق الإنسان و الوسيط وكذا الشخصيات الخمسة التي يعينها الملك. وفيما يتعلق بالاختصاصات فإن دور المجلس لم يعد منحصرا في تدبير الوضعية الفردية للقاضي و إنما تجاوزه إلى عدة صلاحيات أخرى تعزز منحه استقلال ماليا و إداريا. من هذه الصلاحيات: -وضع نظام داخلي خاص به. -سن مدونة للأخلاقيات القضائية. -إعداد تقارير حول وضعية القضاء و منظومة العدالة. -إلزام الجهات المختصة بتمكين المجلس من المعلومات و المعطيات و الوثائق التي من شأنها مساعدته على أدائه مهامه. -إبداء رأيه بخصوص كل مسألة تتعلق بالعدالة عندما يطلب منه ذلك ولاسيما مشاريع ومقترحات القوانين المتعلقة بوضعية القضاء ومنظومة العدالة واستراتيجيات وبرامج الإصلاح في مجال العدالة... إن الانتقال من الوظيفة التقليدية إلى الوظيفة الجديدة و ما رافقه من تغيير نسبي في العقليات القضائية التي صارت تميل إلى الانفتاح أكثر على طرق التدبير الحديثة و تتوق إلى تكريس الشفافية فرض ظهور نخبة جديدة تحاول طرح نفسها كبديل ضمن الفئة الممثلة للقضاة المنتخبين. في هذا السياق لوحظ و لأول مرة ترشح العديد من القضاة الشباب لأول مرة ينافسون قيادمة القضاة و لو في فئة محاكم ثاني درجة. كذلك لوحظ مشاركة الجمعيات المهنية القضائية و لو بشكل غير مباشر في هذه الانتخابات بعدما كانت الانتخابات السابقة تجري تحت هيمنة جمعية مهنية واحدة. وانطلاقا من التنافس الحاصل بين مترشحين من نفس الفئة يحملون نفس المرجعيات ونفس الأهداف ولا يملكون صلاحيات خاصة ضمن المجلس يحق لنا التساؤل عن الغاية من هذا الصراع الانتخابي؟ إن المتتبع للمشهد القضائي منذ تولي الأستاذ عمر عزيمان منصب وزير العدل في أواخر التسعينات، علما بأن هذا المنصب كان يخول الوزير النيابة ن الملك في ترؤس و تسيير أشغال المجلس، يدرك بأن لهذه المؤسسة دور كبير في مسلسل إصلاح منظومة العدالة بصفة عامة و سلطة القضاء بصفة خاصة. فمن خلال توزيع المسؤوليات القضائية وتسيير سلطة التفتيش وتدبير ملفات الانتقالات والترقيات وكذا الإشراف على الانتخابات المهنية عرف الجسم القضائي تحولا نوعيا في طريق تبني أسس معيارية أكثر وضوحا و إن كانت تعرف تراجعا و تذبذبا من دورة لأخرى. و لعل الوظائف الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وانفتاحه على شخصيات قانونية و حقوقية أخرى تضع أمام القضاة المنتخبين رهانات جديدة تفرض عليهم أن يكونوا في المستوى المأمول بعدما عانوا في الماضي من عقدة الدونية في مواجهة وزير العدل والأعضاء الدائمين بحسب ما كان يروج في الأوساط القضائية. فأي منتخب سيتبوأ مقعده في المجلس الأعلى للسلطة القضائية يجب أن يكون قويا ومستقلا بما فيه الكفاية للتعبير عن آرائه بكل حرية في كل قضية تهم وضعية القضاء ومنظومة العدالة وأن يتخلص من الإرث التقليدي السابق الذي كان يكبل العضو المنتخب و يقزم حجمه. و لهذا لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون أغلب الأعضاء المنتخبين من عناصر الإدارة القضائية أو قضاة النيابة العامة الذين استأنسوا عقلية التعليمات و منطق التبعية و غابت عنهم ملكة. و من شروط القاضي المنتخب أن تكون له نظرة مستقبلية و فكرا نقديا يستطيع أن يشخص به اسباب المشاكل التي يعاني منها القضاء و يقترح الحلول و المخارج المناسبة لها، و ألا يفقد ارتباطه بهموم الناخبين الذين عقدوا عليه آمالهم في الدفاع عن حقوقهم لأنهم شرعيته الديمقراطية التي تعطيه قوة أكثر للمواجهة و عدم التفريط في النضال من أجلهم. يجب على العضو المنتخب أن ينجح في التواصل مع الفئة التي يمثلها كما نجح في التواصل خلال حملته الانتخابية و أن ينفض عن المجلس غبار الكتمان والسرية التي لا تطال سوى المداولات والمعلومات الشخصية، ما عدا ذلك من الأمور التي تهم وضعية القضاء في مختلف جوانبها يجب أن تكون محل تواصل دائم و تفاعل مستمر. و لا شك أن نظافة ورقي الحملات الانتخابية وحجم المشاركة سينعكس على نتيجة انتخابات أعضاء المجلس الذي لم يعد مجلسا مهنيا محضا وإنما أصبح مؤسسة منفتحة على فعاليات مجتمعية متنوعة. و أنه من خلال نتيجة هذه الانتخابات يمكن أن نقيس مجددا مدى التغيير الذي أحدثه دستور 2011 بعد خمس سنوات من صدوره. *قاض بالمحكمة التجارية بفاس