بيْنما يبخل كثير من المغاربة عن التبرع بدمهم، ارتأى سعيد القادري، مواطن من مدينة فاس يبلغ من العمر 64 سنة، أن يكون "استثناء"، بدأْبه، منذ سنة 1970، على التبرّع بدمه بشكل مستمرّ، وبلغ عدد المرّات التي تبرّع فيها، إلى حدّ الآن، 113، ويقول عن نفسه إنه "عميد" المتبرّعين بالدم في المغرب. القادري تبرّع بالدم أوّل مرة سنة 1970، يومها كانَ طالبا يتابع دراسته بمدينة الرباط، وجاءت فكرة التبرع بعد حصّةٍ دراسية تحدّث فيها أستاذه الفرنسي عن أهمية التبرع بالدم لإنقاذ حياة الآخرين، ودلّ طلبته على مركز التحاقن بالدم؛ حيث توجّهَ سعيد رفقة خمسة من أصدقائه، وهناك كانت انطلاقة مشوار التبرّع الممتدّة إلى الآن. حينَ تبرّع سعيد بدمه أوّل مرة كان يبلغ من العمر 18 عاما، ويقول عن بدايات التجربة: "سألنا المشرفين عن مركز تحاقن الدم، وأخبرونا بأن الإنسان السليم يمكنه أن يتبرع بدمه مرة كل ثلاثة شهور، بدون أي مضاعفات، فتواعدنا، أنا وزملائي الخمسة، على التبرع بدمنا مرة كل ثلاثة شهور". ومن خلال التبرع الدوري بدمه، اكتسب سعيد خبرة في هذا المجال، من خلال التقائه بالأطباء والممرضين الذين يُفيدونه ويُفيد بدوره أناسا آخرين، وانطلاقا من هذه التجربة أنشأ "نادي بلادي للتبرع بالدم" بمدينة فاس؛ حيث يشتغل رفقة مجموعة من المتطوعين للتحسيس بأهمية التبرع بالدم. يقوم متطوّعو النادي بحملات تحسيسية في التجمعات العامة، والمؤسسات التعليمية والأسواق، ويُضاعفون جهودهم للتحسيس حين يطلق المركز الوطني لتحاقن الدم نداء بوجود نقص في هذه المادّة الحيوية، قصْدَ حثّ الناس على التبرع بدمهم، لإنقاذ حيوات أشخاص آخرين. ومن خلال احتكاكه بالناس، يقول سعيد إنه توصّل إلى وجود خمسة مفاهيم خاطئة لدى المغاربة تحدّ من التبرع بالدم؛ أوّلها الاعتقاد السائد بأنه لا يتبرع بالدم إلا الأشخاص البُدن وأنّ النِّحاف لا يجب أن يتبرعوا، وهو اعتقاد خاطئ. ويُضيف المتحدث أنَّ المفهوم الخاطئ السائد هو أنَّ الإبرة المستعملة في شفط الدم تُستعمل عدّة مرات، وأنّ الدمَ المُتبرّع به يتمّ بيعه في المستشفيات ولا يحصل عليه المرضى المحتاجون إليه بالمجان، وأنّ المتبرع قد يتعرض لتداعيات صحية، موضحا أنّ كلّ ذلك لا أساس له، "ونحن نعمل على تحسيس الناس وإقناعهم بأنّ هذا غير صحيح". وبخصوص ما إنْ كانَ للتبرع بالدم تأثير سلبي على صحّة الإنسان، قال سعيد: "بالعكس تماما، التبرع بانتظام له عدد من الفوائد، فالمتبرع لا يُعاني، مثلا، من صداع الرأس (الشقيقة)، إضافة إلى فوائد أخرى، وأنا أبلغ 64 سنة، وتبرعت 113 مرة، وأستطيع القيام بأشياء قد لا يستطيع الشباب القيام بها". ويقدّم سعيد شرحا مبسطا لعملية التبرع، قائلا: "حين نضع إناء مليئا بالماء على النار ونتركه يغلي فإنه يفيض حين يصل إلى درجة الغليان، ونحن نتوفّر في أجسادنا على خمسة لترات من الدم تحتاج إلى تجديد، وحين نتبرع ب240 مليلترا فإننا نخفّف الضغط عن الدورة الدموية"، محذّرا من اللجوء إلى الحجامة التقليدية، والتي قال إنّ فيها خطرا كبيرا على صحة الإنسان، لكونها تُجرى بأدوات غير معقمة. ويعتبر المتحدث ضعف إقبال المغاربة على التبرع بالدم "مسألة ثقافية"، موضحا أنّ كثيرا من الناس يبادرون إلى التطوّع حينَ يرون الملك يتبرع بدمه، "إلى حدّ أن الناس دْيال مركز تحاقن الدم كايقولو لينا من الأحسن ما يجيوش الناس يتبرعو دبا حيتْ كايْن فائض ديال الدم"، يقول سعيد. ويرى أنّ أفضل وسيلة لإقناع المغاربة بالتبرع بالدم هي أن تقوم الدولة بتشجيع هذه الثقافة، من خلال الاستعانة بالمشاهير والنجوم الذين يحبّ الناس الاقتداء بهم، "خاصّة وأن كثيرا من المغاربة يحبون تقليد المشاهير في أفعالهم"، يقول "عميد المتبرعين بالدم".