في حوار مع "برلمان.كوم".. الدكتور البغدادي يسلط الضوء على تحديات النظام الصحي بإفريقيا    تداولات البورصة تنتهي بأداء إيجابي    خبير ينبه لأضرار التوقيت الصيفي على صحة المغاربة    مجلس النواب يدين بقوة العدوان الإسرائيلي ويجدد دعمه للقضية الفلسطينية    فرق ضوسي يفوز بتنائية على اتحاد البجيجيين في المباراة الإفتتاحية    الهجرة والتعاون الأمني بين الرباط وباريس .. هكذا يغير المغرب قواعد اللعبة مع فرنسا    فرنسا والمغرب يشكلان مجموعة عمل مشتركة لتسهيل إجراءات ترحيل المهاجرين غير النظاميين    قيوح يتباحث بالدوحة مع نظيره القطري حول سبل تعزيز التعاون في مجال النقل الجوي    "أشبال الأطلس" يحلمون بلقب إفريقي.. مواجهة حاسمة أمام الفيلة في نصف النهائي    اختراق جدار وسرقة ذهب.. سقوط "عصابة الحلي" في قبضة الأمن    وزير الداخلية الفرنسي يعلن تقوية الشراكة مع المغرب ضد الهجرة غير النظامية    تنظيم "جيتكس إفريقيا المغرب" يترجم التزام المملكة لفائدة تعزيز التعاون جنوب-جنوب في مجال التكنولوجيات (المدير العام لوكالة التنمية الرقمية)    أي أفق لمهمة ديميستورا، وأي دور للمينورسو؟ .. التحول الجذري أو الانسحاب..!    أسعار الذهب تتراجع بعد انحسار التوترات التجارية    جريمة ب.شعة بطنجة.. رجل يجهز على زوجته بطع.نات ق..ات/لة أمام أطفاله    "جاية" للإخوة بلمير تتصدر قائمة الأغاني الأكثر مشاهدة بالمغرب    أخبار الساحة    السغروشني تلتقي بحاملي المشاريع المنتقاة في إطار مبادرة "موروكو 200"    تسريبات CNSS تفضح التهربات والأجور الهزيلة لعمال شركات كبرى في طنجة    وفاة أستاذة أرفود تسائل منظومة القيم بمؤسسات التربية والتكوين    مستخدمو "شركة النقل" يحتجون بالبيضاء    توقيف الفنان جزائري رضا الطلياني وعرضه أمام القضاء المغربي    الشركة "إير أوسيون" ترد بتفاصيل دقيقة على حادث انزلاق طائرة في فاس    بوعرفة تتصدر مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب    وكالة بيت مال القدس تدعم حضور شركات فلسطينية ناشئة في "جيتكس 2025"    ماريو فارغاس يوسا.. الكاتب الذي خاض غمار السياسة وخاصم كاسترو ورحل بسلام    محاميد الغزلان.. إسدال الستار على الدورة ال 20 لمهرجان الرحل    "تم بتر إحدى رجليه"..رشيد الوالي يكشف عن الوضع الحرج للفنان محسن جمال    مديرية الضرائب تطلق خدمة إلكترونية جديدة لطلبات الإبراء من الغرامات والزيادات    الفارس عبد السلام بناني يفوز بالجائزة الكبرى في مباراة القفز على الحواجز بتطوان    الأدب العالمي في حداد .. ماريو فارجاس يوسا يرحل عن 89 عامًا    لطيفة رأفت تطمئن جمهورها بعد أزمة صحية    في ظرف ثلاثة أيام.. حقينة سدود كير-زيز-غريس تنتعش    جبهة دعم فلسطين تواصل الاحتجاج ضد التطبيع وتدعو لمسيرتين شعبيتين ضد رسو "سفن الإبادة" بالمغرب    هذا موعد كلاسيكو الليغا بين البارصا والريال    نجل أنشيلوتي يكشف سبب تصرف مبابي ويستنكر ما حدث مع أسينسيو    وفاة