على بعد 26 كيلومترا من مدينة العيون، يقع ميناء المدينة التابع للنفوذ الترابي لبلدية المرسى. ويعتبر هذا الميناء من أكبر الموانئ في الأقاليم الجنوبية للمملكة، كما أنه يعرف رواجا لمختلف الكائنات البحرية التي تجود بها الطبيعة وتتفنن أيادي الصيادين في اقتناصها خلال عبورهم لمياه البحر الأطلسي. وخلال السنوات الأخيرة، ومع التطور الذي عرفه قطاع الصيد البحري في المملكة، لا يزال عدد من البحَّارة يعانون من مجموعة من المشاكل، خاصة أولئك الذين يعيشون على الصيد التقليدي، بالرغم من جودة المنتوج الذي يقدمونه. وينقسم قطاع الصيد في المرسى إلى ثلاثة أصناف، الأول خاص بالصيد في أعالي البحار؛ حيث يمتد لثلاثة أشهر كاملة. أما الصنف الثاني، فهو الصيد الساحلي الذي يمتد من خمسة إلى عشرة أيام، في حين يأتي الصيد التقليدي كصنف ثالث، لا يتجاوز يوما واحدا، ويتم عبر قوارب صيد صغيرة وعدد محدود من الصيادين. هسبريس زارت بلدية المرسى وميناءها الذي يستقبل يوميا مئات القوارب، وتحدثت مع صيادين عن المشاكل التي تواجه عملهم اليومي، فيما لم يقو أغلب العاملين في الميناء عن التعبير عن قضاياهم ومشاكلهم التي يعانون منها خوفا من طرد قد يلحقهم من رب العمل، وعدم تعودهم على الحديث إلى وسائل الإعلام، على حد تعبير فاعل جمعوي. إكراهات جمة رشيد مسكين، مزاول لمهنة الصيد منذ سنة 1989، تحدث لهسبريس عن أبرز الإكراهات التي واجهت عمله طوال هذه السنوات، ولم يخل حديثه من امتعاض نتيجة ما اعتبره "ابتزازا" يتعرض له بشكل يومي خلال ممارسته للصيد. وشدد مسكين على أنه باعتباره زاول المهنة في إطار الصيد التقليدي، ظل يواجه مشكل تثمين المنتوج، موضحا أنه رغم الجودة التي تتميز بها الأسماك التي يصطادها، خاصة وأنه يعرضها للبيع يوم اصطيادها، إلا أن ما أسماها "لوبيات السوق" تستهدف الصيادين من أمثاله بأسعار متدنية بالمقارنة مع السعر الذي يباع به السمك للمستهلك. واستشهد الصياد الذي تجاوز سن الخمسين على هذا التلاعب بالأسعار بكون السمك الأحمر يباع في بعض المناطق بالمغرب بسعر يصل إلى 160 درهما، لكنه في المرسى لا يتعدى 40 درهما، ما يوضح، على حد قوله، الفرق الشاسع بين الثمن الذي يقدم لعمال الصيد البسطاء وسماسرة هذا القطاع الذين يستغلونهم، في مقابل استهلاك المواطن لحيوانات البحر بأغلى الأثمان نتيجة ذلك. وعرج المتحدث ذاته على قرية للصيادين تدعى "تاروما"، مبرزا أن "جلالة الملك محمد السادس أراد لها أن تكون قرية نموذجية للصيادين وأن تكون جنة لهم"، على حد تعبيره، لكنها حاليا لا تعدو أن تكون مجرد أرض خلاء، متهما بعض العاملين في القطاع بعرقلة تطورها، والوقوف في وجه مصالح الصيادين، كما أنها لا تتوفر على رصيف ترسو فيه القوارب، ما أضر بهذه القوارب وتسبب في تحطمها. ومن المشاكل الكثيرة التي تواجه الصيادين، خاصة في ما يتعلق بظروف العمل، يسرد رشيد مسكين، عدم وجود مستشفيات قريبة في منطقة "تاروما"، وعدم توفر البحارة على سكن لائق على عكس ما دعا له الملك محمد السادس خلال زيارته الأولى إلى مدينة العيون، في وقت يسكنون في محلات مخصصة لتخزين البنزين، ما يعرض سلامتهم للخطر. سلامة على المحك الحديث عن السلامة البدنية للصيادين يبرز بشكل أكبر حينما تمخر قواربهم عباب البحر، خاصة وأن منهم من يمضي أياما طوالا في المحيط بحثا عما يحتويه من موارد، في حين إن عددا من ملاك القوارب لا يوفرون لعمالهم أبسط شروط السلامة. في هذا السياق، يقول حسن الشتوكي، رئيس جمعية النورس لضباط وبحارة الصيد البحري، إن الصيادين لا يتوفرون على سترات النجاة، والتي لا يتجاوز ثمن البعض منها 100 درهم، في حين توفر بعض القوارب عددا من هذه السترات أقل من العدد الإجمالي للصيادين. وأكد الشتوكي، في حديث لهسبريس، على ضرورة تكوين البحَّارة في كيفية الإنقاذ نظرا لأهمية هذه المسألة التي تجاوزتها الدول الأوروبية، على حد تعبيره، مضيفا أن هذه الفئة، ليس فقط في ميناء المرسى بل في مختلف موانئ المملكة، لا تتوفر على تكوين خاص في كيفية تجاوز الأخطار، خاصة في حال تعرض السفينة أو القارب للغرق. وتابع المتحدث ذاته أن هناك تقاعسا من قبل أرباب العمل، بالإضافة إلى ضعف الرقابة من قبل السلطات المعنية، ما يجعل سلامة البحَّارة على المحك، ويزيد من حدة الأضرار التي قد يتعرضون لها في حال غرق قارب الصيد، على غرار ما حدث خلال العام الماضي عندما غرق قارب في سواحل مدينة الداخلة، وراح ضحية هذا الحادث عدد من البحَّارة، فيما شدد على أن من بين المهام الشاقة التي يقوم بها البحَّارة بعد وصولهم إلى البر، إجبارهم على تفريغ حمولة القوارب والمراكب، ما يزيد من تعبهم بعد أن يكونوا قد أمضوا أياما في البحر.