يعتقد المخزنيون الجدد (قياسا على المحافظين الجدد في رهن مستقبل أمريكا لسنوات بعجرفة وغباء) أن قمة الذكاء، في بناء ديمقراطية تلفزيونية، ليس بمعنى دمَقرطة التلفزة، بل العكس، "تلفزَنَة" الديمقراطية.. هذه النظرية التي تفتقت عنها عبقرية فريق الهواة الذي يلعب بالدولة من وراء حجاب، كانت وراء مصادرة القناة الثانية للتلفزة العمومية التي كانت تحظى ببعض المصداقية بفعل حرفيتها النسبية في أواخر العهد المخزني القديم، ووضع مديرة لا تفقه حديثا بالعربية، بسلطات واسعة تتجاوز سلطة المدير الصوري للقناة الذي تنحصر مهمته في شراء المسلسلات المصرية (بكوميسيون طبعا ككل مدير مغربي محترم)، أما المديرة الحقيقية فمهمتها واضحة، تلقي التعليمات مباشرة من منظري الديمقراطية المخزنية وتطبيقها بالفاصلة والنقطة إلى السطر، وإعداد لوائح بالمواضيع والأشخاص الممنوعين من الظهور، حفاظا على نقاء الخيار (وفي رواية أخرى الفگوس) الديمقراطي، وحماية له من المشككين المتربصين به سوءا.. وككل مسؤول مخزني متشبع بروح الخنوع والمؤامرة، حتى لو تربى على قيم الحرية والعدالة في بلاد الأنوار كحال مديرتنا، (يا حسرة على العباد)، خدمت المرأة المشروع الديمقراطي الأرضي والفضائي بتفان وخنوع، ووصل بها اجتهادها أن انخرطت بحماس في مؤامرات دنيئة، كتحريضها المباشر على جريدة لوجورنال المستقلة وصاحبها، ويوم وضعت نفسها ندا بند، مقابل الأمير المفكر، هشام ابن عبد الله العلوي، في خضم الحملة المخابراتية الهادفة لنفيه، حينها خرجت الست سميرة وقالت على رؤوس الأشهاد، (شدوا أحزمتكم!)، إن الأمير"هددها بالقتل". "" ونتيجة لهذا العمل الدعائي الجبار، أصبح المرء إذا نزل من الطائرة في مراكش وحجز نفسه في فندق محترم لأيام معدودات، يأكل ويشرب و يقر عينا بمشاهدة التلفزة (المغربية طبعا)، سيخَال من فرط النعيم الديمقراطي التلفزي الذي يعيشه، أن دولة الدانمارك ما هي قياسا لنا إلا مقاطعة نائية من إحدى دول العالم التاسع والتسعين.. وأتصور أن هذا ما وقع لحبيبنا الرئيس ساركو حين تغزل بديمقراطيتنا العفيفة الشريفة، ومستقبلنا الزاهر الذي نراه بعيدا ويراه قريبا.. ولان المخزن يذوب صبابة في شهادات حسن السلوك، فانه مستعد لشرائها بالمال والسلوك والمواقف، لهذا كان جزاء الفرنسيين صفقة بثلاث ملايير اورو باتفاق مباشر دون مناقصات ولا يحزنون (أش خاصك العريان.. التي جي ڤي يامولاي). ومن المؤكد أن النظام وقع له ما وقع لأشعب الطماع الظريف، حين أزعجته زمرة من الفتية ففكر في حيلة لإبعادهم عنه بأن كذب عليهم قائلا اذهبوا إلى أم فلان، إنها توزع الحلوى على الأطفال، فلما تأخر الصبية عنه، ظن أنه كان صادقا فتبعهم.. لقد كذب المخزن علينا إلى درجة أنه صدَّق نفسه، وأصبح مقتنعا أن البلاد ترفل في الخُلد الديمقراطي، وإلا كيف يمكن فهم هذا الإصرار على صم الأذان ومواصلة العبث والسير نحو الحافة بتبات.. فبعد مهزلة الانتخابات وفضيحة الحكومة، اتفق المختصون الذين لا يُطعن في نزاهتهم، على تعبير "نهاية التاريخ" في صيغته المغربية، التي تُحيل على نهاية الأمل في كل إصلاح، بعد أن اصطدمنا، بعد نصف قرن من الحكم العبثي، بالحائط الذي يسد النفق. الواقع الغير التلفزي كالتالي.. حكم مخزني مطلق دون رؤية شمولية واضحة ولا برنامج فعال، نخبة خضعت لتدجين وإفساد منهجي، جعل منها أسراب من الببغاوات التي ترد الصدى، دون أي قدرة على الإبداع، وانفصال تام عن الشارع.. شعب مشلول تتقاذفه الأمواج والتيارات، ضحية السياسة الاقتصادية والتربوية الكارثية التي صنعت جيلا كسيحا يسير على غير هدى، يستلزم إصلاحه خمسين سنة أخرى إن بدأنا العمل غدا.
ولو نظر المخزن الشريف بعين الواقع واستشعر الخطر الذي يحدق بالبلاد وقرر التصرف بما فيه خيره وخير الوطن فاني أنصحه بالاتي.. ليبدأ الملك بالتخلص من ثلة الأغبياء المحيطين به، الذين زُين لهم سخف أعمالهم، فانتدبوا لأنفسهم مكانانا عليا، يأمرون منه ويتآمرون، وأولهم صديقه صاحب الأفكار الكارثية.. ثم يبدأ زيارة مطولة لجمهورية الصين الشعبية للاطلاع على أسلوب فريد في الحكم الفعال، وحال عودته يصدر ظهيرا بمنع كل وكالات السمسرة المسماة أحزابا، ويعلن في خطاب للأمة أن عهد الافتراء على الديمقراطية انتهى، ويختار بضعة أشخاص من المشهود لهم بالكفاءة يكلفهم بوزارات محددة هي التربية والبنية التحتية والصحة والاقتصاد والأمن والدفاع، والاهم من كل ذلك، إعطاء المثل بإعدام كل من يثبت فساده شنقا أمام الملأ.
طبعا سيثير الأمر كثيرا من اللغط، ستخرج كوكبة السماسرة المتضررين للتباكي على مذبحة الديمقراطية والتعددية، وستصدر ردود هنا وردود هناك، لكن المستقبل سيكون بالتأكيد أفضل من مسرحية الديمقراطية المكلفة، والواقع العبثي المتجه نحو الكارثة.