خلص إدريس بنعلي إلى نهاية الأحزاب السياسية المغربية بعدما تحولت إلى أحزاب تتسابق على التقرب من المؤسسة الملكية، التي قال بنعلي إنها لم تحظ يوما بالقوة التي تتمتع بها اليوم، بعد أن هيمنت على النخب السياسية وكيفت جميع الأحزاب، وأشار بن علي إلى الوضع المتأزم الذي يعيشه المشهد الحزبي المغربي والذي سيؤدي لا محالة إلى انتشار التطرف بعد أن عمل المخزن على قتل كل نقط القوة المستقلة فيه. "" ما رأيكم في التشكيلة الحكومية التي تم الإعلان عليها؟ أظن أن الانتخابات التي تم تنظيمها لم نكن في حاجة إليها ما دامت الحكومة تتشكل وفق أسس أخرى، فلكي تترسخ الديمقراطية يجب على المخزن أن يبتعد عن الأحزاب السياسية لكي يكون هناك تنافس واختبارات لبرامج الأحزاب, فالأحزاب الحالية تفتقد للمبادرة وهي أحزاب تابعة لا تتحرك خارج الإرادة الملكية. تحول الوزير الأول إلى مجرد وسيط بين زعماء الأحزاب ومستشاري الملك، هل هذا من الديمقراطية في شيء؟ نفس الأمر كان مع الوزراء الأولين قبله، وهل كان جطو شيئا آخر غير وسيط.؟ لكننا اليوم نتحدث عن وزير أول قادم من حزب سياسي قديم، له وزن في الساحة السياسية المغربية؟ اليوسفي ذات نفسه عندما بدأ حواره مع الحسن الثاني كان مجرد وسيط، لأنه عندما بدأ المفاوضات باسم حزبه بدأ يرضخ للإرادة الملكية كنوع من المجاملة، حيث ظهر أنه يحاول تلبية الرغبة الملكية أكثر من أي شيء آخر، هذا مع أن اليوسفي كان يحظى باحترام الجميع نظرا لوزنه التاريخي، والوزير الأول الحالي لا يمكن أن ننتظر منه شيئا آخر، وأنا شخصيا لا أتوقع مثل هذا الأمر. خلال افتتاح البرلمان الجديد وضع الملك الخطوط الكبرى للعمل البرلماني وكذا التوجهات المستقبلية للحكومة، ما جدوى برامج الأحزاب إذن؟ برامج الأحزاب للاستغلال الإعلامي فقط، لأنه منذ البداية تأكد للجميع أن هذه البرامج لن تطبق, منذ أيام الحسن الثاني والملك هو من يحدد خريطة المغرب البرناماجتية للسنوات المقبلة. في ظل هذا الوضع إلى أين يذهب المغرب؟ أظن أن ما يهم المغرب الآن هو أن يبدو للغرب بأنه ذاهب في اتجاه العصرنة، ولكن في العمق أعتقد أن المخزن غير مستعد للتخلي عن سلطاته، لأن الأحزاب المنوطة بها أن تقوم بهذا الدور وان تكون هي السلطة المضادة، تفتقد إلى المقومات التي ستمكنها من لعب هذا الدور، والحسن الثاني أيام الستينيات والسبعينيات كان في مواجهة معارضة حقيقية مستقلة، واضطر أن يتعامل معها كمعارضة ولو في بعض الأحيان بالقمع، أما اليوم فلا توجد معارضة لأنه لا استقلالية للأحزاب، والنخبة السياسية هي مجرد نخبة في خدمة القصر، نحن نفتقد للنخبة، بل أكثر من ذلك المخزن هو من يخلق السياسيين، بمعنى أنه سيطر على الحقل السياسي بشكل نهائي، هم يتحدثون عن المسلسل الديمقراطي وأنا لا ألمح أي شيء من هذا القبيل. ما رأيكم في استمرار استوزار شخصيات تكنوقراطية بلباس حزبي، خاصة وأن بعض الأحزاب قد عارضت الأمر في حكومة جطو، في حين صمت الجميع عن هذه المسألة؟ الأمر يتعلق بمسألة تقليد، والأحزاب قبلت به بمعنى أن المخزن يخلق التقاليد والأحزاب تقبل بها، مما يفقد المشهد السياسي المغربي الطعم، فأنا أرى مثلا حزبا كالاتحاد الاشتراكي بتاريخه الطويل صامتا وبهذا فأنا لا أفهم موقعه من الإعراب لأنه أولا ضحى بإرثه الماضوي، أي إرث عبد الرحيم بوعبيد وغيره، بحيث لم تعد له استقلالية وبدأ يتهافت كغيره على المناصب، رغم حلوله في مرتبة متأخرة في الانتخابات، فماذا ينتظر منه إذن؟ على إثر إشارتك للاتحاد الاشتراكي، الملاحظ أن اجتماعات مكتبه السياسي كانت ضد المشاركة، ولكن اليازغي اختار المشاركة في الحكومة بمهمة وزير بدون حقيبة؟ الأمر في نظري لا يعدو أن يكون مجرد سينما، لأن الحبابي العضو القيادي في الاتحاد الاشتراكي يتهم اليازغي بالستالينية، وهذا يعني أن اليازغي يفرض برنامجه الشخصي على الآخرين، فطرق اليازغي في التسيير حسب الحبابي ستالينية وديكتاتورية ولا تعبر عن رأي القاعدة داخل هذا الحزب، إذن فالحزب مهدد ومعرض للانفجار في المستقبل. لوحظ أن جل الأحزاب السياسية تبرر مواقفها بكونها تنفيذا للرغبة الملكية؟ يضحك.. الأحزاب المغربية الآن تتنافس وتتسابق حول من يكون قريبا من الملك، وسيحظى بتطبيق برنامج الملك، أما برامجهم السياسية فلا وجود لها، فالبرنامج الوحيد في هذا البلد هو البرنامج الملكي لا أقل ولا أكثر. عادت وزارات السيادة في التشكيلة الحكومية الجديدة بقوة لدرجة أضيف إليها قطاع التعليم، بما تفسر الأمر، خاصة وأن جل القطاعات الإستراتيجية في أيادي غير حزبية؟. وزارات السيادة مفهوم ومصطلح غير موجود في الدستور، هذه "غلطة" استراتيجية ارتكبها اليوسفي، لأنه كان عليه أن يرفض عزل هذه الوزارات عن سلطة الأحزاب، لهذا أعتقد أن الملكية لم تصل يوما إلى درجة القوة التي وصلت إليها الآن، هيمنة مطلقة مع اعتراف بتكييف جميع الأحزاب. نحن إذن أمام نهاية الأحزاب؟بالفعل، فحتى إسلاميو العدالة والتنمية سيعانون من هذا الأمر، لأنهم قبلوا بشروط اللعبة، إذا ما تأملنا خطابهم أثناء الحملة الانتخابية سنلحظ أنه كان يستعمل خطابا مهادنا، ونتيجة هذه المسألة هو أن المغرب سيعرف المزيد من التطرف، إذن لم يبق أمل، والخطير هو أن تقتل الأمل داخل أي مجتمع وذلك بقتل نقط القوة المستقلة فيه، فلا ديمقراطية دون استقلال الحقل السياسي والنخبة السياسية، فكما قلت لك سابقا، في الستينات والسبعينات كانت هناك معارضة وكان الحكم يقمعها أو يتفاوض معها، أما اليوم وكما قال المفكر الأمريكي "فوكوياما" نحن اليوم أمام نهاية التاريخ في المغرب.