ما أحوجنا إلى ثقافة الاعتراف، فالاعتراف فضيلة وإنصاف، وهو باعثنا للاحتفاء بين الفينة والأخرى بالأعمال القيّمة التي تكلّف أصحابها عناء البحث لتقديمها للقارئ الكريم، وما قلمنا إلا حلقة وصل بين هؤلاء وأولئك. صدر للسوسيولوجي المغربي الدكتور "محمد عبابو" كتاب مهم بعنوان "سوسيولوجيا الصحة (مقاربات نظرية)" ليمثل إضافة نوعية للخزانة السوسيولوجية المغربية والعربية بالنظر إلى شحّ الكتابات باللغة العربية حول هذا التخصص المعرفي الذي ما زال في طور البناء في العالم العربي. انبرى لتقديم هذا الكتاب، السوسيولوجي المغربي الدكتور "عبد الرحمان المالكي" رائد السوسيولوجيا الحضرية بالمغرب، حيث سيؤكد على أن مهمة عالم الاجتماع اليوم هي "البحث عن العلاقة بين المرض والصحة والفرد والمجتمع"، مستحضرا كون "الأستاذ محمد عبابو من أول الباحثين المغاربة الذين اهتموا بالبحث في هذا المجال نظريا وميدانيا". ويتكون هذا الكتاب من 112 صفحة مقسّمة على ستة فصول سنحاول إعطاء لمحة عنها بتركيز شديد؛ جاء الفصل الأول بعنوان "تطور الفكر السوسيولوجي حول الصحة"، حيث سيتساءل الباحث "كيف ومتى بدأ الفكر الاجتماعي ثم السوسيولوجي يهتمان بمسألتي الصحة والمرض؟" وسيجيب عن السؤال باستحضار بدايات اهتمام الفكر الاجتماعي بالمرض والصحة كإرهاصات أولى لتشكل علم الاجتماع الطبي الذي سيفصل الباحث في نشأته وموضوعه وغايته. أما الفصل الثاني والمعنون ب "تطور المقاربات السوسيولوجية للصحة والمرض" فقد جعله الباحث مدخلا لتعداد مختلف المقاربات السوسيولوجية للصحة والمرض، حيث سيقف على تنوع الاجتهاد النظري حول الموضوع، والذي أرجعه لتعدد الثقافات والجماعات والأفراد، وكذلك لاختلاف مستويات التقدم الطبي، ليبقى المبدأ الأساسي الذي تتفق حوله جل المقاربات هو كون "فهم الممارسة الطبية مشروط بوضعها في إطار النسق الثقافي/ الاجتماعي السائد. سينتقل الباحث في باقي فصول الكتاب للتفصيل في مختلف المقاربات التي مهد لها في فصله الثاني، حيث سيخصص الفصل الثالث ل "المقاربة الوظيفية في السوسيولوجيا الطبية" بالوقوف على النموذج التوافقي للعلاقة بين الطبيب والمريض، ثم على دور كل من الطبيب والمريض وكذا حدود الممارسة الطبية. ليخصص الفصل الموالي للحديث عن "المقاربة التفاعلية/ البنائية للممارسة الطبية" التي تأخد بالاعتبار تأثير الزبون على الممارسة الطبية وكذا العلاقة بين الأطباء كشكل تنظيمي للممارسة الطبية. أما باقي الفصلين الخامس والسادس؛ فقد جعل الباحث الأول ل"مقاربة التفاوض من المنظور التفاعلي" حيث تناول: التفاوض بين الأطر الطبية في المؤسسة الاستشفائية، تفاوض المرضى، براديكم التفاوض وقواعده، ثم مسار المرض، ليختم بمفهوم العوالم الاجتماعية. فيما خصّص الفصل الموالي والأخير للحديث عن "مقاربة التمثلات الاجتماعية" حيث استحضر تمثل المريض للصحة، وتمثله للمرض وأسبابه وعلاجه، ثم مستويات تمثل حالة المرض، حيث يصير المرض هدما أو تحررا أو مهنة. وقد اعتمد الباحث في هذا الكتاب على مصادر ومراجع باللغات الثلاث (العربية، الانجليزية والفرنسية مع حضور غني للمراجع الفرنسية). وفيما يلي - على سبيل الختم واستحضارا لأهمية الكتاب - فقرة مقتبسة من الغلاف الخلفي : "هذا الكتاب هو ثمرة جهد علمي وبيداغوجي، والغاية من تأليفه هو التعريف بالمقاربات السوسيولوجية حول الصحة والمرض (...) حتى تكون في متناول مختلف الدارسين والباحثين وكذلك تشجيع البحث في هذا الحقل الذي مازال في طور البناء في المجال العربي (...) كما أنها تساعد على مد جسور التواصل مع "عوالم الصحة والمرض" والفاعلين في هذا القطاع الحيوي". *كاتب وباحث جامعي [email protected] https://www.facebook.com/rachid.sociologie.7