أستاذة أرفود.. بووانو يستنكر الاعتداء على نساء ورجال التعليم    إنذار صحي جديد في مليلية بعد تسجيل ثاني حالة لداء السعار لدى الكلاب    بسبب فقدانه للمصداقية.. جيش الاحتلال الصهيوني يتعرض لأزمة تجنيد غير مسبوقة    محاولة اختطاف معارض جزائري على الأراضي الفرنسية.. الجزائر تتورط في إرهاب دولة    ردا على اعتقال موظف قنصلي.. الجزائر تطرد 12 دبلوماسيا فرنسيا    طقس الإثنين.. أمطار ورياح قوية بعدد من المناطق المغربية    كيوسك الإثنين | الصين تعزز استثماراتها بالمغرب عبر مصنع ل "الكابلات" الفولاذية    أين يقف المغرب في خريطة الجرائم المالية العابرة للحدود؟    لي تشانغلين، سفير الصين في المغرب: لنكافح الترويع الاقتصادي، وندافع معًا عن النظام الاقتصادي العالمي    جايسون إف. إسحاقسون: إدارة ترامب حريصة على حسم ملف الصحراء لصالح المغرب تخليدًا لعلاقات تاريخية متجذرة    بالصور.. مؤسسة جورج أكاديمي بسيدي بوزيد تنظم سباقا على الطريق بمشاركة التلاميذ والآباء والأمهات والأساتذة..    أمن طنجة يوقف شخصًا اعتدى على متشرد.. والمواطنون يطالبون بعدم الإفراج عنه رغم شهادة اضطراب عقلي    الكعبي وأوناحي يتألقان في اليونان    طبيب: السل يقتل 9 أشخاص يوميا بالمغرب والحسيمة من المناطق الأكثر تضررا    من خيوط الذاكرة إلى دفاتر اليونسكو .. القفطان المغربي يعيد نسج هويته العالمية    دراسة: الجينات تلعب دورا مهما في استمتاع الإنسان بالموسيقى    التكنولوجيا تفيد في تجنب اختبار الأدوية على الحيوانات    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لاقط هوائي بالكون أطلانتيكو، جريمة في جنح الظلام
نشر في هسبريس يوم 28 - 05 - 2016

كثر اللغط والحديث حول اللاقط الهوائي الذي أقامته إحدى شركات الاتصالات بحديقة « بالكون أطلانتيكو »، حيث هبت العديد من الفعاليات المدنية والسياسية إلى الاستنكار والاحتجاج بمختلف الأشكال السلمية إعلانا لرفضها لهذا اللاقط الهوائي، وبدورنا لا يمكن أن ندع هذا الموضوع الذي استنفر العديد من سكان مدينة العرائش، دون الادلاء برأي أو تعليق.
وقبل تقييم الأضرار المحتملة جراء إقامة هذا اللاقط الهوائي، لا بد من التعريج على مراحل وضعه بالحديقة التاريخية لبالكون أطلانتيكو. فبجرة قلم وكما عودنا رئيس المجلس البلدي بتصرفاته المرتجلة والمتسرعة والانفرادية في ولاياته السابقة، قام في سرية تامة بتسليم ترخيص مكتوب لإحدى شركات الاتصالات لإقامة هذا اللاقط بشكل قانوني، وبمجرد أن شرعت هذه الأخيرة في بداية الأشغال، انتبهت الساكنة باستغراب شديد لما يقع، ونظمت على الفور فعاليات مدنية مختلفة وقفة احتجاجية بعين المكان، لتتدخل بعض الأطراف التي تحاول اللعب على الوترين، من أجل تنظيم جلسة حوار بين تمثيلية من المجتمع المدني ورئيس المجلس. حوار حضره ممثلون عن شركة الاتصالات المعنية، وكان الحديث بين أخذ ورد بين كلا الطرفين حول المنافع والمضار، لينتهي اللقاء إلى وعد بمراجعة القرار.
