في مداشر وقُرى الجنوب الشرقي، مازالت قبائل تحتفظ بتقاليد زواج ضاربة في القدم، مصرة على تنظيم زيجات أبنائها وفق الدساتير الشفوية التي تركها الأجداد، وظلت تنتقل بالتواتر جيلا عن آخر. وحسب الطالب الباحث في شعبة الأمازيغية بجامعة ابن زهر حساين محمد، فإن ليلة الدخلة لدى قبيلة أيت عطا تكون في اليوم الأول من العرس.. وإن كانت هناك اختلافات طفيفة في طقوس الزواج بين "فخذاتها"، إلا أنها تتفق حول السمات العريضة لتنظيم الزيجات؛ وهي طقوس كثيرة تدوم ثلاثة أيام، يبسطها حساين من صاغرو، في حديثه مع جريدة هسبريس الإلكترونية. "أسوكز" يسمى اليوم الأول من العرس "أسوكز"، وهو اليوم الذي تصل فيه العروس إلى بيت زوجها؛ وسمي كذلك نسبة إلى "إنزالها" من الجواد أو البغلة أو السيارة، حسب المسافة بين منزل أهلها ومنزل زوجها، وكذلك حسب المتوَفّر من وسائل النقل. وجرت العادة أن يختار قدماء أيت عطا يوم الاثنين أو الخميس لانطلاق أعراسهم، لما في ذلك من بركة حسب اعتقادهم؛ إلا أن تزامن "أسوكز" مع يوم آخر لا يفسد للعرس قضية. يبدأ هذا اليوم بوصول موكب العروس رفقة "إسناين".. بعد إنزالها من الدابة أو من مقعد السيارة، وسط الأهازيج و"إحلاكسّاتن"، تلج العروس ومرافقاتها، اللواتي يسمين "تِيمْنْفْكين"، بيت العريس أو "تخامت"، وهي خيمة تقليدية، هناك من يصر إلى حد الساعة على نصبها خارج المنزل، حفاظا على تقاليد الأجداد. تقوم العروس بوضع القليل من السمن الحر في عتبة بيت زوجها، أو في مدخل الخيمة، تعبيرا عن حسن نيتها، وأنها لا تحمل للزوج وعائلته سوى الخير والبركات.. الدخلة في مساء اليوم الأول، بعد وجبة العشاء، يتم تنظيم رقصة "أحيدوس"، ويقوم "أسناي" باستغلال انشغال الناس بتتبع الرقصة ليطلب من "تِمْنْفكْتْ" مرافقة العروس نحو بيت زوجها لفض بكارتها. جرت العادة قديما أن يجلس "أسناي" و"تِمنفكت" رفقة الزوجين في مائدة واحدة لشرب الشاي، كنوع من تقريب وجهات النظر وخلق الألفة بينهما، لاسيما أن هذا اللقاء بالنسبة للكثير من العرسان يكون الأول من نوعه.. يقوم العريس بنزع خيوط خاصة، يتم عقدها بأصابع عروسه، لعل ذلك يخلق بعض الدعابة بينهما، لاسيما بالنسبة لشخصين لم يسبق لهما أن تعارفا، ولعل الأمر أيضا يخلق جوا من الألفة، ويساعد على تهدئة النفوس استعدادا لفض البكارة.. يبقى "أسناي" في خدمة العريس، وتبقى "تمنفكت" في خدمة العروس، طوال تلك الليلة، مع تقديم النصح والإرشادات الجنسية، ولا يحلو لهما الطعام والشراب ما لم تنته الليلة بما يبين "عذرية العروس" و"فحولة العريس"، ودون ذلك فإنها ستكون طويلة جدا.. العذرية غشاء البكارة في نظر قبيلة "إلمشان" كما يؤكد الباحث محمد احساين هو الحجة الوحيدة التي تثبت عفة الفتاة وطهرها، لذلك لا بد من إشهار وإعلان الخبر أمام الملأ، بواسطة قطعة ثوب عليها أثار دم العذرية، وفي هذه اللحظة بالذات تطلق أم العروس أربع زغردات متتابعة، كإعلان رسمي عن فض البكارة، إلا أن هذه العادة لم يعد لها وجود في الوقت الحالي. يحدث أحيانا ألا يوفق العريس في فض بكارة عروسه، لأسباب نفسية أو هرمونية، إلا أن الأهل يرجعون ذلك إلى السحر والحساد الذين يتربصون به، لذلك يمنحونه فرصة أخرى في الليلة الموالية. وكثيرا ما يتم استقدام "فقيه" ليقرأ بعض الأذكار والقرآن، لعل ذلك ينفع في معالجة المشكلة. قديما، إذا وجد العريس عروسه غير عذراء، فإنه لا يتم تكذيبه، وإذا ما أعلن ذلك أمام الملإ فإن سلطة القبيلة تجبر أب العروس وأهلها على أداء كل تكاليف الزواج، وتتوقف جميع الاحتفالات، وتتعرض الفتاة لأشد العقوبات، ومنها القتل! في السنوات الأخيرة، يتم الاتفاق بين أسرة العريس وأسرة العروس على الصمت إذا ما وجدت العروس ثيبا، على أن يتم الطلاق بالتراضي مباشرة بعد العرس، ما يحفظ بعض ماء الوجه. أما إذا قام العريس بفض البكارة في الليلة المحددة دون أي تأخر، ولا مشاكل، فإن مكافأة تنتظره في اليوم الموالي، بأن تُذبح شاة على شرفه، إعلانا أن الأمور على ما يرام؛ ولذلك يسمى اليوم الموالي في أعراف أيت عطا "تاغرسا ن وولي". أَمْزِيدْ إذا كان اليوم الأول اختبارا للعروسين في العذرية والفحولة، فإن اليوم الثالث يكون بمثابة اختبار للعروس من حيث جمالها، وللعريس من حيث ذوقه. في مساء اليوم الثالث، يجتمع كل سكان الدوار لرؤية العروس التي ستقوم لأول مرة بكشف وجهها للعموم، في طقس خاص، ويكون ذلك في الغالب قبيل غروب الشمس، إذ تحمل آنية بها ماء وحبات لوز، تقوم بنثرها في الغالب قرب ساقية ماء، أو في أي مكان يُتّفق عليه، فيقوم العزاب والعازبات بالتقاطها طلبا للبركة والحظ. تقوم العروس بنثر تلك الحبات بعد أن تكشف وجهها لأول مرة، لتسمح بذلك لنساء الدوار بإطلاق التعليقات السرية والعلنية في ما يخص تقييم جمال وجهها وقوامها، وذوق عريسها..