لسنا ممن توقفت عقارب ساعته عند تاريخ معين، ولا من هواة قراءة الحاضر بالعين العمياء للماضي، ولا من عشاق منطق اقتناص اللحظة على حساب الأفق المشترك لشعب بكامله. فالتضخيم والتشهير والإقصاء وإحياء النعرات على أسس تمييزية هو أسلوب من يدبر ويسير الشأن العام من الموقع الحكومي اليوم. فالحزب الحاكم يشتغل برغبة في التحكم في كل مفاصل الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية، وبنوع من اللامبالاة بخصوص المسؤولية تجاه التراجعات الفعلية التي تقع فيما يتعلق ببلورة شروط الدولة الحديثة ومواصلة بنائها الديموقراطي، والتنكر لتجربة التناوب التوافقي والإنصاف والمصالحة والنهوض بثقافة حقوق الإنسان ومكتسبات دستور2011 والاختيار الديموقراطي. فليس عيبا أن يكون لنا رأي أو موقف مغاير، وليس عيبا أن نسجل ملاحظات، وليس عيبا أن ننتقد ونحتج، فهذا حق مكفول بقوة القانون وقواعد السلوك الديمقراطي. وهذا ما يمليه واجب الدفاع عن مبادئنا واختياراتنا، ولو لم يعجب الحزب المتحكم. خاصة وأنه تحت القيادة الفاشلة للسيد عبد الإله بنكيران، كان يُمني المغاربة بالعمل على تحسين شروط تدبير الشأن العام والمالية العامة، وتطوير البنيات الاقتصادية والاجتماعية، وتجويد شروط العيش للمواطنات والمواطنين. وباستغلاله لظروف سنة 2011، وباستبلاده للعديد من الفاعلين في الساحة السياسية، وعد الحزب بمفاجآت عديدة؛ كالرفع من نسبة النمو والحد الأدنى للأجور، وتوفير المزيد من مناصب الشغل، وتحسين طبيعة وشكل الخدمات الاجتماعية؛ من سكن وصحة وتعليم وأنظمة احتياط اجتماعي، بالإضافة إلى محاربة كل أشكال الفساد المالي والإداري والقانوني، واعتماد نظام النزاهة ومبدأ الشفافية في مباشرة قضايا الشأن العام، وتجويد شروط التدبير السياسي والقانوني والمؤسساتي للحقوق والواجبات على قاعدة المواطنة. فبالإضافة إلى كونه لم يحقق شيئا من ذلك طبعا، وبالإضافة إلى "سرط لسان" كل أولائك الذين استُبْلِدُوا، ها هو ذا يسير في اتجاه خنق الحريات السياسية بفعل طبعه التحكمي، وتقوية شروط التفقير والانهيار الاقتصادي والإفلاس المالي، وتعزيز عوامل التوتر والمواجهات السياسية الحادة، والعمل على مسخ الهوية المغربية، وإشعال فتيل الحرب بين مختلف مكونات الشعب المغربي التاريخية والحضارية والثقافية، وإضعاف تموقع بلادنا داخل المنتظم الدولي... هذا ما هو عليه أمر حصيلة الحزب المتحكم. ودرجات الإفلاس في تسيير وتدبير الشأن العام من الموقع الحكومي لا زالت في تقهقر مسترسل ومستمر، ولو في الأيام القليلة المتبقية من عمر ولايته، لأن "فاقد الشيء لا يعطيه". ولهذا الغرض فالإطاحة بالحزب المتحكم أصبحت في حكم الواجب العيني، عبر صناديق الاقتراع طبعا. فالانتخابات القادمة هي الأداة الكفيلة بالفصل بيننا بطريقة سلمية متحضرة، أما أسلوب الاقتتال والتهديد والتشهير و"التبوحيط" ما عاد يجدي نفعا ولا يضفي قوة، بل النجاح اليوم رهين بإقناع الرأي العام بحصيلة الأداء ومدى سعي الحزب للحصول على التفويض الشعبي بناء على ما تم تنزيله من برامج على أرض الواقع.