يتنافس نحو 30 حزبا سياسيا خلال استحقاقات 12 يونيو المقبل، مع رهان مزدوج يتمثل في مصالحة الناخبين مع صناديق الاقتراع، وانبثاق جيل جديد من المسيرين المهتمين بالتدبير المحلي. "" ويقول المحلل السياسي محمد ضريف إن الأحزاب مدعوة، من أجل الإغراء والإقناع، إلى تطوير "خطاب واقعي واقتراح مرشحين ذوي مصداقية لكسب ثقة الناخبين"،معتبرا أن زمن "تجارة الوهم" قد ولى. من جهته أشار الاقتصادي إدريس بنعلي لوكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أن "التوظيف السياسي للأحداث المتفرقة" لم يخدم أبدا لا الديموقراطية ولا مصلحة المواطنين، وكذلك الشأن بالنسبة للوعود الانتخابية التي لم تشكل أبدا برامج انتخابية، معربا عن أمله في رؤية الحشود معبأة وراء مشاريع مجتمعية حقيقية. ` مشهد سياسي متجدد ` وتأتي هذه الانتخابات الجماعية أيضا، مظللة بشعار الشفافية وتخليق المسلسل الانتخابي، في سياق مشهد سياسي تجدد نسبيا بعد ولوج تشكيلات حزبية جديدة للساحة تعتبر نفسها في قطيعة مع الأحزاب التقليدية. وستسعى عشرات الأحزاب الجديدة، مقارنة مع الانتخابات الجماعية السابقة في 2003، لأول مرة على هذا المستوى للحصول على أصوات الناخبين، من بينها الحزب العمالي، وتحالف أحزاب قديمة مع وافدين جدد مجتمعين تحت لواء حزب الأصالة والمعاصرة. وعقد حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تأسس في غشت 2008 ، بعد اندماج 5 أحزاب سياسية واستقطاب حساسيات وشخصيات وطنية مختلفة، في فبراير الماضي مؤتمره الوطني الأول. ويرى المحلل السياسي ضريف أن الوافد الجديد على الساحة السياسية، الذي يستقطب اهتمام وسائل الإعلام والسياسيين يمكن أن "يخلق المفاجأة". ويميز ضريف، في هذا المشهد السياسي، الذي "لم يشهد تغييرا عميقا" مقارنة مع الانتخابات الجماعية السابقة التي فاز بها حزب الاستقلال، بين "الثوابت" المتمثلة في الأحزاب التقليدية (الاستقلال، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والعدالة والتنمية، والاتحاد الدستوري)، و"المتغيرات" من خلال اللامنتمين سياسيا وحزب الأصالة والمعاصرة. ويحتمل أن يستمر اللامنتمون سياسيا في ممارسة ثقلهم، وتعقيد اللعبة السياسية كالمعتاد. وكذلك الأمر بالنسبة للأحزاب الصغيرة، وهي عشرات رأت النور بعد 2003 وتدخل أول تجربة انتخابات جماعية، التي "لن تغير شيئا في الوضع" الأساسي، لكن قد تصلح كسند لدى عقد التحالفات بعد الانتخابات. ويعد هذا الاقتراع، الذي يراد له أن يكون موعدا لتطوير الديموقراطية، اختبارا حقيقيا لقوة التعبئة لدى الأحزاب، ولقدرتهم على تعزيز ثقة المواطن في الهيئات الممثلة له، مع رهان رئيسي هو دفع أكبر عدد من الناخبين للإقبال على صناديق الاقتراع. ` تعزيز ثقة المواطن : رهان صعب ` ويبدو هذا الرهان صعبا بالرجوع للانتخابات الجماعية 2003 والتشريعية 2007 اللتان تميزتا بمعدل قياسي للعزوف عن التصويت (63 في المائة) لم يسبق أبدا تسجيله في تاريخ المغرب. ويعزو البعض هذه النسبة الضعيفة للطابع الوطني للانتخابات الأخيرة، مظهرين الثقة بخصوص حدوث مشاركة هامة في انتخابات 12 يونيو، لأن الأمر يتعلق ب"تصويت محلي". ويعتقد ضريف أن الانتخابات في المغرب ترتبط في جوهرها بمفهوم القرب. لذا السؤال المطروح هو معرفة كيفية استقطاب اهتمام المواطن، الذي يقول ضريف إنه يتجه أكثر نحو "إعطاء طابع المحلية" للانتخابات بسبب المسائل العاجلة التي عليه مواجهتها يوميا. ويضيف أن مفهوم الوجهاء المحليين، المعروف شعبيا ب"ولد الدرب أو ولد الحومة"، لازال أمامه عمر طويل. أما ادريس بنعلي، فيعتبر أنه أمام كدح الأحزاب لتعبئة الناخبين، كانت السلطات، عبر تبنيها للشفافية التي أشاد بها عدد من المراقبين الوطنيين والدوليين، خاصة في الانتخابات التشريعية 2007، المنتصر الحقيقي في الاقتراع. لكنه يقر أن هذه "النزاهة" لديها ثمن على المدى القريب، مضيفا بالمقابل أنها تظل ممرا لابد منه لتطهير الحياة السياسية واكتساب المصداقية وإعطاء إشارة قوية للرأي العام، الذي سئم من اللعبة الحزبية والممارسات السابقة. وتفتخر وزارة الداخلية، المشرفة على هذه الانتخابات، بكونها ترجمت إلى أفعال جميع الالتزامات التي أخذتها على عاتقها في إطار مشاورات واسعة مع الأحزاب السياسية. وكانت السلطات قد وعدت بتطبيق "حرفي وصارم" لقانون مكافحة كل المحاولات الساعية للتشويش على هذه العملية الانتخابية، وذلك لتنتج إرادة الناخبين مجالس جماعية قادرة على تجسيد ديموقراطية القرب والحكامة المحلية. وستحدث هذه الأخيرة، التي تعد رهان آخر لانتخابات 12 يونيو المقبل، تغييرا عميقا في العلاقات بين سلطات الوصاية والمجالس الجماعية، وستترجم عبر الانتقال من الوصاية إلى شراكة حقيقية. ويرحب ضريف بكون هذه العلاقات لم تعد تتسم ب"التبعية" لأن الدولة تتجه نحو القيام بدور "مرافق" في تدبير الشأن المحلي. إنها رهانات تعكس إرادة راسخة ومعلنة على أعلى مستوى لرؤية هذا الاقتراع يتم طبقا للمعايير الدولية للديموقراطية التمثيلية ولجعل التجربة الجماعية الناجحة، خطوة على طريق الجهوية باعتبارها خيارا مجتمعيا استراتيجيا.