المشهد الأول : مناظرة حزبية فوق العادة في ضيعة صغيرة بالقرب من ساحل مهجور ؛ ومنذ منتصف النهار ؛ أخذت أحزابنا تتوافد على المكان تباعا ، بعضها يستعمل سيارة الميرسيديس أو سيارة داسيا ، بينما آخرون تهالكوا على "تريبورتور" بجفان مكشوفة .. داخل قاعة فسيحة مؤثثة بطاولات متقادمة وبألوان ضاربة إلى البني ، مبعثرة في الوسط والأركان ، تحلق من حولها أناس ، يبدو من خلال لغطهم وقهقهاتهم المدوية أنهم ينتمون إلى عائلة واحدة إسمها " الأحزاب السياسية " ، يكاد فضاء القاعة يختنق من شدة نفثات الدخان ، وتعالي الأصوات ؛ منهم من يمسك بقضيب سيجار هافانا ، بين حين وآخر ، يلهو به بين شفتيه ، ومنهم من لا يفتر عن توليع سيجارة مارلبورو كلما أحس بامتصاص عقبها .. بينما آخرون يكتفون بتبادل الشيشا وتناقلها من يد إلى أخرى ، في حين ظلت زمرة أخرى في ركن شبه معتم تراقب .. وتتفرس الوجوه وهي تداعب خصلات شعر وجوهها الملتحية . دخل القاعة فجأة رجل بدين ؛ تترقرق في ناظريه ومضات الارتياح ، وبعد أن استقل بطاولة تتوسط القاعة غمغم قائلا : " آسْيادْنا ؛ آسْيادْنا ؛ راهْ خَصْنا المفيدْ .. والمغاربا باغْيينْ المفيدْ ، راها الناسْ طلْعاتْ ليهُمْ الهدْرا فْروسْهُمْ .. خصْنا نْرَدّو ليهُمْ التّقة ".. قاطعه صوت منبعث من ركن بعيد في القاعة : " احْنا عارْفينكْ آلحْماما ... باغي تنْقَبْ غيرْ بْوحْدكْ .. هذا الشّي ماشي معْقولْ .." ،،، صعق في وجهه صوت معاكسا : " ما كايانْ لا حْماما ولا سْبعْ ولاّ العوْدْ .. ولاّ .. ولاّ ..احْنا هْنا كلْنا واحدْ .. آشْنو باغْيينْ .. نْقولوها بْصَراحة " . نهض شخص وسط ثلة بجانب ناء من القاعة .. تنحنح قبل أن يفوه : " راكو غالْطينْ .. آسْيادْنا .. جبْنا واحدْ الباراكا في الانتخابات .. واحْصَدْنا شْحال دْيال لكْراسا ،، ولكن لّماداقْشْ السلطة دْيالْ المخزنْ ،،، غايبْقا ديما حالْ فمّو كايتْكلّمْ ،،، خاصْنا نْديرو ،، خصْنا نفعْلو ،، خاصْنا ،، آسيرْ آمسْكينْ ،، آشْغادّير لا أنْتا ولاّ أنا مْعاكْ ،، المخزن هو لّ ،، " قاطعه صوت نسوي بعيدا عن دائرة الضوء : " آسْكتْ ،،، آسْكتْ ،،، آسّي ،، أنْتا رْشيتي فالسّلطة حتى ولّيتي لْسانْ المخْزنْ ،، هذا الشّي كانْ ،، واحْنا المغاربة أولادْ اليومْ ،، باراكا ما نتْخبعو ،، بحالْ إلى شادْنا بوعّو ،، آشْكونْ هو المخزن ،، هو أنا وانْتا وهذا وافْلان أوفرْتلاّنْ ،، زعْما ،، " " آلالاّ الضاويا ،، آلالاّ الضاويا ،، هذا شّي صْحيحْ ،، خاصْهمْ إديرو مْعانا حَلْ ،، واشْ ديما ،،" صوت آخر يرفع عقيرته وكفاه تخبطان الطاولة بعنف : " شيوحْدينْ ،، خاصْهمْ يبْقاوْ ديما خالْدين فيها ،، زعْما ،، هما عنْدْهم الشعبيّة ،، واحْنا عنْدنا الهنديّة ،، خاصْنا نتْقاسْمو الصّبرْ ماشي شي ياكلْ ،، وشي يتْفَرّجْ ،،" أحدهم أخذ يصفق قبل أن يتوجه إلى الحضور ؛ وهو يمشي الهوينا بين الطاولات ماسكا بالميكرو : " أحبائي الأعزاء ؛ اسمحوا لي أن أتوجه إليكم بلغتنا الوطنية الأولى .. فهناك من بيننا الكثير من لا يفقه لعبة السياسة .. فكم من أفواه صدحت بالعجائب والغرائب حتى ليخالها السامع وكأنها تنثر الورود والزهور في طريق كل مواطن ، وتقوده إلى مستقبل حالم ، ولكن .. ولكن .. ياإخواني بمجرد أن يدخل أصحابها إلى معترك السياسة ويتذوقوا حلاوة السلطة يصابون بالدوار .. الفرق شاسع بين ما أريد وبين ما يُراد ..