مُخطئ من يعتقد أن الغش يُحارب بفرض عقوبات قانونية لا تطبق في الغالب الأعم إلا على المستضعفين من العباد. ما معنى أن نمنع التلاميذ أو الطلبة من الغش وتشديد المراقبة عليهم والمدرِّس نفسُه غشاش لم يصل لما هو عليه إلا بالغش وسلك طرق غير مشروعة لبلوغ ذلك؟ ما معنى أن نمنع الغش عن المتعلمين ومدير المؤسسة نفسه يمارس الغش على أعلى مستوى؟ فلولا فلان ابن عمته صديق ابن المسؤول فلان لما أصبح مديراً. ما معنى أن نمنع الغش عن المتعلمين وفقيه المسجد وإمامه يمارس الغش وهو على منبر رسول الله؟ فلولا فلان ابن خاله لما حصل على المسجد الذي يؤم فيه الناس ويذكر فيه حديث "من غشنا فليس منا". ما معنى أن تمنع الغش عن الأخرين وتبيحه لنفسك عندما يتعلق الأمر باجتيازك امتحان ترقيتك أو تغيير إطارك؟ هل حلال عليك الغش وحرام على الآخرين؟؟ ما معنى أن تمنع الغش عن الآخرين وأنت دائم الغياب أو لا تدرِّس إلا نصف حصتك، والنصف الآخر تقضيه في شرب الشاي والقهوة أو في الحديث في الهاتف مع فلان أو فلانة، أو تأتي لتوقع الحضور وتغادر في الحين وتترك أبناء الشعب يتسكعون في الشوارع؟... أليس هذا غشاً؟؟؟ طبعاً أنا هنا لا أعمم هذا السلوك على الكل، ولا أدعو إلى الغش والسكوت عن الغشاشين، فهناك لا محالة أناس نزهاء شرفاء في كل مجال. لكنني أحببت أن أقول إن ثقافة الغش مستشريةُ في مجتمعنا ومتغلغلة فيه في كل مجال وعلى أعلى المستويات، بشكل أصبح معه المرء يمارس الغش وهو لا يدري أنه يغش؛ فتغيرت تبعاً لذلك دلالة حديث النبي (ص) مِن: "مَن غشنا فليس منا" إلى: مَن غشنا فهو منا! إن أحسن وسيلة للقضاء على الغش في نظري أن تجعل المرء يبغض هذا السلوك الدنيء ويترفع عن ممارسته وهو مؤمن بأن كل من حوله له القناعة ذاتها وله الشعور ذاته، أن يحس أنه يعيش في مجتمع نزيه لا يوجد فيه تطبيع مع الغش والغشاشين. وهذا في نظري لا يتأتى إلا بنشر الوعي بخطورة هذا السلوك على الفرد والجماعة، والعمل على محاربة الغش من جذوره وليس من الفروع. فإذا كان المسؤول غشاشا فطبيعي أن نرى من تحته يغشون؛ إذ فاقد الشيء لا يُعطيه كما يقال. ورحم الله قائل هذا البيت: إذا كان ربُ البيتِ بالدفِ ضاربٌ____ فشيمةُ أهلِ البيتِ الرقصُ *أستاذ باحث