تعليقا على سؤال البرلماني خيري وجواب الوزير الرميد خلال أشغال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية المنعقدة يوم الثلاثاء 3 ماي 2016 بمقر مجلس النواب طرح البرلماني محمد خيري عن فريق العدالة والتنمية سؤالا شفويا حول الأمن القانوني في المغرب مع ربطه بتقرير صادر عن هيئة فرنسية غير حكومية صنف المغرب في الرتبة السادسة من حيث تحقيقه للأمن القانوني؛ وفي معرض جوابه أكد وزير العدل والحريات أنه بالفعل صدر تقرير عن مؤسسة القانون القاري (هيئة غير حكومية فرنسية) صنف المغرب في مراتب متقدمة بشأن الأمن القانون، كما أكد أن المغرب قد قطع أشواطا كبيرة ولازال الكثير لإنجازه؛ بالإطلاع على التقرير الذي تم إعتماده في طرح السؤال وصياغة الجواب يتأكد أن بالفعل تم تصنيف المغرب سادسا في الترتيب من أصل 13 دولة، وهو أمر إيجابي بالنسبة لمصلحة الدولة في علاقتها مع الإستثمارات الأجنبية، وفي علاقتها مع الروابط التي تربط المغرب مع المنتظم الدولي؛ إلا أن النظر إلى الموضوع من زاوية الوضع القانوني والقضائي والتدقيق في التقرير المتضمن للتصنيف فإن الأمر يطرح نقاش من زوايا عدة؛ من اللازم التوضيح أننا عندما نتحدث عن الأمن القانوني وفقا للتوجهات الفقهية والقضائية وحتى النقاش العمومي المغربي فإنه غالبا ما يكون المقصود به هو أن يكون القانون توقعيا، وسهل الولوج، وهو ذات المبدأ الذي أكدته ذاك الذي المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، ومجلس الدولة الفرنسي وكذا المجلس الدستوري الفرنسي الذي أعاد التأكيد على أهمية الولوجية والوضوح في القواعد القانونية؛ ونظرا للإرتباط الوثيق بين الأمن القانوني والأمن القضائي فإنه يجب التاكيد بداية على أن تحقيق الأمن القضائي مرتبط بوجود منظومة تشريعية متناسقة، ومتلائمة مع التشريعات الدولية ومتطابقة مع مقتضيات الدستور؛ ويبقى دور تحقيق هذه المنظومة ملقى بشكل أكبر على المحكمة الدستورية، فهل هذا ما تم إعتماده من طرف التقرير الذي تَحَجَّجَ به السيد وزير العدل والحريات للتأكيد على أن المغرب قد قطع فعلا أشواطا كبيرة أم ان هذا التحَجَّجَ كان مبنيا على نظرة غير شمولية إِنْ على مستوى التقرير ذاته أو على مستوى الواقع التشريعي ككل؟ إن التقرير صنف المغرب السادس دوليا من حيث الأمن القانوني في النتائج العامة، أما في النتائج الموضوعاتية فإننا نجد أن المغرب قد صنف في حالات عدة في المرتبة الثالثة بل الاكثر من ذلك صنف الأول عالميا في موضوع تسوية المنازعات من حيث الترسانة القانونية التي يتوفر عليها؛ لا ننكر أن التقرير قد إعتمد الحد الأدنى للمعايير التي يتم إعتمادها في التأسيس لهذا النوع من المؤشرات، إلا أن من بين المؤشرات التي يعتمدها التقرير لتقديم خلاصاته غالبا ما لم تربط بين توفر هذه التشريعات ومدى نفاذها وتحقق الأمن القضائي، بل ربطته في تفاصيل عدة بمفهوم ونظام الحكم القائم كما أن المؤشر لم يعتمد في غالبيته على استمارات عمودية تصل إلى حد أخذ آراء مستهلكي الخدمات القضائية بل ظل أفقيا مقتصرا على النخبة المتخصصة التي يبدو أنه قدمت أجوبتها أيضا بشكل أفقي وإكتفت بنقاش النصوص القانونية بمعزل عن مدى نفاذها وتحقق المساواة في هذا النفاذ؛ إن الحديث عن الأمن القانوني يرتبط بشكل أساس في ظل واقع متغير بمدى الحرص على تطبيق القانون بين مجموع المواطنين بالتساوي، وتحقق هذا هو الذي يعطي الشرعية للتأكيد على تحقق الامن القانوني وإن لم يتم تصنيف الدولة ضمن المراتب الأولى عالميا، وكم هي التقارير والمؤشرات الدولية التي تعطي صورة قاتمة حول وضع الأمن القانوني والقضائي في المغرب، لكن غالبا ما يتم مواجهتها بكون أن القائمين عليها لا علم لهم بخصوصيات الدولة المغربية؛ إذا فحتى هذا المؤشر الذي تم إعتماده من طرف السيد وزير العدل والحريات يجوز مواجهته بعدم إطلاع القائمين عليه على تفاصيل الخصوصية المغربية، ويبقى ملاذنا من كل هذا هي التقارير التي تنجزها الهيئات غير الحكومية الوطنية التي تعيش وتشتغل في ظل هذه الخصوصية؛ إن الأمن القانوني على الشكل الذي ساقه تقرير مؤسسة القانون القاري بفرنسا، لا يمكن أن يحجب عن المتتبعين وعن الفاعلين القانونيين بالمغرب مدى الإختلال الحاصل على مستوى تطبيق القانون بالتساوي بين الناس وهنا أستحضر برنامج قياس الرأي العام العربي الذي يشرف عليه المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات والذي خلص في تقريره لسنة 2015 إلى أن 77 في المائة من المغاربة المستجوبين أكدوا على أن الدولة تقوم بتطبيق القانون بين الناس ولكنها تحابي (تميز لمصلحة) بعض الفئات؛ إن الأمن القانوني وفقا لما تم طرحه في السؤال البرلماني وكما تم التأسيس له في الجواب الوزاري، محدود في ذاك الأمن القانوني الشكلي الذي كانت التقارير الدولية تؤكد تَمَيُّز تونس بها ضمن الدول المجاورة لها، إلا أنه لم يحمي الدولة التونسية من الإنهيار في حين أنه من أسباب قوة الدول هو توفرها على الأمن القانوني، فالخلاصة إذا أن الأمن القانوني المذكور ليس هو المن8شود؛ واصلا ليس دائما متحقق فقد رأينا مؤخرا كيف تم خرق مبدأ عدم رجعية القوانين في قضية الأساتذة المتدربين، والمعلوم أن من مبادئ تحقق الأمن القانوني مبدأ عدم رجعية القوانين؛ إن الريادة التي نسعى إليها يستحيل أن تتحقق ببرلمان يُطْرَحُ فيه سؤال يبدو (مع إفتراض حسن النية) انه تم طرحه كي تتم الإشارة إلى أن المغرب قد تم تصنيفه رائدا في الأمن القانوني في عهد حزب البرلماني طارح السؤال والوزير المجيب عن السؤال؛ يا ساسة بلادي فلنختلف على قدر ما نشتهي لكن فلنتفق على أن الإستمرارية المنشودة هي إستمرارية الدولة لا إستمرارية أحزاب معينة .. إن هذه الأرض للجميع.