وَ ." أصوات تناديه من الخلف ؛ وأعين أصحابها تشتعل شررا : " آحْباسْ ،، آحْباسْ ،، باراكا ،، باراكا مَنْ الخطْبا ،، إمّا تهْدرْ بالأمازيغية .. والدارجة ولاّ تسْكتْ ،، احنا ما عارْفينْ والو فداكْ شّي ليكاتْقولو ،،، " صوت آخر يردفه قائلا : " آسّي بوعزّا ،، آسّي بوعزّا ،، واشْ ما فْبالاكشْ بلّي العربيّة ماتتْ ،، وانْتا مازالْ كاتَهْدارْ بها ؟! ،،" عاد الرجل أدراجه .. واقتعد واضعا رأسه بين يديه ، يحولق في صمت تارة ، ويتنفس الصعداء تارة أخرى ؛ بينما كانت أعين بعضهم ترمقه خفية وتتحسر لحاله ، وكأن فوهات بنادق رشاشة فتحت في وجهه ... !! احتد اللغط داخل القاعة ، وتصاعدت أصوات الهرج والمرج ؛ في كل طاولة ؛ كل يتكلم بعيون جاحظة وحركات أيادي مصبعة في كل اتجاه .. وفجأة ، وعلى حين غرة دلف إلى القاعة رجل مكتنز ، متوسط القامة بوجه يبدي ابتسامة ماكرة خلف شارب كث ، وعلى إثره تحول المكان إلى همس .. همس في الآذان وهمس في الأعين : " إيهْ هوّا ،،، معْرفتيهْشْ ،،، إيوا شي معْرفتيهْ ،،، راهْ التراكتورْ وأجْراكْ على الله ،،، ياكْ تْراكتورْ نيتْ ،،، رَجْليهْ كْبارْ ،،، أو صبّاطو بْحالْ ميشْلانْ ،،، " قبل أن يأخذ مكانه بطاولة هناك نادى النادل من بعيد : " آبّا عيّوشْ ،،، واحدْ لقهوا تكونْ قاسْحا ،، بلا سكّار ،،" أخرج رزمة من الورق وأخذ في تسريحها قبل أن يتوجه إلى الحاضرين : " ،،، شوفو آلخّوت ،،، راني سمعْتْ لْكولْشي ،، غير واحدْ لْمكالمة شَدّتْني فالباب ،، احْنايا جينا لّهْنا باشْ نتّافقو على آشْنو كيتْسنّاوْ منّا المغاربة،،، معلوم الشغل أو ،، أو تحسين المعيشة ،، آشْنو آخورْ ؟ ،،، " ناداه صوت من الخلف يهم بفتح الموبايل : " راكْن نْسيتي رفْعْ الأجورْ ،،، وايّيه رفْعْ الأجورْ ،،، " إلا أن صاحبنا سارع إلى الرد عليه : " ،، رفْعْ الأجورْ ماشي مُهمتْنا ،، هدِي مهمة دْيالْ النقابات ،، راهومْ بْحالْنا كيسْترزْقو الله ،،، " المشهد الثاني : داخل جماعة محلية بمقر جماعة قروية ، يضم أربعة مكاتب إلى جانب مرافق خاصة ، فوق باب مكتب تدلت لوحة خشبية كتب عليها بالأسود " مكتب الرئيس " تصفعها الرياح من حين إلى آخر حتى لتكاد تخلع . داخل المكتب يقتعد رجل حول منضدة ؛ مغطاة بقطعة قماش خضراء تضم ملفات مبعثرة ؛ يتأمل شاشة حاسوب إلى يمينه ، وبين برهة وأخرى يرشف من فنجان قهوة ، وفي لحظة ما رفع سماعة الهاتف : " ،،، آسّي بوجمْعة ،،، الله ينْعلْ هدا اللّي صْنعْ لورْديناتورْ ،،، ما بْغاشْ داكْ شّي إدْخُلْ لدْماغي ،، بْرَكْتْ على البوطونا الزّرقا ،، والكحْلا ،، والو ،، دبّرْ لي عْلا ،، شي ،، بلاّتي ،، بلاّتي ،،اقطعْ ،،" طرق مكتبه رجل بجلباب أبيض وعصابة رأسية أرسل منها طرفا إلى قفاه فبادر الرئيس : " ،، سعْدات الرّايسْ ،، سعْدات الرّايسْ ،، راهْ دوكْ الناسْ جاوْ كامْلينْ ،،" الرئيس مليا : "،، اتْسنّاوْني فالقاعة ،، جيبو أتايْ والحلْوى ،، " في قاعة مغبرة بحجم حجرة دراسية ، تناثرت في أرجائها كراسي خشبية في واجهة مكتب تتراءى منه جريدة معفرة بالغبار يعود تاريخها إلى خمس سنوات خلت . دخل الرئيس محاطا بمساعديه الأقربين هاشّا باشّا ؛ تعلو محياه ابتسامة غير مألوفة : " ،، آسْيادْنا ،، آسْيادْنا ،، راها اجْماعا دْيالكمْ ،، ناسْها أولادْ الخير ْ ،، عادْ دابا ،، عادْ دابا ،، دابا جاني الفاكْسْ ،، من عَنْدْ السيد العامل ،، بَلّي القضيّا دْيالْ المطْفيّا ،، والطريقْ ،، والما و؟ و،، ؟ " قاطعه أحدهم مجيبا : " ،، والمدْرسة ،،" " ،، إيهْ والمدْرسة ،، غادْيينْ ،، إبْداوْ فيهُمْ ،، منْ دابا شْهَرْ ،، على ما تْجي الميزانية ،، " صدحت القاعة بتصفيقات حارة من قبل الزوار ، قبل أن تطوف عليهم كؤوس الشاي والحلويات بيد الرئيس نفسه ، كلما امتدت يد إلى كأس خاطب صاحبها : " ،، عنْداكْ تنْسا ،، العهْدْ اللّي بيناتْنا ،، أراكْ معروضْ ،، " وبينما القوم في هرج ومرج ، يستطيبون الكؤوس المنعنعة ، إذا بهاتف الرئيس يرن على وقع ‘‘ شْحالْ هادي ماجيتي ،، شْحالْ هادي ماجيتي ،، '' " ،، آلو ،، آلو،، آلو ،، أنْتا آسّي البركة ،، آشْ تمّا ،،، كيفاشْ ؟ ،، شُوفْ ،، شُوفْ ،، شُوفْ ،، المهمْ برّعْني ،، ديرْ خمْسا دلكباشْ ولاّ عشْرا ،، أنا خاصْني لقْبيلة كلْها تعْرفْ علاشْ قادْ الرايسْ الحاجْ الميلودي ،،، صافي آهْيا ،، جيبو الطوموبيلات ،، ألاّ ،، ألاّ ،، ألاّ ،، آسّي البركة ،، البيكوبْ ماشي دْيال الانتخابات ،، البيكوبْ خلّيها لعْراساتْ ،، يالله تهالاّ ،،" المشهد الأخير : داخل قبة البرلمان قاعة مجلس النواب ، وفي حصة الأسئلة الشفوية .. وزيران أو ثلاثة بالكراسي الأمامية يراجعون صكوكا ، بينما بدت القاعة شبه فارغة إلا من بعض النواب يجلسون في مواقع مختلفة في شكل مجموعات من ثلاثة إلى أربعة نواب ، كان من بينهم الحاجْ الميلودي ؛ هذا الأخير أسر في أذن جليسه : " ،، آشْ واقعْ ،، آشْ واقعْ ،، ما فْهمتْ والو ؟! ،، كُرْجا دْيالْ الطّلابا كياكْلو العْصا على بَرّا ،، قْبالْتنا ،، ما فهمْتْشْ عْلاشْ ؟! ،،" رد عليه جليسه ، والنوم يداعب أجفانه : " ،، واسّي الميلودي ،،، اسكتْ ،، اسكتْ ،، أنْتا مافاهامْ والو ،، احْنايا لّيساكْنينْ في هدا المجْلسْ هدي 12 عامِ ،، ما زالا الأمورْ هيّا هيّا ما كايتْبدْلو غيرْ بعْضْ الوجوهْ ،،، هادو لّيدْويتي عْليهومْ ،، الطّلابا دْيالْ الدًكْتورا ،،، " الميلودي مشدوها : " ،، واشْ الطّبّا ،، أنا عارافْ بِلّي الدكتور ْ هو الطبيبْ ولاّ آسّي ،،،" جليسه كان قد ذهب في نوم عميق ، وأخذ شخيره يتصاعد بين الفينة والأخرى ليرد عليه غطيط منبعث من جانب آخر . رئيس الجلسة ، يفرك عينيه ويتناول نظارة سميكة قبل أن يتلو في قصاصة ورقية : " .. ننتقل إلى التعليم ، والسؤال موجه من أعضاء فريقX فليتفضل أحدهما ببسط السؤال . ساد صمت في القاعة ، توجهت نظرات الجميع إلى فريقX الذي كان فيه العضو المكلف بطرح السؤال نائما ، فاتجهت الأنظار إلى الميلودي ليتولى إلقاء السؤال بالنيابة ، لكن هذا الأخير رد قائلا : " ،، آسّي الرئيسْ ،، أنا ماشي ،، بْحالْ ،، أنا ماشي ،، لا ،، العفْوْ آسّي بوجمْعة ،، نوضْ ،، نوضْ راهْ بْغاكْ سّي الرئيسْ ،، !!!" النائب بوجمعة ينتفض واقفا مشعث الشعر وأوراقا مبعثرة : " ،، سيدي الرئيس المحترم ؛ السادة والسيدات ،،، راهْ غيرْ غفْوة صغيرة ،، أُشْحالْ لْديدة فالبرلمانْ ،،! " دون أن يتمم ، لم يكن من رئيس الجلسة إلا أن هوى بمطرقته معلنا عن رفع الجلسة .