تدخل الجماعة الترابية "آيت اعميرة" ضمن أكبر التجمعات السكانية بإقليم اشتوكة آيت باها؛ بحيث وصل عدد قاطنيها إلى أزيد من 76 ألف نسمة، بحسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2014. وتشتهر هذه الجماعة، من الناحية البشرية، باستقطاب عشرات الآلاف من الوافدين عليها من مختلف مناطق المغرب لما توفره الضيعات الفلاحية العصرية ومحطات تلفيف الخضر والفواكه، المنتشرة بشكل مُلفت على امتداد الجماعة المترامية الأطراف، من فرص شغل على مدار السنة، وظروف استقرار للفئات الوافدة. ورافق حجم التواجد البشري الكثيف والمتنوع ثقافيا بروز سلوكيات ومظاهر اجتماعية، أثتت المعيش اليومي بمختلف أحياء ومداشر "آيت اعميرة". فقد أفضى الطلب على السكن إلى "إنبات" أحياء ودواوير عشوائية وغير منظمة، شهدت سنة 2011 أوج تفريخها، ضمن ما عُرف حينها ب"ثورة الإسمنت"، وبقي نحو 10 آلاف مسكن منها، إلى اليوم، بدون كهرباء ولا ماء ولا صرف صحي، كما أن من تبعات الكثافة السكانية، المرتفعة وغير المتجانسة، تفشي عدد من مظاهر الانحراف والإجرام، زيادة عن الطلب على الخدمات الأساسية، كالتعليم والصحة. وسط مركز خميس آيت اعميرة مرفق صحي ارتقى منذ سنين قليلة إلى "مركز صحي"، لكن ما يُقدمه من خدمات لا تروق لجحافل الوافدين عليه، بل إنها مثار سخطهم وغضبهم كلما قصدوه دون أن يتمكنوا من تلقي الفحوصات الضرورية، أو دون الحصول على الأدوية المطلوبة، أو دون توفير العناية اللازمة للنساء الحوامل والرضع، مع ما يستوجب ذلك من انتظار لساعات طوال، وتصرفات "غير قانونية"، أبرزها الزبونية والمحسوبية، وفقا لما نقلته الساكنة التي التقتها هسبريس بالمكان. إطو، عاملة زراعية، تقطن حاليا بدوار "لعرب"، استقرّت بالمنطقة منذ نحو 10 سنوات، قادمة إليها من ضواحي خنيفرة، تحكي لهسبريس، ورضيع على ظهرها، أن المركز الصحي بآيت اعميرة لا يزيد إلا من معاناة كل من يقصده، فباستثناء بعض من لقاحات الأطفال، تبقى باقي الخدمات مؤجلة إلى وقت لاحق، وفقا لتعبير المتحدثة التي زادت أن النساء الحوامل إن قصدن دار الولادة، يتم توجيه غالبيتهن صوب المستشفى الإقليمي المختار السوسي ببيوكرى، ومنه إلى أكادير، تبعا لحالة الحامل، مردفة بصوت ملؤه الحسرة: "ما كاين والو، المسكين غي ربي لِّي معاه". وضمن حديثه عن واقع الصحة بآيت اعميرة، فضّل عبد الله أزييم، عضو المجلس الجماعي، ضمن حديثه مع هسبريس، الإحاطة بمعطيات دقيقة حول الخريطة الصحية، قبل أن يشرع في استعراض مشاكل هذا القطاع بمنطقته. وأورد، في هذا الصّدد، أن قانون هذه الخريطة يوصي بإحداث مستوصف قروي لكل 5 آلاف نسمة، ومركز صحي مستوى أول لكل 15 ألف نسمة، ومركز صحي مستوى ثان يتميّز بوجود وحدة للولادة خلافا للمستوى الأول، وذلك لكل 25 ألف نسمة، ومستشفى محلي لكل 50 ألف نسمة، ومستشفى إقليمي لكل 100 ألف نسمة. وعن الوضع الحالي، الذي يتسم بالنقص الحاد في الموارد البشرية والأدوية والتجهيزات اللازمة، ارتأى أزييم التطرق إلى الحالة الديمغرافية لساكنة آيت اعميرة، موضحا، بهذا الخصوص، أن عدد السكان حاليا يفوق 80 ألف نسمة، "ومع الأخذ بعين الاعتبار معطيات التوافد اليومي للعاملات والعمال الزراعيين غير القاطنين القادمين من الجماعات والأقاليم المجاورة (أزيد من 20 ألفا يوميا)، عدد الساكنة نهارا إلى نحو 100 ألف نسمة، مما يعني، وفقا لمعطيات قانون الخريطة