وسط قيظ صيف رمضاني، لا يجدُ الطنجاويون بدّا من البحث عن وسائل للتّخفيف من الإرهاق و"قتل" الوقت، في انتظار نداء صلاة المغرب، الذي يعلن انتهاء يوم صيام شاقّ، لا يخفف قسوته سوى أجرٍ مأمولٍ وطمعٍ في رحمةٍ ومغفرةٍ وعتقٍ من النّار. وتبقى المساحات الخضراء المنتشرة داخل المجال الحضري للمدينة، بتوزيعٍ يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن حيّ إلى آخر، ملاذا يفضله الكثير من السكان في ظل هذه الظروف. وفي هذا السياق، تعتبر مقاطعة بني مكادة الأكثر شُحّا من حيث المناطق الخضراء على صعيد المدينة، بل وعلى الصعيد الوطني ككلّ، وذلك حسب تقريرٍ سابقٍ لمرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية بطنجة. مساحات غير كافية وكشف آخر تقريرٍ للمرصد المذكور، صدر في ماي 2015، أن نصيب الفرد من المساحات الخضراء بطنجة ازداد بنسبة طفيفة بانتقاله من 3.02 إلى 3.15 مترا مربّعا، لكنه مع ذلك يبقى غير كافٍ، باعتبار المعدّل الدولي الأدنى هو 10 أمتار مربّعة للفرد. لكنّ هذا المعطى الأخير لا يمنع الساكنة من اللجوء إلى المناطق الخضراء بالمنطقة، رغم الازدحام الشديد في بعضها. ويقول محمد.أ، البالغ 42 سنة، وهو ربّ أسرة، وأحد ساكني منطقة بني مكادة، وهو يشير إلى إقباله على منطقة خضراء: "أحضر إلى هذه المنطقة بعد العصر، لأنه أفضل توقيت؛ تخفّ فيه حرارة الشمس، وينتشر الظل بشكل واسع، ما يمكنني من إيجاد فضاء مقبول أنا وأسرتي؛ أما قبل ذلك، فعدد الأشجار كما ترى محدود، وبالتالي يصعب العثور على مكان ظليل". ويبقى الازدحام عائقا للبعض ومانعا من الحضور، إذ يقول عبد الرحيم.ع، البالغ 43 سنة: "اليوم حضرت فقط من أجل أولادي، لكنني عموما أفضل عدم الجلوس هنا.. كما ترى المكان مزدحم جدّا، ما يجعل الهدف من الحضور إليه غائب، وهو الراحة والاستجمام والتخلص من تعب اليوم. هذا الاختلاط الشديد يجلب معه عدة مشاكل؛ خصوصا بالنسبة لمن يحضر مع زوجته وأطفاله، وخصوصا مع أثر الصيام وإثارته لأعصاب البعض". بعد العصر، حسبما اتضح لنا في جولة بالمدينة، هي الفترة الفُضلى لدى الساكنة للتوجه نحو المناطق الخضراء، لأنها الأبرد طيلة اليوم، ولأنها تسبق أذان المغرب، فتكون فرصة للاستراحة من عناء اليوم، ولانتظار أذان المغرب. بعد المغرب البعض يفضّل أن يمدّ فترة مكوثه بالمناطق الخضراء إلى لحظة الإفطار وما بعدها، إذ تنتشر مجموعات من الأسر والأصدقاء على طول المساحات الخضراء المواجهة لشاطئ مرقالة، حيث يضيف هواء البحر المنعش إلى الجلسة مُتعةً أخرى. سمير.م، البالغ 28 سنة، حضر إلى المنطقة رفقة عدد من أصدقائه، وقال لنا إنه يستغل فترة بعد العصر للاستراحة هنا، قبل أن يتبعها هو وأصدقاؤه بإفطار جماعي مرفوقٍ بصوت هدير الموج ومتعة رفقة الأصدقاء، إضافة إلى ما توفّره منطقة مرقالة من إضاءة ليلية مريحة وكافية. الفترة الأخرى المفضّلة لدى مرتادي المناطق الخضراء هي بعد صلاة العشاء، إذ تنتشر الساكنة بشكل قد يكون أكبر من فترة بعد العصر، إلى درجة أن مناطق غريبة غير مخصّصة للراحة والتنزه يتمّ "احتلالها" من طرف باحثين عن الراحة وبرودة ليلٍ منعشة، ففي حيّ مسنانة مثلا، يمتلأ ملتقى طرق (رانبوان) معشوشب بعشرات المتنزّهين المستلقين على ظهورهم وجنوبهم، في مشهدٍ أثار، ولازال، انتباه كلّ عابر من المنطقة، وذلك عائد طبعا إلى شحّ الفضاءات الخضراء. قد لا يكون رمضان هذا العام الأشدّ حرّا، لكن أيامه بالتأكيد هي الأكثر طولاً. ورغم الازدياد الملحوظ في المساحات الخضراء في طنجة، إلا أن هذا بالمقابل لا يمنع "جرائمَ" بيئية ترتكب بالوتيرة نفسها تقريبا عن طريق إفساح المكان للإسمنت في فضاءات مخصصة للمناطق الخضراء، لا يكفّ ناشطون محليون عن رصدها بين الفيْنة والأخرى.