أصبحت الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وضمنها الحقوق الشغلية، تحظى باهتمام متزايد من طرف الفاعلين النقابيين والحقوقيين على حد السواء، خصوصا بعد التسريحات الجماعية لمئات العاملات والعمال خلال العشرية الأخيرة، على إثر الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة، إما بسبب إغلاق المعامل، أو بهدف تخفيض كلفة الإنتاج، وفي حالات أخرى بهدف تحويل الرساميل إلى قطاعات أكثر ربحية. ما دفع بهؤلاء العمال إلى طرق باب القضاء طلبا للإنصاف، والذي أصدر أحكاما نهائية تقضي بتعويضهم عن الطرد التعسفي، إلا أنهم يواجهون مشكل عدم تنفيذ هذه الأحكام. في هذا الإطار، تأسف عبد الكبير جحجوح، مفتش الشغل بالرباط، في مداخلة له في ندوة نظمها فرع الرباط للجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول "إشكالية تنفيذ الأحكام القضائية في نزاعات الشغل"، لكون المحكمة تصدر أحكاما لصالح العمال لكنها لا تجد طريقها إلى التنفيذ، رغم أن القانون يعطي الأسبقية لحقوق العمال. جحجوح أبرز أن النزاعات مرتبطة دائما بالعلاقة الشغلية، وأن هناك نوعين من النزاعات: فردية وجماعية، مشيرا إلى أن الطرد نزاع قد يكون فرديا وقد يكون جماعيا، وهو آخر مرحلة من الصراع الذي يندلع بالمقاولة ويفرض إنهاء العلاقة الشغلية. "النزاعات الفردية تعالج بمسطرة، والجماعية بمسطرة أخرى"، يقول مفتش الشغل، معترفا بأن النزاعات المؤطرة نقابيا تؤدي إلى نتائج إيجابية في مجملها، وغالبا قبل حدوث المشكل. وأوضح أن النزاعات الجماعية، عكس الفردية التي يعتد فيها بمقتضيات مدونة الشغل، تتم معالجتها عبر مسطرة مدونة التجارة، والتي من خلالها يمكن للمشغل أن يفلت من النزاع، وحتى في حالة وجود أحكام قضائية، فاللجوء إلى هذه المسطرة يوفر للمشغل فرصة التهرب من تنفيذها. وبالنسبة لجحجوح، فنزاعات الشغل، بشكل عام، ترتبط بثلاثة مكونات أساسية؛ أولها البنية الاقتصادية؛ بمعنى مدى هيكلة القطاع من عدمها. ثانيها العقود وطبيعتها، محددة المدة- غير محددة المدة- موسمية. وبهذا الخصوص، كشف مفتش الشغل أن اليد العاملة المأجورة بالمغرب تتجاوز ثلاثة ملايين في حين أكثر من مليونين لا يتم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل منتظم، ما يعني أن عقودهم محددة المدة، "وبذلك يصبح التحايل على القانون سهلا"، بتعبير جحجوح الذي أورد أن اليد العاملة بالقطاع الفلاحي تبلغ أربعة ملايين، و"من الصعب بمكان ضبط العلاقة الشغلية بالقطاع". ثالث مكونات نزاعات الشغل، يضيف جحجوح، يتعلق بإنهاء العقود. والإنهاء يتم وفق طبيعة العقد وبنيته، فالعقود محددة المدة يتم إنهاؤها عبر مسطرة خاصة، وكذلك الشأن بالنسبة للعقود غير محددة المدة. وأبرز جحجوح أن "العقود محددة المدة ليست هي الأصل، لكن عندنا هي الأصل"، موردا أن أكبر مشكلة في مدونة الشغل هي أن السلطة الرقابية الميدانية لمفتشية الشغل لا حق لها في مراقبة طبيعة العقود، "وهنا ندخل في ثلاثة أمور؛ المشغل له سلطات، والعامل له ضمانات، لكن هل سلطات المشغل تمارس بالشكل المطلوب كما هو منصوص عليه في القانون؟"، يتساءل جحجوح. وأعطى مفتش الشغل إحصائيات بخصوص نزاعات الشغل؛ منها أن 70% من النزاعات تحل على مستوى مفتشية الشغل، 20% منها يقضي حلها بعودة المطرودين إلى عملهم، بينما يبلغ عدد مفتشي الشغل على الصعيد الوطني 293، بعضهم مكلف بمهام إدارية، منهم 28 للقطاع الفلاحي، ليخلص إلى أنه بهذا العدد القليل من المفتشين، تستحيل مراقبة مدى تنفيذ قوانين الشغل بجميع وحدات الإنتاج. وفي ختام مداخلته، أشار مفتش الشغل إلى "عدم وجود قضاء اجتماعي متخصص، وبالتالي تضيع حقوق العمال باعتبار أن القاضي لا يعرف طبيعة العلاقة الشغلية القائمة".