كثيرا ما يثير فضولنا مناقشة أو تحليل بعض القرارات التي تتخذها أجهزة الدولة في مجال السياسة أو الاقتصاد أو الإعلام و البحث عن أسباب نزولها واستقراء نتائجها وأبعادها و تأثيرها على السياسات العمومية ، و ما موقع الحكومة المعينة وفقا للدستور إزاء قرارات اتخذت خارج إطارها. و قد اعتقدنا أن دستور 2011 كان سيشكل قطيعة مع ممارسات قديمة لا تتماشى مع دولة تشق طريقها نحو بناء نظام ديمقراطي و إعطاء قيمة للمؤسسات الدستورية و للهيئات السياسية و للمجتمع المدني في المساهمة في صناعة القرارات وفقا ما ينص عليه الدستور من صلاحيات و فصل للسلط . وكنا ننتظر أن تكون للحكومة الحالية الجرأة في تنزيل مقتضيات الدستور أثناء ممارستها منذ تعيينها ، حتى تكون لنا ، نحن المحللون أو الفاعلون ، رؤية حقيقة و ملموسة حول مكامن الخلل في نظامنا السياسي و من هم فعلا "التماسيح والعفاريت " ، حسب ما تعبير رئيس الحكومة ،الذين يعرقلون مسيرة الانتقال الديمقراطي ببلادنا و يصادرون إرادة الشعب المغربي ، هذا مع العلم أن الخطب الملكية للملك محمد السادس كان دائما تشكل تحفيزا قويا للمؤسسات وللفاعلين من أجل التشبع أكثر بالجرأة والشجاعة لاتخاذ مبادرات في مجال الإصلاح والتغيير و مكافحة الفساد و لو كان الفاسدون في مراكز سامية في هرم الدولة ، انطلاقا من مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة و مساواة جميع المغاربة أمام القانون. وهذا النقاش قد يعود بنا إلى الموضوع الجوهري المتعلق بالمتحكمين الجدد ، وهم النافذون في مجال السلطة و المال والاقتصاد ، يوجهون كبار المسؤولين في الحكومة و رجال السلطة و القضاة وأحيانا يضغطون عليهم ، إما بنفوذ السلطة أو بنفوذ المال ، بالترغيب والإغراء أو بالترهيب ، حتى بعض الأحزاب السياسية والنقابات ووسائل الإعلام لم تفلت من تأثيرهم ، حيث توجه من قبلهم في كثير المحطات وتنفذ تعليماتهم ، كما أن المتحكمين الجدد يمولون الحملات الانتخابية لبعض القادة السياسيين ويضغطون من أجل فوزهم بأساليب قذرة ، بما فيه شراء الأصوات، والتغطية الدعائية، والإعلامية ، الغير المتحكم فيها من قبل أجهزة الرقابة الإعلامية ، هذا مع العلم أن الفائزين في هذه الانتخابات المدعومة ماليا سيعملون على حماية مصالح هؤلاء النافذين، ويعتبر ذلك بالطبع أحد مظاهر الفساد السياسي . و للعلم فإن المتحكمين الجدد ، أو المفترسين Les prédateurs، يملكون أكبر الشركات بالمغرب ويستثمرون في القطاعات الاستراتيجية والحيوية ويحوزون على أهم الصفقات العمومية ، و منهم من يستثمر في العقار و استحوذ على آلاف الهكتارات من الأراضي السلالية وأراضي الجموع ، بطرق ملتوية و بثمن زهيد غير عادل ، بإيعاز من السلطات ، وشردوا العائلات من أراضيهم ظلما لإنجاز مشاريع كبرى تعود عليهم بالنفع ، دون مراعاة شرط المنفعة العامة . والمصيبة أن هؤلاء المفترسين يشكلون خطرا على الدولة والمجتمع وعلى الاقتصاد الوطني لأن منهم من يعمل في إطار اقتصاد الريع و شبكات الرشوة و يهرب أمواله إلى الخارج بطرق ملتوية و يتهرب من أداء الضرائب بوسائل احتيالية و تدليسية . المتحكمون الجدد أو النافذون من أصحاب السلطة السياسية و المالية هم الآن من يعرقلون الانتقال الديمقراطي بالمغرب ، يعتبرون أنفسهم أقوياء فوق القانون ، وأنهم محميون ، ومن اعترض طريقهم يدوسونه دون رحمة ، يحتقرون المدافعين عن حقوق الإنسان ، و أن أي تقدم في هذا المجال قد يزعجهم ، لأن ذلك قد يمنح مزيدا من الحقوق والحريات لأفراد المجتمع ، خصوصا أولائك الأفراد المنتمين للطبقات الكادحة و الفقيرة ، والمأجورين في مقاولاتهم المفترسة الذين مافتئوا يطالبون بتحسين أجورهم الهزيلة . وفي اعتقادي أن هؤلاء المتحكمين الجدد النافذين في المجتمع و الباحثين عن السلطة المالية عبر مقاولاتهم المفترسة والمخيفة ، يشكلون عاجزا أمام بناء دولة الحق والقانون و تطور مسيرة حقوق الإنسان ببلادنا ، على خلاف التوجه العام للدولة الذي يسير نحو إصلاح العدالة و توسيع فضاء الحقوق والحريات و تخليق الحياة العامة . أخشى أن يستمر نفوذ المتحكمين الجدد و سيطرتهم على المشهد السياسي والسوق المالية و الثروة أمام ضعف الحكومة في مجابهتهم والحد من هيمنتهم ، لأن ذلك يعد مؤشرا لاضطرابات اجتماعية مقبلة ، نتحمل جميعا المسؤولية المعنوية ، بصفتنا فاعلين سياسيين أو مدنيين ، في تجنيب البلاد من أي هزة محتملة و ذلك بالكفاح المستميت ضد التحكم والمتحكمين . وعندما نصنع ديمقراطيتنا وعدالتنا بأنفسنا ، سوف لن تفكر دولة طامعة أو حاقدة في التدخل في شؤوننا وتهديد استقرارنا و أمننا .