في ظل تعتيم إعلامي كبير يخوض عمال منجم مغربي منذ ما يناهز الأسبوع، اعتصاما تحت الأرض في غارين منفصلين، الأول على عمق 650 متر والثاني على عمق 500 متر، وهو الاعتصام الذي فرضته ظروف عمل قهري في ظل أوضاع تتسم بغياب أبسط الحقوق العمالية، من تسجيل في الضمان الاجتماعي، وحصول على الحد الأدنى للأجر، وتعويض عن الحوادث التي يتعرضون لها والتي كثيرا ما تكون سببا في التخلص منهم وكأنهم مجرد عبيد. "رجال تحت الأرض" هو عنوان هذه المأساة التي يحاول الإعلام الرسمي جعلها طي الكتمان. إنهم رجال يقاومون الظلم في عمق الأرض بمنجم جبل عوام بمدينة مريرت الهادئة، في عمق جبال الأطلس المتوسط. وإذا كنت أتفهم التعتيم الإعلامي الذي تواجه به قنوات الإعلام العمومي اعتصام هؤلاء العمال منذ الثاني من ماي 2016، على اعتبار أن تلك هي السياسة الغبية التي دأب عليها الإعلام الرسمي للدولة، وكأنه يعتقد أنه من الممكن تغطية الشمس بالغربال، خصوصا في زمن شبكات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تفضح كل ما هو مسكوت عنه، فإنني لا أفهم تجاهل الصحافة (المستقلة) لهذا الحدث الذي يهدد حياة عشرات العمال بالموت لا لشيء سوى لأنهم يطالبون بالحق في العيش الكريم. ولا أدري لماذا ذكرتني هذه المأساة برواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني "رجال في الشمس"، والتي حكى فيها مأساة رجال فلسطينيين يحاولون الهروب من بطش الاحتلال الإسرائيلي، فانتهى بهم المطاف قتلى في عمق خزان شاحنة بعد أن أحرقتهم شمس الصحراء. مع الفارق أن ما يحدث للفلسطينيين هو بأيدي احتلال أجنبي غاشم، أما ما يحدث لعمال منجم جبل عوام وغيرهم من عمال هذا الوطن المسحوقين، فهو بأيدي بني جلدتهم من أرباب الشركات ممن قست قلوبهم وماتت ضمائرهم. وللعلم فإن من أسباب اعتصام عمال منجم جبل عوام في حفرتين تحت الأرض على عمق مئات الأمتار، مطالبتهم بتوفير طبيب قار بالمنجم رغم أن هذا المطلب يدخل ضمن دفتر التحملات. حيث أن غياب الطبيب تسبب في وفاة أكثر من 16 عاملا كان من الممكن إنقاذهم. كما أن عدد عمال منجم جبل عوام هو 800 تقريبا، فقط 320 منهم هم المرسمين، في حين أن الباقين يشتغلون دون أوراق، ودون تأمين أو ضمان اجتماعي، حيث يتم التخلص منهم كالكلاب بمجرد إصابتهم بحادثة أثناء تأديتهم لعملهم ودون الحصول لا على تعويض ولا على علاج. وعوض أن تفتح إدارة الشركة حوارا جادا مع ممثلي العمال المعتصمين، لإيجاد صيغة ملائمة لتحقيق مطالب العمال العادلة، خصوصا وأن الشركة تحقق سنويا أرباحا طائلة من وراء الثروات المعدنية التي يزخر بها منجم جبل عوام، حيث وصل صافي أرباح الشركة السنة الماضية فقط إلى 20 مليار سنتيم، فلقد لجأت إدارة الشركة بمنتهى الخسة والندالة إلى المناورة والتحايل بتواطؤ مع السلطات المحلية، لدرجة وصل بها الحال في محاولة إجرامية بائسة لكسر إرادة العمال المعتصمين، إلى القيام بقطع التيار الكهربائي على المنجم بهدف تعطيل أجهزة التهوية، مما احدث إغماءات في صفوف المعتصمين، وهو ما يعتبر في القانون جريمة مكتملة الأركان لما ينطلي عليه ذلك الفعل من تهديد صريح لحق العمال المقدس في الحياة. إن الإنسانية تقتضي التحرك العاجل لإنقاذ حياة هؤلاء العمال، وإجبار شركة "تويسيت" على تحقيق مطالبهم العادلة وفق ما يقتضيه القانون ودفتر التحملات التي أدمنت إدارة الشركة على القفز عليه بمنتهى الفساد والاستهتار، وهي المسؤولية الملقاة على عاتق رئيس الحكومة عبد الإلاه بنكيران ووزيره في العدل مصطفى الرميد، أما زميلهم في حزب العدالة والتنمية عبد القادر عمارة، وزير الطاقة والمعادن، فلا أمل يرجى منه، وهو الذي يرفض مجرد التفاعل مع الصحفيين والحقوقيين عبر الهاتف، والذين أبدوا رغبة صادقة في نقل معاناة هؤلاء العمال المعتصمين إلى المسؤولين في الحكومة قصد إنقاذ حياتهم. أليس من أحيا نفسا كمن أحيا الناس جميعا؟؟؟ *رئيس مركز الحريات والحقوق