سعيد القادري، مواطن مغربي من مدينة فاس، رئيس جمعية بلادي للتنمية المستدامة وتخليق الحياة العامة، بلغ عدد تبرعاته بالدم 113 مرة، وهو يتبرع بشكل منتظم منذ سنة 1970، حيث لم يكن يتجاوز عمره 18 سنة. سعيد القادري لم يكن يتوقع أن مبادراته الإنسانية هذه ستتوج، أخيرا، بتكريم ملكي سام، أغدقه عليه جلالة الملك محمد السادس، رفقة فاعلين جمعويين اثنين آخرين من المتبرعين، حين أعطى جلالته انطلاقة حملة للتبرع بالدم بفاس. فكان هذا التكريم بمثابة الحافز الجديد الذي جعله أكثر تشبثا بمبدئه في إنقاذ أرواح بشرية بقطرات من دمه. "تبارك الله عليك والله يزيد من امثالك".. كلمات سامية، وجهها جلالة الملك للقادري، وهو يسلمه الشهادة التقديرية، ما زالت ترن في أذني سعيد القادري، لتمثل شحنة جديدة للعطاء والتبرع، ويقول بشأنها "إن هذه الإشارة الملكية عززت قدراتي وكانت بالنسبة لي أفضل ما يمكن أن أحظى به من اعتراف وجزاء". سعيد القادري كان رفقة اثنين من الفاعلين الجمعويين، اللذين حظيا بالتكريم الملكي السامي، أحدهما من الدارالبيضاء، والثاني من مدينة أكادير. يقول القادري إن أجمل ما يقدمه الإنسان في حياته هو التبرع بنقطة من دمه لأجل إنقاذ حياة بشرية، بغض النظر عن جنس المستفيد، أو لونه، أو عقيدته، مصداقا لقوله تعالى "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (سورة المائدة)، وهي تأكيد على إحياء روح بشرية دون تمييز. ويعتبر هذا المتطوع تبرعه هذا من صميم واجباته كمواطن عليه تقديم خدمة ما لصالح من هم في حاجة إليه، مؤكدا أن الأمر لا يؤثر على واجباته تجاه أسرته أو محيطه العائلي، "بل يكرس لدي قناعة وتربية على المواطنة أعمل على تلقينها لمن حولي من أفراد أسرتي، وعلى رأسهم ابني الوحيد"، ولا على حالته الصحية، إذ يشعر، في كل مرة تبرع فيها، براحة نفسية وطمأنينة إزاء ما قام به من عمل نبيل. يقول القادري "الكثيرون يجهلون أن للتبرع بالدم فوائد صحية، بالنسبة إلى من تتوفر فيه شروط التبرع، ويقوم بهذه العملية بانتظام، وهي أنه يحمي من الصداع النصفي "الشقيقة"، ومن الضغط الدموي، كما يجعل المرء دائم الحيوية والنشاط لتجدد الكريات الحمراء في جسمه". ويضيف أنه في إطار التحسيس، يعمل مع أعضاء الجمعية على تصحيح المفاهيم الخاطئة التي يتداولها المواطنون بشأن التبرع بالدم، كانتشار الأمراض أو انتقال العدوى أو المتاجرة في هذا الدم..." لهؤلاء أقول دائما إن المراكز المختصة تقوم بكافة الفحوصات الدقيقة والتحاليل لعينات الدم قبل تخزينها، وكل فحص يكلف المركز حوالي 180 درهما للعينة، في حين أن المتبرع يحصل على نتائج الفحص والتأكد من سلامته أو إصابته، بالمجان". ويوضح القادري أن المتبرع يحصل أيضا على "شهادة التبرع" بعد القيام بهذه العملية خمس مرات٬ كما يحصل على البطاقة التي تحمل صنفه الدموي". أسس القادري جمعية ابن نفيس للمتبرعين بالدم سنة 2006، التي يعمل اليوم إلى جانب رئيسها كعضو نشط، لتكون أداة تحسيس وتحفيز للمواطن من أجل التطوع، وغالبا ما تنتقل، في مختلف حملاتها، إلى المؤسسات التعليمية حيث روح التضامن بين التلاميذ والشباب تسود بكل عفوية. أصبح سعيد القادري "مرجعا" لمركز تحاقن الدم بفاس، الذي يلجأ إليه في الطوارئ، وكلما كانت هناك حالة استعجالية في حاجة إلى دم، فهو يتوفر على بنك للمعلومات عن كل الأشخاص المتبرعين من قبل، وفصيلة الدم التي يحملونها، فلا يتوانى في الاتصال بالمعنيين من أصحاب العينة المطلوبة على الفور، والتنقل عندهم لمرافقتهم إلى المركز، والقيام بالواجب في وقته ودون تأخير. وسبق للقادري أن فاز بأحسن سلوك مدني لسنة 2008، في مسابقة نظمتها جمعية آفاق وإذاعة أصوات. وتأتي مشاركته في حملة تحسيسية نظمت بالعيون، قبل أسبوعين، حيث جرى تكريمه، لتعزز مرجعيته كمواطن يمكنه أن يقدم المثال في التضامن والمواطنة، وهما عنصران أساسيان في أهداف جمعية بلادي للتنمية المستدامة وتخليق الحياة العامة، التي يترأسها حاليا، إلى جانب تفرغه للعمل الجمعوي على مستوى جمعيات أخرى. هاجس واحد يجمع بين هؤلاء المتطوعين هو جعل المغرب في مرتبة مشرفة، في مجال التبرع بالدم "فلا يرضينا، ونحن شعب جبل على التضامن والتكافل، أن نبقى قابعين في المرتبة 0.86 في المائة، في الوقت الذي توصي منظمة الصحة العالمية ب 3 في المائة" يقول القادري. وعبر القادري عن إيمانه بأن "هذا العمل هو فرض عين وليس فرض كفاية، بل ملزمين بالتكافل والتضامن تحقيقا لروح المواطنة الصادقة". سعيد القادري، يبلغ اليوم من العمر 60 سنة، ومصمم على مواصلة عطائه، والقيام بالتبرع الذي يؤمن أنه يساهم بشكل أو بآخر، في إنقاذ إنسان بحاجة إليه.