تستمر أطوار القضية في جلسة دورة ماي لتشهد حضور فعاليات محتجة على هذا الفعل، وتتم إثارة الملف بشكل رسمي مع إبراز كل حيثياته عبر تدخلات ممثلي المعارضة، لكن الغريب أن رئيس المجلس البلدي آثر الصمت متجنبا الرد، وكأنه يقر بفعلته الشنيعة ويضمر أمرا كان مقضيا. بمجرد انتهاء الجلسة الثانية، مسدلة الستار عن دورة ماي 2016، وفي جنح ظلام ليلة الغد الموالي، تعمد الشركة المعنية إلى بناء لاقطها الهوائي فارضة الأمر الواقع على المواطنين، وسط صدمة ومفاجأة للجميع.
لتتفجر الاحتجاجات من جديد وتدخل العديد من الفعاليات المدنية والسياسية في برنامج نضالي غير مسبوق كان من بينه اعتصام ومبيت لليلة داخل مقر بلدية العرائش والدعوة إلى مسيرة احتجاجية يوم الأحد 29 ماي 2016.
غير أن من الغرابة أن تتعالى بعض الأصوات الشاذة التي اعتبرت أن الاحتجاج على هذه الواقعة مجرد « بروباغندا إعلامية »، وأن اللاقط الهوائي المذكور ليس له أي ضرر على صحة وسلامة المواطنين، بل وله منافع أساسية متمثلة في تقوية الشبكة اللاسلكية وتجويد الخدمات الهاتفية…..
لن نسيئ فهم نية هؤلاء وأمثالهم حتى نتهمهم بمجموعة « كاري حنكو »، لكنه من حقنا أن نصفهم بالجهل المطبق، وغياب إحساس المواطنة الصادقة، وانعدام الضمير الأخلاقي والإنساني، وعدم الانتماء إلى روح المدينة المتضامنة. وإلى كل هؤلاء وغيرهم نقول:
شهدت حديقة بالكون أطلانتيكو العديد من حالات احتلال الملك العمومي من قبيل نشر كراسي المقاهي المجاورة، ومحاولة إقامة فضاء مثلجات، وسيرك متنقل و…. كلها باءت بالفشل بفعل تضامن الساكنة وتواجد روح المسؤولية لدى عدد من المستشارين الجماعيين، والتاريخ يسجل ذلك، وبناء عليه، فإنه من الغبن والحمق الاستسلام أمام إقامة لاقط هوائي رغم أنف الجميع، إذا كان هناك إجماع تام على ضرورة تحرير فضاء بالكون أطلانتيكو من كل أشكال احتلال الملك العمومي.
اعتبار أن هذه المعركة هامشية ولا ترقى إلى حجم الكوارث والمآسي الاجتماعية التي تعرفها المدينة هو « حق أريد به باطل »، لأن غرض من يتداولونه، هو تجنب الإحراج السياسي الذي سقط فيه « الرئيس وزبانيته »، ووتمييع نضال من هبوا إلى الاحتجاج والاعتراض بغيرة منهم. هم لا يعرفون أن الأمر أكبر من مجرد لاقط هوائي، يتعلق الأمر باستهجان لكرامة المواطنين، بضرب حقوقوهم الثابتة في الاستشارة والمقاربة التشاركية في كل قرارات تدبير الشأن المحلي، هو خطوة في محاولة تمريغ قدسية المكان الحر الذي لم يستسلم لكل أشكال الاحتلال، حتى يسهل تطويقه وغزوه من مختلف الجبهات.