الصحية، وجوب توفر هذه الجماعة على مستشفى إقليمي"، يقول أزييم. من جانب آخر، أورد المتحدث ذاته أن المركز الصحي الحالي يشتغل به إطاران طبّيان، بمعدل طبيب لأزيد من 40 ألف نسمة، بالإضافة إلى 6 ممرضين، ضمنهم ممرضان مكلفان بتلقيح أزيد من 10 آلاف رضيع، وممرضتان لأزيد من 7 آلاف امرأة في طور الإنجاب، وممرض مكلف بالأمراض المعدية والصيدلية، بالإضافة إلى ممرض رئيسي، أما وحدة الولادة، فبها 3 مولدات. وقال أزييم إن المركز الحالي كان مستوصفا قرويا منذ بداية الخمسينيات، قبل أن يتم بناء دار للولادة، وتجري ترقيّته إلى مركز صحّي مستوى ثان "لا تتوفر فيه حاليا حتى شروط المركز الصحي مستوى أول". المسؤول بالجماعة الترابية المتتبع لملف قطاع الصحة بهذه الجماعة، أردف أنه، ومنذ 10 سنوات، تمّ إحداث مركز صحي بمنطقة "أنوالجديد"، "بممرض واحد ووحيد"؛ حيث تتعطل خدماته بمناسبة العطل الإدارية والإجازات السنوية. كما جرى بناء مستوصف آخر، منذ سنتين، بمنطقة "علّال"، "إلى حد اليوم بقي بدون موارد بشرية ولا تجهيزات". وزاد المتحدث في تشخيص الوضعية الصحية بجماعة آيت اعميرة قائلا إن أزيد من 120 من المرضى يقبلون بشكل يومي على المركز الصحي، من أجل الاستشارات الطبية، مما تسود معه الفوضى والازدحام، لغياب من يُنظمهم، كما "تكون فرصة سانحة للبعض لممارسة الابتزاز وممارسات أخرى". مطالب الجماعة ومعها الساكنة تتجلّى، بحسب المتحدث نفسه، في تقوية المركز الصحي الحالي، بشراكة مع وزارة الصحة، ليبقى مؤديا لوظائفه ل25 ألف نسمة عوض 80 ألفا. وأوضح أن رؤية إستراتيجية تبنتها الجماعة، بالتشارك مع الوزارة الوصية، تتمحور حول تقسيم الجماعة الترابية آيت اعميرة إلى خمس مناطق (ثلاثة مستوصفات ومركزان صحيان مستوى ثان)، وقد وفرت الجماعة الأوعية العقارية لذلك. كما استنكر المتحدث إقصاء الجماعة من الاستفادة من سيارة الإسعاف لوزارة الصحة، "رغم أن 40 في المائة من المرضى المحالين على المستشفى الإقليمي مصدرها آيت اعميرة". الدكتور خالد الريفي، المندوب الإقليمي لوزارة الصحة باشتوكة، قال، في تصريحه لجريدة هسبريس الالكترونية، إن آيت اعميرة بها مؤسستان صحيتان، مركز صحي ومستوصف قروي، كما أنه جرى تعيين مولدتين بدار الولادة، ليصبح مجموعهن خمس مولدات، مضيفا أنه يُنتظر قريبا تجهيز المستوصف القروي ب"علّال"، وتعيين ممرض به. وكشف المندوب أن المشاريع المستقبلية بقطاعه بآيت اعميرة تتمثل في ترقية المستوصف الصحي ب"أنو الجديد" إلى مركز صحي، وبناء مركز صحي آخر بدوار "الطاوس" بوحدة للولادة، ومستوصف قروي ب"الرجيلة"، ضمن برنامج الخريطة الصحية في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى تعزيز الموارد البشرية، وضمنها تعيين طبيب آخر خلال السنة الجارية. وعن توفير الأدوية بالكميات المناسبة لحجم الكثافة السكانية، أجاب المسؤول الإقليمي بأن جماعة آيت اعميرة تتصدّر الجماعات في تزويدها بالأدوية، لاعتبارات الكثافة السكانية، ونوعية الأمراض المزمنة المنتشرة، لاسيما السكري وضغط الدم، وأمراض الولادة. أما سيارة الإسعاف الخاصة بوزارة الصحة، فأورد المتحدث أن المهمة موكولة إلى الجماعات الترابية، "ولم يمنع ذلك من تعزيز التعاون مع الجماعة في مجال نقل المرضى"، كما كشف عن قرب استفادة المندوبية من سيارتين في إطار الشراكة مع الجهة وال "ANDZOA"، اعتبارا للضغط على المستشفى الإقليمي.