أما الحديث عن الأضرار الصحية، فهو أكبر من أن يحيط به مقال متواضع، موضوع أسيل فيه الكثير من المداد، وصدرت فيه العديد من الأحكام القضائية في مختلف ربوع العالم، وفي هذا الصدد، أقتبس فقرات من مقال منشور على الإنترنت يتحدث عن واقعة شبيهة وقعت بالجارة « تونس »، حيث أمر القضاء التونسي بإجراء خبرة جاء فيها: « توصل التقرير الى أن نسبة الضجيج العام المتسرب من المحطة (BTS) يبلغ 59 ديسيبال (وحدة قياس الضجيج). وتتراوح بين 53 و65 ديسيبال حسب فترات النهار والليل، «وبالنظر الى عدم وجود مواصفات ومعايير تونسية لهذا الأمر فلقد تمّ اعتماد المواصفات العالمية في هذا الخصوص وكذلك القوانين والمناشير الصادرة في الغرض». وتوصل الخبير في تقريره الى أن «كل المقاييس التي تحصلنا عليها تجاوزت الحدّ الأقصى المسموح به داخل الاقامات الحضرية وهو معدل 40 ديسيبال ليلا و55 ديسيبال نهارا في حين أن الفترات الفاصلة بين الليل والنهار لا يجب أن تتعدى 50 ديسيبال. ».
وجاء في التقرير أيضا أن الوكالة الوطنية للرقابة الصحية والبيئية للمنتجات أكدت بخصوص الانعكاسات الصحية لأجهزة الالتقاط الخاصة بشبكة الهاتف الرقمي الجوال على اتخاذ الحذر والوقاية من تأثيرات تلك الأجهزة، وبالتحديد التعرض الى الذبذبات الكهرومغناطيسية الناجمة بصفة عامة عن تقنية الهاتف الرقمي الجوال، وذلك تماشيا مع القوانين والتراتيب المعمول بها في العديد من الدول المتقدمة.
في نفس المقال الذي تطرق إلى الواقعة المشابهة المذكورة أعلاه، تم الحديث عن أن منظمة الصحة العالمية أصدرت في هذا الاتجاه عدة توصيات تقتضي ضرورة اعتماد مبدأ الاحتياط عند تركيز تلك الهوائيات بالنظر الى انعكاساتها السلبية وتأثيراتها الجانبية على الصحة العامة.
والجميل أيضا في ذات المقال، أنه ذكر بأن المحكمة الابتدائية بصفاقس ومحكمة الاستئناف بتونس وبعض الهيئات القضائية الأخرى قد نحت منحى جديدا في التعامل مع هذا المشكل واعتبرت أنه لا يمكننا انتظار حصول المضرّة حتى يقضي برفعها، بل إنّ الأصل هو التوقي والاحتياط وبذلك فإن رفع الهوائي أمر ينسجم مع مقتضيات الفصل 99 من مجلة الالتزامات والعقود والمتعلق برفع المضرّة.
الاجتهاد القضائي عامة، في تأكيده على المقاربة الوقائية المرتبطة بصحة المواطنين وسلامتهم انتبه إلى أنه لا يمكن أن ينتظر حصول الضرر ولو بشكل غير مؤكد، لأنه في حال حصوله ورغم ضعف احتمال ذلك، سيؤدي إلى الاعتداء على أهم حقوق الانسان ألا وهو حق السلامة الجسدية، وفي هذا المسار القضائي عبرة لكل المشككين الذين يؤمنون بمنطق « دعها حتى تقع » في مجال تدبير الشأن العمومي، متحدين إرادة المواطنين الذين انتخبوهم.
حسبنا هذه الأسباب التي لا نظنها لا تقنع عاقلا، إلا من اختار سياسة « الأذن الصماء » و « حوار الطرشان »، لنؤكد حقيقة واحدة أن تجاهل إقامة هذا اللاقط الهوائي لن يفضي إلا إلى المزيد من الكوارث التدبيرية والأفعال الانفرادية ستزيد الوضع سوء في مدينة أخذت معالمها في الانهيار والاندثار، لأنه لن يسعنا أنذاك إلا أن ننتظر « سفينة نوح » لتحملنا إلى ملاذ آمن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.